ائتلاف حقوق الإنسان يصدر تقريرا تحليليا حول النظام الانتخابي المصري    متحدث الأوقاف: «مسابقة الأئمة النجباء» نقلة نوعية في تطوير الخطاب الديني    محافظ أسيوط يهنئ الفائزين في مسابقة السيرة النبوية    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات «سكن لكل المصريين" ب5 مدن جديدة    أسعار الأسماك اليوم الاثنين في شمال سيناء    ضبط 178 كيلو لحوم غير صالحة للاستهلاك داخل مطاعم بأسيوط الجديدة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" ب5 مدن    حاكم دارفور: سقوط الفاشر لا يعني التفريط في مستقبل الإقليم لصالح جماعات العنف    لافروف: بوتين مستعد لقبول المقترحات الأمريكية بشأن أوكرانيا لكن واشنطن لم تقدم ردا مباشرا حتى الآن    تمساح عمره 80 مليون عام، اكتشاف علمي جديد لمركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة    اتصالات لوزير الخارجية مع نظرائه في فرنسا واليونان والسعودية والأردن لبحث تطورات الأوضاع في غزة والسودان    إسرائيل تسمح لحماس بالبحث عن الجثامين في عدة نقاط داخل الخط الأصفر بقطاع غزة    تفاصيل تسجيلات تقنية الفيديو في الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة    مدافع اتحاد جدة يغيب عن مواجهة النصر    اتحاد الكرة عن خطاب عقوبة دونجا : غير شرعي والرقم الصادر الدليل    بعد الخسارة الثالثة على التوالي.. تودور: نمر بفترة صعبة ولا أهتم بمستقبلي    القبض على عنصر جنائي غسل 90 مليون جنيه حصيلة النقد الأجنبي بالقاهرة    أمن الجيزة يعاين عقار شهد مصرع طفلين في قرية بأبو النمرس    ضبط 6 أشخاص أثناء التنقيب عن الآثار داخل عقار في المرج    «الداخلية»: ضبط 4 متهمين بغسل 70 مليون جنيه من تجارة المخدرات    رحال المحروسة: المتحف المصري الكبير رمز عزة وفخر لكل مصري    مفاجأة عن طريقة عرض آثار توت عنخ آمون بالمتحف المصري الكبير    تقترب من 69 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم فيها إيه يعني بعد 26 ليلة    «الرعاية الصحية»: 870 مليون جنيه تكلفة تطوير «دار صحة المرأة والطفل» لخدمة 600 ألف مواطن بالسويس    ترامب يحذر الحوامل مجددًا| لا تستخدمن دواء "تايلينول" إلا للضرورة القصوى    بعد قليل.. محاكمة المتهمين ومصور فيديو الفعل الفاضح أعلى المحور    محافظ القاهرة يوجه بتخصيص جزء من الإذاعة المدرسية للتعريف بالمتحف المصرى    التخطيط: الشراكة بين مصر والأمم المتحدة تقوم على العمل المشترك لتحقيق أولويات التنمية    وزارة العمل تنشر نتائج حملات تفتيش على 721 منشآة    القبض على سائق ميكروباص يدخن «شيشة» خلال القيادة بالإسكندرية    أمين صندوق الغرف السياحية يكشف أسباب تراجع أسعار الحج السياحي للموسم الجديد    قانون اللاجئين الجديد ينظم أوضاع نحو 9 ملايين لاجئ في مصر.. تعرف على التفاصيل    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 في بورسعيد    بعد غد.. وزيرا دفاع اليابان والولايات المتحدة يجتمعان في طوكيو    نورا ناجي: رواية حامل مفتاح المدينة تمزج بين الواقعية السحرية والخيال    رضا عبد العال: توروب غير مقنع مع الأهلي حتى الآن.. والسوبر المصري الاختبار الحقيقي    العظمي 27..