المناخ المؤسسى للبحث العلمى والابتكار العالمى

فى مقالى السابق، ناقشت معدلات الأداء البحثى والابتكارى المصرى، وفق نتائج دليل «سيماجو» الدولى فى عام (2022)، حيث أشارت مؤشرات ومتغيرات الدليل إلى حدوث تحسن ملحوظ وتقدم واضح فى أداء مراكز ومعاهد البحث العلمى العامة المصرية، وزيادة قدرتها التنافسية أمام البحث العلمى الجامعى الذى هيمن على معدلات الإنتاج البحثى والمعرفى وحجم قوة العمل البحثية خلال السنوات السابقة. وقد توصلت إلى تفسير هذا التحسن بوجود «صحوة أو نقلة نوعية» بمعدلات الأداء البحثى للمراكز البحثية.. نتمنى أن تتسم بصفة الدوام أو الاستدامة، وألا تكون ذات طابع مؤقت.. بيد أن الاختلال الرئيسى المُتمثل فى غياب أنشطة البحث العلمى والابتكار بشركات الأعمال الإنتاجى ومؤسسات المجتمع المدنى غير الهادفة للربح أو تدنى معدلات إنتاجها مازال مستمرًا دون أى تطور إيجابى.. غير أن إحدى السمات المميزة لنتائج دليل سيماجو الدولى تتمثل فى إمكانية استخدامه للتعرف على الملامح الحاكمة لتطور هياكل المؤسسات المنتجة للبحث العلمى العالمى، ومعدلات أدائها مقارنةً بالسنوات السابقة، حيث يمكن استخلاص عدد من النقاط التحليلية المرتبطة بجوانب البحث العلمى ومبادرات الابتكار، والتأثير والحضور المجتمعى، يمكن تلخيصها فى النقاط التالية:
أولًا: تُظهر النتائج تعاظم الدور البحثى لمؤسسات إنتاج البحث العلمى بجمهورية الصين الشعبية فى عام (2022)، باحتلالها ثلاثة مراكز ضمن أفضل (10) مؤسسات بحثية على المستوى العالمى، حيث حصدت المراتب الأولى والثانية والعاشرة فى معدلات أداء البحث العلمى والابتكار العالمى. كما عكست النتائج من ناحية أخرى، درجة متقدمة من التنوع والتكامل المؤسسى فى مصادر إنتاج البحث العلمى والابتكار المتمثلة فى أكاديمية الصين للعلوم (المرتبة الأولى)، ووزارة التعليم الصينية (المرتبة الثانية)، وجامعة شنجهاى (المرتبة العاشرة) عالميًا.
ثانيًا: تعكس نتائج دليل سيماجو العالمى الرؤية الاستراتيجية لجمهورية الصين الشعبية الرامية إلى تحقيق التوجه نحو الابتكار بمراكزها ومعاهدها البحثية ومؤسساتها الإنتاجية. وقد تمثل هذا التوجه فى حصد أكاديمية الصين للعلوم ووزارتها للتعليم مركزين ضمن أفضل عشر مؤسسات فى مجال براءات الاختراع والابتكار على المستوى العالمى.. بالإضافة إلى ما حققته شركة شبكات الدولة الصينية باحتلالها المركز الثانى فى مجال الابتكار. كما يُعد احتلال أكاديمية العلوم الصينية كمؤسسة حكومية معنية بالبحث العلمى والتكنولوجيا المرتبة الأولى عالميًا فى مجال الابتكار أمرًا يتعين رصده وتحليليه.
ثالثًا: احتل المركز الوطنى للبحث العلمى التابع للحكومة الفرنسية المركز الثانى عالميًا فى السنوات (2020 و2021 )، والمركز الثالث فى عام (2022).. بما يدل على تواجده فى المراكز الأولى بقائمة أفضل المؤسسات البحثية بشكل دائم.
