عشق فن السمسمية وهو فى العاشرة من عمره، وكان ضمن فريق «أولاد الأرض» لتحفيز الجنود على الضفة، حتى أصبح رائد هذا الفن فى كل مدن القناة، إنه صلاح عبدالحميد محمد الشهير ب«سيد كابوريا». ويقول «كابوريا»: «ولدت فى عام 1916، وتعلمت العزف على آلة السمسمية على يد الفنان السويسى الراحل عبدالمنعم عمارة، واجتذبتنى الأفراح الشعبية فى السويس التى لم تكن تخلو من السمسمية، وتميزت بالأغانى الشعبية غير المدونة، وحفظت هذا التراث بالكامل». والتقى «كابوريا» فنان المقاومة الراحل «الكابتن غزالي» فى عمر الخامسة عشرة، إبان المقاومة الشعبية لمدينة السويس، وكان أصغر مؤسس لفرقة «أولاد الأرض»، التى قادت حركة النضال بالغناء والموسيقى، خلال سنوات الحرب بين مصر وإسرائيل. ويذكر «كابوريا» أول أغنية غنتها الفرقة، والتى كان مطلعها: «فكرينك يا سينا.. فكرينك يا سينا يا قصتنا العظيمة.. ولادنا فى حضن أرضك أمانة.. خليكى حنونة». وأكد «كابوريا» أن الفرقة كانت تبحث دائمًا عن كلمات يسهل حفظها وترديدها، ولا تخلو من الفكاهة، والتندر، إذا لزم الأمر، حتى تنتشر سريعًا بين أهالى السويس والجنود، وكانت الفرقة مكونة من 25 فردًا، يجتمعون فى أحد الخنادق القريبة من منزل «كابتن غزالي» للتدريب، ويطلقون عليه «شاليه أولاد الأرض» على سبيل المزاح. وشهد الخندق حضور عشرات الشعراء والسياسيين، للتضامن مع فرقة المقاومة الأشهر، التى سرعان ما تكونت فرق مشابهة لها فى عدد من المحافظات، متخذة نفس الاسم «أولاد الأرض». وكان الشاعر الفلسطينى محمود درويش، أحد أبرز زوار الخندق الشهير، مخترقا بذلك حصار المدينة الباسلة، وأجواء الحرب وقتها، خلال نهاية الستينيات من القرن الماضى، وقد كرمت الفرقة درويش بأغنية خاصة له، كان مطلعها «أهلًا يا درويش يا بلبل سهرتنا.. كيف سميح واش حاله.. واش حال عروبتنا». ويقول «كابوريا»: إن عددًا من الشعراء، ارتبطوا بفرقة (أولاد الأرض) ولازموا أفرادها فى مشوارهم الطويل، من أمثال الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، وكامل عيد رمضان، وعطية عليان، والمهندس عبدالله صقر. وبعد أن ذاع صيت الفرقة، دعتهم إذاعة صوت العرب لتسجيل أغنيتين، تبع ذلك المشاركة فى حفلات أضواء المدينة الشهيرة وقتها، مع كوكبة من المطربين والملحنين، من أمثال فايدة كامل وعبدالحليم حافظ. وقتها كانت الفرقة المكونة من 25 فردًا، تحصل على 4 تذاكر فقط، للانتقال من وإلى السويس، بسبب ظروف الحرب، فكان كابوريا وغيره من الشباب، يفترشون ممرات القطار. ويتذكر كابوريا: «أول أجر حصلت عليه كان 40 قرشًا، من محافظ السويس، وسعدنا به جدًا، أكلنا وشربنا، بعدها خصصت المحافظة للفرقة تذاكر للانتقال على نفقتها، وبات لكل واحد منهم مقعده الخاص. وصار «كابوريا» مرجعًا لأغانى السمسمية، وبرع فى الغناء والرقص السويسى «البحارى والمقسوم»، وهى رقصات مستوحاة من لغة قباطين البحر، والبمبوطية، وهى الرقصات التى أخذتها الفرقة القومية فى القاهرة لتطوير الرقصات الشعبية. وبسبب حبه وعشقه لفن السمسمية، أسس جمعية «محبى السمسمية والفن الشعبي» وضم فيها زملاء قدامى له للحفاظ على تراث السمسمية من الضياع، وفتح مدرسة لتعليم فن السمسمية فى منزله بحى الأربعين، وترك عمله ودار خلف الأفراح الشعبية بحثا عن المواهب فى الغناء أو الرقص، ليدربهم على أصول السمسمية كما تعلمها هو ممن سبقوه. ويشير «كابوريا» إلى أن الجمعية تهدف إلى تخريج أجيال جديدة من عازفى السمسمية، الذين يشاركون كابوريا فى العزف، خلال الأعياد الوطنية، والمهرجانات الثقافية بمنطقة القنال. واستطاع إدخال الفتيات إضافة إلى تعليم الأطفال العزف على السمسمية، وفتح ورشة صغيرة أسفل منزله لصنع السمسمية بيديه بأحجام مختلفة لتناسب الأطفال الصغار. واستطاع «كابوريا» تخريج ثلاث دفعات فى مدرسته بجهود ذاتية لم يلجأ خلالها لأحد، ولم يطلب أية مساعدة، وتعاون مع قصر الثقافة بالسويس لتدريب مجموعة أخرى من الأطفال ليكملوا مشوار السمسمية. ويتفرغ عم كابوريا حاليًا، لحفظ تراث السمسمية، من حيث الشكل والمضمون، بعدما قام بإنشاء جمعية أهلية لذلك، يطمح فى تحويلها إلى بيت فنى للسمسمية، على غرار بيت العود بالقاهرة، للفنان العراقى نصير شامة، لكن ينقصه الدعم من الهيئات الحكومية المهتمة بالثقافة. أما ما يثير مخاوفه على مستقبل تراث السمسمية، فهو عدم انتقال المهنة إلى الجيل الثانى من أولاد مؤسسى فرقة الأرض الشهيرة، بنهجها الغنائى التراثى، بعدما خفت نجم آلته الأثيرة، ورحل جميع مؤسسى الفرقة، ليتحمل وحده أمانة النقل.