تعرف على حالة الطقس اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025 بمحافظة بورسعيد    الرقابة الصحية: إطلاق أول معايير وطنية لمكاتب الصحة والحجر الصحى    بطولة محمد سلام.. التفاصيل الكاملة لمسلسل «كارثة طبيعية» قبل عرضه الأربعاء    اتحاد المبدعين العرب: المتحف الكبير يجسد عبقرية المصري القديم وريادة مصر الحديثة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في محافظة قنا    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 27اكتوبر 2025 فى المنيا    استقرار نسبي في أسعار الأسمنت اليوم الإثنين 27أكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    فريدة سيف النصر تعلن تفاصيل عزاء شقيقها اليوم    أول أيام الصيام فلكيًا.. متى يبدأ شهر رمضان 2026؟    قوات الدعم السريع السودانية تعلن سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 27 أكتوبر    بسملة علوان ابنة القليوبية تحصد المركز الثاني ببطولة الجمهورية للكاراتيه    «معرفش بكره في إيه».. عبدالحفيظ يكشف رأيه بشأن التعاون مع الزمالك وبيراميدز في الصفقات    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    الداخلية تضبط شخصين روجا شائعات وأكاذيب تحريضية بواقعة المنيا    "البلتاجي "على كرسي متحرك بمعتقل بدر 3 ..سر عداء السفاح السيسى لأيقونة يناير وفارس " رابعة"؟    أنظمة الدفاع الروسية تتصدى لهجمات بطائرات مسيرة استهدفت موسكو    نمط حياة صحي يقلل خطر سرطان الغدة الدرقية    الزبادي اليوناني.. سر العافية في وجبة يومية    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    من هو صاحب الذهب المشتراه من مصروف البيت ملك الزوجة ام الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا ما أريده من الحوار الوطنى
نشر في المصري اليوم يوم 05 - 08 - 2022

لابد لنجاح أي حوار من الاتفاق على محددات سابقة له، ووضع إطار نتحدث داخله. وأقترح أن يكون ذلك هو الدستور ورؤية مصر 2030، التي أعلنها رئيس الجمهورية في 2015.
ولنبدأ بمبادئ الدستور الذي جاء في ديباجته التالى: «نحن الآن نكتب دستورًا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية».
«يقوم النظام السياسى على أساس: 1- التعددية السياسية والحزبية. 2- التداول السلمى للسلطة. 3 الفصل بين السلطات والتوازن بينها. 4 تلازُم المسؤولية مع السلطة. 5 احترام حقوق الإنسان وحرياته، على الوجه المبين في الدستور».
هذه هي مقدمة الدستور والمادة الخامسة منه، والذى وافق عليه الشعب المصرى بأغلبية ساحقة عام 2014، ولم تلحق بهذه المقدمة ولا المادة الخامسة تعديلات في 2019. إذن الدستور هو مرجعيتنا في إدارة مصر والحفاظ عليها.
توجد في الدستور مواد علينا الحفاظ عليها، ومواد لم تُطبق، علينا وضعها في إطار التطبيق، مثل الشكل السياسى لإدارة البلاد لا مركزيًّا، وأغلب ما يخص الفصل بين السلطات والتوازن بينها، وطريقة تطبيق العدالة واحترام الحريات.
إذن الأساس هو بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، التي بتعريفها لها حكومة تحافظ وتحمى كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية، وتحمى الخصوصية، وحرية التعبير. وهناك عدة مبادئ ينبغى توافرها في الدولة المدنية، والتى إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة، أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، واحترام التعاقدات، بحيث تضمن حقوق جميع المواطنين، ليس كهبة من الحاكم ولكن كحق من واجبه الحفاظ عليه، ولا تسمح لبعض أفراد المجتمع بأن يفرضوا أنفسهم مُطوعين، ولا يقبلون الاختلاف والتعدد، ويفرضون ثقافتهم على الآخرين تحت عباءة دينية.
وتعالوا نفكر فيما ذُكر في ديباجة الدستور، ونجعله أساسًا للحوار، ونسأل أنفسنا بصراحة: كيف يمكننا أن نحقق ذلك؟. ولماذا لم تتحقق مواد من الدستور حتى الآن؟، وهل نحتاج إعادة مناقشة، أم محاسبة للحكومة؟؟.
