أسطورة فن السمسمية.مغن وعازف،عاش فى السويس من بداية القرن العشرين إلى الأربعينيات، وتناولت شخصيته روايات عديدة، تناقلها عشاق السمسمية كونه رائد هذا الفن فى كافة مدن القناة . أتى من السودان حاملا آلة الطَنْبورة واستقر فى السويس، ويروى أنه أول من حوَّل الطَنْبورة إلى الشكل المعروف الآن باسم “السِّمْسِمِيَّة»، ويُنْسب إليه تأليف وتلحين أغنيات كثيرة خاصة التى تتخللها ألفاظ نوبية مصرية وسودانية، والتى تعالج مواقف فكاهية ترتبط بالحياة والحرية. عبد الله كبربر لم يكن يحب الاستقرار فى مكان واحد طويلاً، وإن عشق السويس، فقد ارتحل منها إلى بورسعيد والاسماعيلية، لكنه عاد إليها بعد سنوات واستقر بها إلى آخر حياته. ذهب إلى بورسعيد بالسمسمية، وطاب له المقام فى قهوة”السبع حصون” فاستضافه صاحبها “حسن متولي” ثلاث سنوات متصلة. غادر كبربر الاسماعيلية إلى السويس مجددا، وعمل فى شركة بترول، واستقر فيها نهائيا بعد أن نشر آلة السمسمية فى منطقة القناة وتعب من الترحال وكبر به السن . زامنه وصاحبه فى السويس الفنان «على الطوري»، وهو من بدو مدينة الطور وفنانى السمسمية. فى الاسماعيلية تلقى عنه الفنان«أحمد فرج» فن السمسمية. 2 الريس كابوريا ناظر مدرسة «السمسمية» المحترم. كانت تكفى نظرة واحدة إليه وهو يغنِّى السمسمية التى يحفظ عدداً كبيراً منها، لإدراك موهبته ومحبته لهذا الفن، ما أهّله لتدريب أجيال لاحقة. «سيد عبدالحميد محمد» الشهير ب «سيد كابوريا» أحد فنانى السمسمية فى السويس، ووصل إنتاجه إلى حوالى 170 أغنية منها«الطقاطيق»، وتلقى تدريبه الأول على يد الفنان السويسى الراحل «عبد المنعم عمار». واجتذبته الأفراح الشعبية فى السويس التى لم تكن تخلو من السمسمية، وتميزت بالأغانى الشعبية غير المدونة، وحفظها “كابوريا” هذا التراث بالكامل، وصار مرجعاً للجميع فيها، وبرع فى الغناء والرقص السويسى «البحارى و المقسوم»، وهى رقصات مستوحاة من لغة قباطين البحر، والبمبوطية، وهى الرقصات التى أخذتها الفرقة القومية فى القاهرة لتطوير الرقصات الشعبية. وأسس «كابوريا» فرقة سمسمية ضم إليها زملاء قدامى له، وكوَّن جمعية «محبى السمسمية والفن الشعبي» للحفاظ على تراث السمسمية من الضياع، وفتح مدرسة لتعليم فن السمسمية فى منزله بحى الأربعين، وترك عمله ودار خلف الأفراح الشعبية بحثا عن المواهب فى الغناء أو الرقص ليدربهم على أصول السمسمية كما تعلمها هو ممن سبقوه. ورغم المشقات نجح فى مهمته واستطاع تكوين فرقة صغيرة، أدخل فيها الفتيات اللاتى شكلن مفاجأة له نفسه، وتعدى تعليم الأطفال العزف على السمسمية، إلى إقامة ورشة صغيرة أسفل منزله لصنع السمسمية بيديه بأحجام مختلفة لتناسب الأطفال الصغار. واستطاع “كابوريا تخريج ثلاث دفعات فى مدرسته بجهود ذاتية لم يلجأ خلالها لأحد، ولم يطلب أية مساعدة، و تعاون مع قصر الثقافة بالسويس لتدريب مجموعة أخرى من الأطفال ليكملوا مشوار السمسمية . 