«التحول الرقمى» مستقبل مصر المشرق

التحول الرقمى من أبرز المجالات التى اقتحمتها الدولة وقد أظهرت قطاعات الدولة اهتماما بالغا بها، فأصبحت الرقمنة والأتمتة مصطلحات ليست غريبة على آذان المصريين بل وأصبحت كثير من المعاملات المالية يتم إنجازها من المنزل دون الحاجة إلى زيارة البنك، ومن خلال هذا التقرير نستعرض جهود الدولة فى التحول الرقمى خلال عام 2022 ومستقبله خلال العام المقبل.
قالت مارثا محروس، وكيل لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، إن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات شهد تطورات كبيرة حدثت نتيجة إعداد جيد فى السنوات السابقة للتماشى مع نهج الدولة بشأن حوكمة كل القطاعات الخدمية وجعل منظومة مصر الرقمية من مصاف المنظومات فى المستقبل فى تقديم الخدمات للمواطنين مضيفة أن عام 2022 كان بمثابة حصاد جيد لخطة الدولة فى قطاع التكنولوجيا وسوف يستمر التطوير فيه خلال عام 2023.
واوضحت «محروس» أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يسعى لجعل المنظومة الرقمية داخل كل بيت حتى يستفيد منها كافة المواطنين ولحدوث ذلك لابد من تضافر كافة الجهود التمويلية والتشاركية بين قطاع الاتصالات وكافة القطاعات الحكومية الموجودة فى الدولة وهو ما كان يمثل تحديا كبيرا خلال الأعوام السابقة لانه لم تكن كافة القطاعات جاهزة لاستقبال التطور التكنولوجى الكبير المطلوب تطبيقه نتيجة عوامل منها البنية التحتية وتدريب الموظفين بالإضافة الى عدم اكتمال المنظومة الرقمية فى كل القطاعات.
مبادرة حياة كريمة، التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال عام 2022، كان لها بالغ الأثر فى رقمنة الدولة، وحسب «محروس»، فإن تلك المبادرة قلبت وتيرة التحول الرقمى بالدولة رأسا على عقب لأنها أجبرتنا على توصيل خدمات تكنولوجيا الرقمنة إلى قرى تشملها المبادرة بشكل غير مسبوق، فقد أجبرت «حياة كريمة» الوزارة على التغاضى عن المخطط والتسابق لمواكبة حلم «حياة كريمة»، ما عزز خطة الدولة للتحول الرقمى.
وأشادت بجهود وزارات التضامن الاجتماعى والصحة والتعليم نحو التحول الرقمى، وتعتبر أبرز الجهات التى أصبح للرقمنة بها وجود ملموس ويرجع الفضل فى ذلك إلى جائحة كورونا التى انتشرت خلال الأعوام السابقة، فكان لزاما على تلك القطاعات التسريع من وتيرة التحول الرقمى حتى تتمكن من الاستمرار فى تقديم خدماتها للمواطنين فظهرت مصطلحات جديدة كالتعليم أون لاين وعن بعد فى الوقت الذى توقفت فيه العملية التعليمية فى دول أخرى، وهو ما لم يحدث فى مصر رغم باكورة التجربة الرقمية فى مصر، بالإضافة إلى توافر تطبيقات تخدم المواطنين فى تسجيل بياناتهم للاستفادة من منح تقدمها الدولة فى ظل الجائحة كمنح دعم العمالة غير المنتظمة والتسجيل عبر منظومات إلكترونية لتلقى جرعات اللقاح ضد فيروس كورونا.
وأكدت «محروس» أن الدولة بصدد التحول لمركز إقليمى لتصدير خدمات الاتصالات خلال العام 2023 فوفقا للتقارير الرسمية فإن مصر تسابق الزمن لتصدير خدمات الاتصالات كالإنترنت الفضائى من خلال القمر الصناعى طيبة 1، الذى يوفر الخدمة فى مصر والعديد من الدول المجاورة فى المنطقة مؤكدة أن الشركات التكنولوجية المصرية الناشئة تطورت خلال عام 2022 وتنافس فى الأسواق العالمية المعروفة بالإضافة إلى أن مصر سباقة فى إصدار التشريعات المتعلقة بالممارسات التكنولوجية.
