د. أمانى فؤاد تكتب: د. على بن تميم ورؤية الإمارات الثقافية

ميزة مهِمة للغاية تتحقق للدكتور على بن تميم، رئيس مركز أبوظبى للغة العربية، ‏فحين يتولَّى مثقَّف وناقد أكاديمى كبير، وإعلامى وشاعر، عدداً من المناصب الثقافية ‏والمؤسسات، سواء فى الجامعة أو الإعلام، أو مركز أبوظبى للغة، يصبح قادراً على ‏تحقيق رؤية الإمارات المتسامحة والمنفتحة.
لقد كوَّن د. على بن تميم رؤاه التنويرية فكراً وتنظيراً، على أرض الواقع الفعلى. فحوّل ‏الأفكار التى يؤمِن بها، والأحلام والخطط ورؤية قيادة دولة الإمارات فى المجال الثقافى، إلى فعاليات تعمل على تخطيط عمل ‏المؤسسات وأهدافها، وتنشيط المؤتمرات، والمعارض والندوات، ووِرَش العمل والخلوات ‏الثقافية، كما تتجلى أيضاً فى منشورات فكرية وإبداعية. ومن هنا فإن ثقافة المسؤول الذى يدين بالولاء لوطنه وقيادته، تقود حركة نهضة الأوطان ووعى جموعها.‏
ويلمس كل مثقف عربى رؤية د. على بن تميم الواسعة للثقافة العربية، فهو الذى ‏يخرُج بفعاليات المؤسسات الثقافية التى يترأسها من المحيط الإماراتى، ليؤسس لشراكات مع المراكز والمؤسسات الثقافية الكبرى الأخرى فى العالم العربى دون تحيزات ‏أو توازنات، بل بحرص شديد على إعلاء القيمة الفكرية والإبداعية الحقيقية فقط، بل ويحرص ‏على تنشيط حالة التفاعل هذه لمدى أبعد، حيث الشراكات الثقافية والإبداعية مع المراكز ‏والمعاهد الثقافية العربية فى البلاد الغربية، أو المراكز والمعاهد الغربية فى فرنسا وغيرها، فى حركة حوار واسعة مع الثقافات المختلفة المتنوعة، تحقيقاً لرؤية الإمارات فى ترسيخ قيم التواصل وحوار الحضارات.
وتتسم اختيارات د. على بن تميم بالموضوعية والعمق والاختلاف عن السائد، ويلحظ المراقِب عدمَ ‏تهيُّبه من إحياء المختلَف عليه بين أنصار القديم والعلوم الحديثة، وإعادة طرْحه للبحث ‏والتدارس، والتقاط الرؤى الصادقة المختلفة التى تطرح حلولاً حقيقية تواجِه ثقافة المجتمع ‏العربى، وتعيد طرْحها للتداول والنقاش الفكرى، مثل اختياره لطه حسين، عميد الأدب ‏العربى، ليكون الشخصية المحورية لمعرض أبوظبى الدولى للكتاب فى دورته الماضية، أو دعوته لإعادة قراءة ‏المشروع الفكرى ل د. نصر حامد أبو زيد، واختيار د. عبد الله الغذامى ليكون شخصية العام فى جائزة الشيخ زايد للكتاب، بكل منتَجه وما يثيره من إشكالات وطرح مستنير وعقلانى، وغيرها من أطروحات تعمّق التلقى وتقود إلى حراك تنويرى ‏فكرى. ‏
كما تتنوع اهتمامات ومسؤوليات د. على بن تميم على أصعدة ومجالات تعليمية وثقافية ‏متنوعة، حيث أسس تخصصاً فرعيّاً بجامعة الإمارات - التى حاضر بها سابقاً - عن دراسات ‏المرأة تحت مسمَّى «المرأة والثقافة»، ودوره المهم خلال عمله رئيساً لمجلس إدارة مركز جامع الشيخ زايد الكبير، وأيضاً خلال رئاسته اللجنة التنفيذية لمجلس إدارة الأرشيف الوطنى، فضلاً عن تحقيقه لرؤية الإمارات الإعلامية الساعية للتطوير والتحديث أثناء عمله كمدير لشركة أبوظبى للإعلام.
ولا ننسى اهتمامه بالترجمة وإحيائها من خلال «مشروع كلمة» ‏منذ تولَّى إدارته، ورئاسته للهيئة العلمية بجائزة الشيخ زايد للكتاب كونه الأمين العام للجائزة، أو رئاسة تحرير موقع ‏‏24 الإخبارى، أو اشتراكه فى رئاسة لجنة تحكيم البرنامج الشعرى الأهم «أمير الشعراء»، وغيرها ‏من مواقع تزدان بجهوده ورؤاه. الجميل أنه فى كل هذه المواقع يسعى لتحقيق رؤية بلاده فى ‏الوصول بالثقافة العربية لنوع من التفاعل الحقيقى، لتشكيل هُوَية حقيقية للإنسان ‏العربى، وجعْل بنيته المعرفية الثقافية أرقى وأكثر عقلانية وتنويرا.‏
ويتعامل د. على بن تميم مع اللغة العربية من منظور عميق، ليس بِعَدِّها مجرد مفردات ‏وجُمل نتحدث بها، بل بحسبانها الحاضنة الحقيقية للثقافة والعقل العربى، فنحن نفكر ‏ونشعر ونتجادل باللغة، تتشكل من خلالها هُوَيتُنا، ونحافظ من خلالها على تراثنا، ومن ‏خلالها أيضاً نغربله، ونعيد طرْحه للنقاش، وهو إذ يترأس مركز أبوظبى للغة العربية ‏يستطيع أن يحقق الرؤية الاستراتيجية الفاعلة، ويتسع بها حين يعد شراكات مع مجامع اللغة العربية الأخرى فى ‏الأقطار العربية.‏
‏أدرك د. على بن تميم كيفية التوظيف الأمثل للإمكانات المادية لنشْر وتفعيل الثقافة ‏الحقيقية، التى تؤثِّر فى الشعوب العربية، وتسهِم فى صياغة الأنساق الثقافية العميقة، ‏محقِقّاً معادلة تذليل الإمكانات المادية وبسْطها للرُّقى بثقافة الإنسان. لقد شاركت فى ‏بعض المهام والأنشطة لمركز أبوظبى للغة العربية، حيث يضع لها د. على بن تميم وفريق العمل، أُسُس ‏تعامُل محكَمة، تجعل ما ينفَّذ من مشروعات منضبِطاً وموثَّقاً ورائداً فى مجالات هذه ‏الأنشطة اللغوية والثقافية والإبداعية.‏
كما يلمس كل من يتعامل مع د. على - على المستوى الإنسانى - قدْراً رفيعاً من النُبل ‏الإنسانى، الذى ينمُّ عن روح معطاءة، مقدِّرة لجهد الآخَرين وتاريخهم المعرفى، وبقدْر ما ‏يتمتع به من العقلانية والالتزام، إلا إنه يبادر بلفتات إنسانية تُظهِر رِفعة روحه وأصالتها ‏فى تعامله مع المحيطين به، ومراعاة الإنسانيات الراقية التى تميِّز البَشر، الذين تتحول ‏ثقافاتهم الرفيعة إلى سلوك على أرض الواقع.