رابعًا: تشير النتائج إلى أهمية الجامعات البحثية (أو الجامعات ذات التوجه البحثى) فى مجال إنتاج المعرفة ونشرها على المستوى العالمى.. إذ تُظهر نتائج دليل سيماجو لعام (2022) إنجاز جامعة هارفارد الأمريكية المُتقدمة بحثيًا باحتلالها المرتبة الرابعة عالميًا، وحصد مركزها البحثى فى العلوم الطبية المرتبة التاسعة دوليًا فى نفس العام.
خامسًا: أظهرت النتائج أهمية الدور البحثى لشركات الأعمال الإنتاجية ودورها على صعيد الإبداع والابتكار.. وهو ما يغيب بشكل واضح على مستوى الشركات الإنتاجية بمصر؛ إذ تشير النتائج إلى سيطرة مؤسسات الأعمال المُنتجة للسلع والخدمات على الأداء العالمى فى مجال الابتكار، حيث حصدت شركات الأعمال سبعة مراكز من أفضل (10) مراكز عالمية فى مجال مخرجات الابتكار.. كما تفيد النتائج التحليلية على المستوى العالمى بوجود تنوع فى شركات الأعمال الإنتاجية فيما يخص قائمة أفضل مؤسسات مُنتجة للابتكار، حيث أظهرت النتائج توليفة من شركات السيارات (شركة تويوتا اليابانى) والأجهزة الكهربائية وتكنولوچيا الاتصالات (شركات سامسونج وإل چى الكورية)، وصناعة الدواء (شركة لونيس الأمريكية)، وتكنولوچيا المعلومات (شركة جوجل الأمريكية)، وشركة تطوير الذكاء الاصطناعى البريطانية (ديب ميند Deep Mind).
سادسًا: حصدت شركة فيس بوك (Face Book) متعددة الجنسيات، وفرعها بالولايات المتحدة الأمريكية، المرتبتين السادسة والسابعة عالميًا بالدليل المُركب لمؤسسات البحث والتطوير. ويعود ذلك أساسًا لاحتلالهما المرتبتين الأولى والثانية على المستوى العالمى فى المجال الفرعى لدليل سيماجو المُختص بالتأثير والانتشار والتواجد المجتمعى، رغم عدم ظهورهما ضمن العشر مراتب الأولى عالميًا فى المحورين الفرعيين لدليل سيماجو للبحث العلمى من ناحية، والابتكار من ناحية أخرى.
سابعًا: تظهر النتائج غياب الجامعات ومؤسسات التعليم العالى الأُخرى من قائمة أفضل عشر مؤسسات عالمية فى مجال الابتكار بالدليل.. حيث احتلت أفضل جامعة فى هذا المجال (جامعة شنغهاى الصينية) المرتبة الحادية عشرة عالميًّا.
ثامنًا: بالتركيز على المجال الفرعى فى الدليل المُختص بالبحث العلمى على مستوى مؤسسات التعليم العالى فقط، تفيد النتائج بسيطرة كل من الجامعات الأمريكية والصينية على قائمة أفضل عشر جامعات، فيما عدا جامعة أكسفورد البريطانية التى احتلت المرتبة (8) عالميًا. وقد حصدت الولايات المتحدة الأمريكية خمسة مراكز، وجمهورية الصين الشعبية أربعة مراكز جامعية على التوالى. كما تشير النتائج إلى اعتلاء جامعة هارڤارد ومركزها البحثى فى مجال العلوم الطبية المرتبتين الأولى والثانية على مستوى مؤسسات التعليم العالى عالميًا. فى حين كانت جامعة شنغهاى الصينية الأفضل أداءً على الصعيد العالمى فى مجال الابتكار.
نخلص مما سبق إلى أن مؤشرات دليل سيماجو العالمى تؤكد قوة الارتباط بين الأداء الاقتصادى للدول وتقدمها على صعيد البحث العلمى والابتكار، وتُعد فى نفس الوقت مصدرًا مهمًا لوضع الرؤى ورسم السياسات العلمية والتكنولوجية فى عصر الثورة المعرفية.