إذا لم نتفق على المظلة الحامية للمجتمع التي جاءت في الدستور، فسيكون الحوار عشوائيًّا وفوضويًّا يفرض الرأى فيه الأعلى صوتًا والأكثر تنظيمًا. وعلينا الحذر من حماية الحوار من البعض الذين يرون، وقد يكون بحسن نية، ولكن بخطأ، أن الاستقرار وسلامة المجتمع يأتيان بالسكون وعدم التغيير وتجنب فتح أبواب التعددية.
الأسهل لمَن لا يملك القدرة على إقناع الآخرين أن يسعى للفكر الواحد وفرض الطاعة، وتضييق الاختيارات.
حوار بهذا التوجه سيكون هدفه دعم بقاء الحال كما هو عليه، وكأن التغيير معناه أنهم كانوا على خطأ.
الحقيقة أننى أتفهم فلسفة تدخل الدولة في المرحلة الانتقالية التي تلت مأساة الحكم الدينى لملء الفراغ السياسى خشية الفوضى. وأتفهم أيضًا بحكم الخبرة السياسية أن سلب سلطة بعض مَن تمتعوا بسلطات واسعة في المرحلة الانتقالية لن يكون سهلًا، وسيتمسك الكثيرون منهم بما كان لديهم من سلطات، وهى طبيعة البشر لأنهم مستفيدون من الواقع.
نفس المنطق والفلسفة سيحكمان رجال الدين عندما نطلب منهم أن يغيروا منهج الخطاب الدينى، وهم المستفيدون من وجوده.
التغيير لن يأتى من هؤلاء وهؤلاء أو برضاهم، وهو دور قيادة البلاد السياسية، التي كما استجابت لنداء الشعب في 30 يونيو، فعليها أن تستجيب لحق المواطنين في ترسيخ إرساء قواعد الجمهورية الجديدة المدنية الحديثة، وهو ما أراه في موقف الرئيس بدعوته إلى الحوار.
إن أعمدة الدولة الحديثة تقوم على مبدأين، أولهما العدالة والتطبيق غير الانتقائى للقانون، وثانيهما هو التنمية الإنسانية المستدامة.
إذا كان ذلك مدخلنا للحوار فأهلًا به، إما إن كنا سندور ونلف بهدف الفوز في جدال أو تحقيق أهداف تمكين فئة أو مؤسسة على أخرى أو بقاء الوضع كما هو عليه، فلن ينجح الحوار.
قال لى شاب نابه: إذن أنت تعتبر أن جوهر الحوار سياسى يا دكتور!.
قلت: نعم، نظام الحكم يحدد كل شىء يا بنى.. وإدارة الدولة هي وظيفة حكومتها، ولو فكرنا فيما رسخته الحضارة من خلال التعليم والتجربة، فهو أن تداول السلطة بشكل سلمى وقبول المحاسبية من ممثلى الشعب هو ما يجب أن نتحاور حول كيفية تطبيقه.
وقد علمتنى الخبرة أنه لابد من تحديد التحديات التي تقف أمام قدرتنا على بناء هذا المستقبل، وأعتقد أن ما سيقوض مسار الدولة المدنية الحديثة التي نسعى إليها هو التسلل السلفى الرجعى، الذي سمحنا له أن يحاسب أفراد المجتمع على خصوصياتهم وعلاقتهم بربهم ويفرض عليهم ثقافته بدون تدخل من إدارة البلاد بشكل حاسم وقاطع لحماية أفراده.
إننى أرصد فئتين في المجتمع يعلو صوتهما بضجيج، وتجعلاننا نظن أنهما أغلبية، وهما ليسا كذلك. الإخوان والسلفيون، الذين ثار عليهم المجتمع بعد عام واحد من الحكم الدينى، والناصريون (رغم محبتى واحترامى لأشخاصهم) واليساريون، الذين مازالوا ينادون بمبادئ أُغلق مصنعها في الاتحاد السوفيتى وما زالوا وكلاء له في مصر.. ويريدون العودة بالمجتمع إلى ملكية الدولة لأدوات الإنتاج ونفى القطاع الخاص من المعادلة الاقتصادية واتهامه وتجريمه بصفة دائمة.