وكشفت «محروس» أن وزارة الاتصالات تقدمت بخطة طموحة لمجلس النواب تضم عشرات المبادرات المقرر إطلاقها خلال 2023 بجانب مبادرات أطلِقت خلال 2022 مثل مبادرة أشبال مصر ومستقبلنا الرقمى ومبادرات تؤهل الشباب.
وقال هشام عفيفى، استشارى ومحاضر أمن المعلومات والتحول الرقمى بأكاديمية ناصر العسكرية، إن مفهوم التحول الرقمى لا يعنى تقنيات وتكنولوجيات فقط وهى عملية أكثر شمولا فيعتبر التحول الرقمى تغيير فى المفاهيم الثقافية لدى المواطن وكذا أساليب تقديم الخدمات والمكونات المختلفة التى تفصل مفهوم التحول الرقمى عن الرقمنة، موضحا أن مصر رائدة فى الرقمنة، فبدأتها منذ التسعينيات مع وزير الاتصالات الأسبق الدكتور أحمد نظيف، الذى بدأ بالفعل بدايات مبشرة ولكن القيادة السياسية لم تكن مستوعبة لأهمية التحول الرقمى فى تلك الفترة فلم يتلق المشروع الدعم الكافى من الدولة، وظلت الرقمنة حبيسة الأدراج حتى جاء الرئيس السيسى الذى اتخذ أهم القرارات بضرورة التحول الرقمى لكافة قطاعات الدولة بل ونال الموضوع قدرا كبيرا من الأهمية والاهتمام إيمانا منه بأنه لا بديل أمام مصر للقضاء على الفساد والبيروقراطية وتنظيم بيئة العمل داخل مصر وتقليل النفقات وتعظيم الناتج إلا من خلال التحول الرقمى.
وأشار عفيفى إلى أن كبرى خطوات التحول الرقمى بالدولة هى منظومة الرقمنة الحكومية والمتمثلة فى منصة مصر الرقمية والتى أطلقت بشكل تجريبى فى أغسطس 2020، وأطلقت بشكل رسمى فى يوليو 2022، وتتيح هذه المنصة للمواطن 120 خدمة والمستهدف 523 خدمة بنهاية عام 2023، مشيرا إلى أن قطاع الضرائب والمدفوعات الرقمية بشكل عام شهد تطورا ملحوظا حيث بدأت مصر تحويل منظومة الضرائب لتكون كاملة رقمية عبر الإنترنت، بالإضافة إلى أن كل الضرائب والمدفوعات يتم تحصيلها إلكترونيا، فضلا عن منظومة الفاتورة الإلكترونية التى بدأ تطبيقها عام 2022.
وأعطت الدولة مهلة لأصحاب الشركات والأعمال حتى مطلع إبريل 2023 لإتمام عملية تطبيق الفاتورة الإلكترونية ما يمكن الدولة من مراقبة وتتبع تدفق الأموال عبر مساراتها الصحيحة والتأكد من تحصيل الضرائب بصورة شرعية وقانونية دون تدخل العنصر البشرى بها وغلق الباب أمام ما يسمى الاقتصاد الموازى أو اقتصاد بير السلم.
وأضاف «عفيفى» أن الدولة توسعت فى مجال المدفوعات الرقمية، من خلال المحافظ الإلكترونية والرقمية، التى تطلقها بعض البنوك وشبكات الهواتف المحمولة، بالإضافة الى أن البنك المركزى المصرى بالتعاون مع وزارة الاتصالات، الذى أطلق فى الربع الأول من عام 2022 تطبيقا شاملا للمدفوعات الرقمية باسم «إنستا باى»، وقد لاقى هذا إقبالا كبيرا من مستخدمى الإنترنت والمعتمدين على المدفوعات الرقمية لسهولة التعامل معه وسرعه تحويل الأموال من خلاله بأمان وسهولة ويسر.
