تواجه السمسمية المعشوقة الأولى لسكان مدن القناة الثلاث شبح الاندثار؛ لندرة عازفيها وصانعيها في الآونة الأخيرة، بعد أن كانت تراثا شعبيا يعبر عن أهالي مدن القناة، خاصة السويس، فهي إجراء مهم في حكايات المقاومة الشعبية إبان فترة الاحتلال الإنجليزي وما أعقبها من أحداث وصولا إلى تهجير أهالى السويس نتيجة العدوان الإسرائيلي الغاشم على مصر. والسمسمية أو «الطنبورة» هي عبارة آلة وترية مصرية أصيلة، ترجع إلى عهد القدماء المصريين، حيث ظهرت في كثير من الزخارف المنقوشة داخل جدران المقابر المصرية القديمة، وتشبه السمسمية في شكلها البدائي القيثارة المصنوعة من أخشاب الزان، أما أوتارها المعدنية يتم تصنيعها من أسلاك الصلب الرفيع، التي تحدث صوتًا عند الضرب على هذه الأسلاك الموجودة. في البداية، يقول أحمد علي الشهير ب«أحمد عدوية»، مدرب فرقة الآلات الشعبية بقصر ثقافة السويس، إن السمسمية شهدت تراجع كبير بداية من عام 2005 بسبب ظهور «الدي جي» منخفض التكلفة مقارنة بالأجر الذي يتقاضاه عازف السمسمية في الليلة الواحدة، مشيرًا إلى تراجع أعداد الفرق التي تقوم بإحياء الحنة السويسي، بالإضافة إلى عزوف البعض عن تعلم العزف على السمسمية؛ نتيجة قلة الدعم الموجه إليهم من قبل وزارة الثقافة ومحافظة السويس. وأوضح «عدوية» أنه تلقى العديد من العروض للغناء في أحد الفرق الخارجية مؤخرًا شأنه شأن الكثير من أقرانه، حيث ترك الكثير من أعضاء الفريق السمسمية واتجهوا إلى الأغاني الشعبية والمهرجانات والراب، إلا أنه رفض بشدة كل العروض المقدمة له، متمسكًا بحبه لتراث بلده وعشقه للعزف والغناء على السمسمية، مضيفًا -على حد تعبيره- «حبنا القوي للسمسمية وعشقنا للمكان والصحبة هو الدافع الحقيقي للحفاظ على هذا التراث». وفي هذا الصدد، أشار الفنان صلاح عبدالحميد، الشهير ب«الريس كابوريا» إلى السبب الرئيسي وراء تراجع أعداد عازفي السمسمية يرجع إلى هجرة معظم أبناء السويس الأصليين، وتوافد السكان من مختلف المحافظات ورغبتهم في الاحتفاظ بهويتهم الثقافية ورفضهم ثقافة البلد الأساسية ..«السويس بلد الغريب»، بالإضافة إلى استغلال هذا الفن من قبل البعض، واتخاذها كتجارة تهدف للربح بعدما كانوا يحيون الأفراح في الماضي بالمجان. وتابع «كابوريا» أنه قام بإنشاء جمعية محبي السمسمية والفن الشعبي؛ للحفاظ على التراث الشعبي والسمسمية من الضياع، من خلال تكثيف نشاطات الجمعية في الحفلات والمهرجانات والقنوات الفضائية، بالإضافة إلى تدريب بعض الأطفال في المدارس على طريقة العزف على السمسمية من خلال التعاون مع إدارة المدرسة ومديرية التربية والتعليم. من جهته، رفض وائل عيد، مسؤول النشاط الفني بقصر ثقافة السويس، استخدام مصطلح «انقراض السمسمية»، حيث تواجه السمسمية بعض التحديات والأزمات وتتأثر بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لافتًا إلى أن السمسمية عادت بقوة إلى مكانتها الطبيعية في الفترة الأخيرة، بفضل الجهود المبذولة من وزارة الثقافة والمبادرات التي تهدف إلى توفير الآلات والملابس وأماكن التدريب الخاصة بفريق الآلات الشعبية. ورفض سيد عبدالمجيد، أحد أقدم أعضاء فريق الآلات الشعبية والمؤسس الحقيقي للفريق بقصر ثقافة السويس، بعض الدعوات التي تريد خلط نغمات وأغاني السمسمية مع المهرجانات الشعبية والراب مؤخرًا في محاولة لإحياء تراث السمسمية والمحافظة عليه من الاندثار، لافتًا إلى أن أهالي مدن القناة فقط هم القادرون على العزف والغناء على السمسمية دون سواهم.