لماذا أذكر ذلك في إطار مقال حول الحوار الوطنى، لسببين: أولهما تصدر الناصريين للمشهد فجأة، وجلبهم إلى منصة الحوار بشكل واضح لا يخفى على العين، وثانيهما عدم ذكر الحقيقة الأساسية في فحوى الدعوة إلى الحوار. إن الإسلام السياسى هو المناهض الرئيسى للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
إن المعاكس للحكم المدنى هو الحكم الدينى، الذي يستخدم الدين والعقيدة لتحقيق سلطات سياسية، ولا يعترف بالمواطنة إلا لمَن يدين بدينه، فهو حكم ديكتاتورى متسلح بالدين.
والمعاكس الآخر هو الحكم الديكتاتورى، الذي يتسلح بأيديولوچيا إنسانية تفرض على الشعب كما كان الحكم الشيوعى الذي فشل فانهار وسقط.
والمعاكس الثالث هو أي نظام حكم ديكتاتورى يتسلح بتخويف الشعب لفرض إرادة فئة منه بالحكم، ويشترك الثلاثة في شىء واحد، هو عدم تداول السلطة سلميًّا إلا بثورات وانقلابات وهدم واغتيالات وهزائم.
كلها نظم حكم تمنع المدنيين بشكل مباشر أو غير مباشر من المشاركة السياسية، وتجهض العمل الحزبى والسياسى حتى لا تكون للقوى المدنية قيمة في أي انتخابات، ويختل التوازن بين السلطات، وتُهمش كافة مؤسسات الدولة.
والخطير أنه بمرور الوقت تصبح حجة البقاء في الحكم وإيقاف تداول السلطة مرتبطين بغياب البديل أو عدم كفاءته، وهو النتيجة الطبيعية لتهميش مؤسسات الدولة المدنية.
قد يحدث كل ذلك في دولة ما أو بعضه، وقد تؤدى الأحداث إليه، ولكن التاريخ يقول إن جميع النظم الديكتاتورية، مهما أنجزت في لحظات، فهى كمَن يبنى قصرًا من رمال على الشاطئ، تنتهى في الأغلب إلى انتهاكات لحقوق المواطنين، وتهدم ما تم إنجازه، وتعود بالبلاد إلى نقطة الصفر مرة أخرى في كل حلقة تطور، وهو ما يجب أن نتجنبه، بل نمنعه في الجمهورية الجديدة.
تكلمت عن الدستور والسياسة، وأعود إلى رؤية مصر 2030، التي أرى أنها يجب أن تكون محور الحوار وإطاره في التنمية المستدامة.
إننى أؤكد أن المعرفة هي عماد هذه التنمية، وهى بوابة العبور إلى مستويات التقدم التي ننشدها، فالمعرفة تنعكس على تطور الاقتصاد والسياسة والمجتمع بأسره وعلى كافة جوانب النشاط الإنسانى، ولقد لعبت المعرفة على مر العصور دورًا حاسمًا في صعود الأمم وهبوطها وصياغة توجهات الحاضر والمستقبل.
محور رؤية البلاد يجب أن يكون إتاحة أفضل الفرص الممكنة لاستغلال الطاقات البشرية من أجل تحقيق مستوى رفاهية أفضل للأفراد.
الإنسان المصرى هو الهدف، وهو أيضًا الأداة الأساسية لتحقيق هذه التنمية. إننى أؤكد أن التنمية بهذا المعنى لا تعنى فقط زيادة الثروة أو الدخل للمجتمع أو حتى الأفراد، وإنما النهوض بأوضاعهم الثقافية والاجتماعية والصحية والتعليمية وتمكينهم رجالًا ونساء، شبابًا وكبارًا، وتفعيل مشاركتهم في المجتمع وحسن توظيف طاقاتهم وقدراتهم لخدمة أنفسهم ووطنهم.
ولا ننسى المواءمة بين التوازنات البيئية والسكانية والطبيعية، والاستخدام الأمثل وبشكل منصف للموارد بحيث تعيش الأجيال الحالية دون إلحاق الضرر بالأجيال المستقبلية.
قلب ما أقول هو أن التعليم هو بوابة المعرفة، والمعرفة هي أساس التنمية وبناء القدرات وتوفير الفرص.
الحوار الوطنى سياسى من الدرجة الأولى، ونظام الحكم هو ما يجعل التنمية، إذا وضعناها أساسًا، ممكنة ومستدامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.