وأكد عفيفى أن منظومة البريد المصرى شهدت تطورا كبيرا، خلال عام 2022، فلم يقتصر دور البريد على الخطابات البريدية وطور نفسه وزود الخدمات المقدمة للمواطنين فيمكن المواطن استخراج الوثائق الرسمية ومنها شهادات الميلاد ووثائق الزواج ودفع المعاملات المادية الخاصة بالمرور فضلا عن أن منظومة البريد انضمت مؤخرا للاستثمار وأصبح لديها صناديق استثمار ومحافظ رقمية وتطبيقات متعلقة بالاستثمار المالى، بالإضافة الى كارت ميزة الذكى، الذى وفرته الدولة لصرف المعاشات والمرتبات.
وأكد عفيفى أن مصر مازالت فى بداية الطريق نحو الانطلاق ومواكبة الدول التكنولوجية المتقدمة، فما وصلت إليه وحققته يعتبر نواة وبداية طريق طويل لتحقيق طموحاتنا، ومازال أمامنا الكثير لننجزه فى هذا الملف، مؤكدا أن مصر تنقصها الكوادر البشرية المدربة والمُعَدة جيدا، باعتبار أن العنصر البشرى الأهم فى معادلة التحول الرقمى، ويأتى بعده التقنيات، وفى هذا الإطار تقوم الدولة ممثلة فى وزارة الاتصالات ومعهد MTI بتدريب الشباب على مسارات محددة فى مجالات تكنولوجية متعددة، الا أن عدد الخريجين لا يلبى احتياجات السوق، وهؤلاء الخريجون لهم مطلق الحرية فى السفر، ما يعنى أن الدولة أهلته ولم تستفد بجهوده، بالإضافة إلى أن مصر لم تدخل مجال التصنيع التكنولوجى.
وأشاد عفيفى بجهود الدولة فى تطوير البنية الأساسية للاتصالات ونقل البيانات من خلال استبدال الخطوط النحاسية بكابلات الألياف الضوئية (الفايبر)، التى لها مميزات كثيرة فى سرعة نقل البيانات التى توفرت لكافة ربوع مصر بفضل مبادرة حياة كريمة التى ساهمت فى تطوير البنية الأساسية للسنترالات فى مختلف المحافظات.
ويأمل عفيفى فى أن تقتحم مصر خلال عام 2023 مجال تكنولوجيات الذكاء الاصطناعى التى أصبحت مطلبا أساسيا من مطالب التحول الرقمى، وكذا مجال تكنولوجيا البلوك تشاين، ما يجعل قطاعات الدولة التى تتعامل مع الوثائق (الأحوال المدنية والجوازات وغيرها)، تتعامل وفق تكنولوجيات أكثر أماناً، بالإضافة إلى أنها توفر النفقات للدولة وتحافظ على الوثائق بشكل آمن، لافتا إلى أن بعض دول الخليج أصبحت تعتمد على تكنولوجيا البلوك تشاين بشكل كامل على مستوى الدولة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات.
ولفت عفيفى إلى أن موقع مصر الجغرافى المميز أضاف لها ميزة تلاقى كثير من كابلات الإنترنت البحرية فى البحرين المتوسط والأحمر، وتربط عددا كبيرا من دول قارتى أوروبا وآسيا، ما جعل مصر مركزا إقليميا فى هذا المجال، كما أن مصر لديها بداية جيدة فى مجالات تصدير الخدمات الرقمية، مثل بيع البرمجيات، وتسعى للارتقاء بهذا المجال، مشيرا الى أن مستقبل مصر يكمن فى البرمجيات، من خلال الاهتمام بالكوادر البشرية، مطالبا بإطلاق مبادرة رئاسية خاصة بصناعة البرمجيات.