3 حسن متولى رائد أغانى المقاومة الشعبية فى بور سعيد أثناء العدوان الثلاثي1956. قال عنه الفنان محمدالشناوى : «ليس صحيحا أن السمسمية تحولت فجأة إلى الغناء الوطنى سنة 56، بل إن الريس «حسن متولي» هو الرائد الحقيقى لتيار السمسمية الوطنية، وهو الذى جذب السمسمية إلى ذلك الاتجاه، حين قدم فى الأربعينيات، فالريس حسن متولى الذى يحكى عنه، كان يعمل سائق لنش فى الميناء، وكان فتوة حى المناخ، فكان قوى البنية، طويل القامة، ووسيما، وعندما يرفع العصا ليرقص بها، أو عندما يرفعها ليضرب، يفر الفتوات من أمامه، صاحب نخوة وشهامة، ،بنى ذلك المقهى فى بداية الأربعينيات، ليجلس فيها مع أصحابه، وأسماها الناس «قهوة السبع حصون»، بل كانت مقهى متسعا به سبعة أبواب، منها أربعه أبواب فى مواجهة البحر، وحين كانت كل حارة من حارات المناخ كانت تسمى حصن، كان لكل حارة باب تجلس فيه، كما ارتاد القهوة كافة الطوائف، كجماعة البمبوطية وتجار البحر ..سائقى اللنشات وأصحاب الفلايك، جماعة تجار سوق الجملة، حتى العربجية كان لهم جانب وحصن الحاج حسين الشلودى فى قهوة حسن متولي، إلى جانب بعض الأثرياء وكبار عائلات بور سعيد كالشيخ صديق لهيطة، والأخوان أحمد ومحمد الصياد، وكانا أيضا يكتبان الشعر، والشيخ العتمة أظرف ظرفاء بورسعيد. ووسط تلك الجماعات،كانت تجلس جماعة الفن والضمه والسمسميه، تتحلق حول حسن متولي، يزوره فيها زكريا الحجاوى الذى زامله فى المدرسة الابتدائية، وظلت صداقتهما على حالها، فى قدم الحجاوى خماسى السمسمية الذى كونه حسن متولى ليغنى فى الإذاعة المصرية على الهواء فى الخمسينيات، كما تردد على القهوة المطرب عبدالعزيز محمود ابن بور سعيد الذى غنى للإذاعة بعض أغانى السمسمية حفظها على يد حسن متولى مثل أغنية “بتغنى لمين يا حمام”، وكان يجلس عليها أحمد رامى كلما جاء إلى بورسعيد ليستمع إلى عزف إبراهيم خلف على السمسمية، فكانت الملتقى لمحبى الفن والغناء . وكما جذبت الرسام الشعبى الموهوب وكاتب الأزجال طه شحاته، جذبت إليها سيد الملاح وهو لايزال طالب فى الإعدادية، فكان يهرب من الدراسة، ويجلس عليها ليحفظ أدوار الضمه والسمسمية، أما الفنان محمود شكوكو، فكان على علاقة قوية بالمكان، وكان لديه صديق من رواد القهوه يعمل بمبوطى اسمه حسن صفريته، تعلم منه شكوكو حركات وايقاعات الرقص البورسعيدي، بعدما كان يكتفى بالرقص البلدى التقليدي، فكانت الرقصة التى سجلها تمثاله الشهير، وهو يضع يده على رأسه، تماما كاللازمة التى كانت تلازم حسن صفريته أثناء رقصه، والذى غنى له شكوكو مونولوجا خاصا له يقول فيه : الود حسن صفريته أجدع ولد فى النطيطة يطلع شليع عالفرقيطة ويجيب فلوس بالطورنيطة ضيعف لو سهى عالشكوليطة والجميل وينه والنبى يابا؟! ( يطلع شليع : يتسلق الحبل الفرقيطة : الفرقاطة الطورنيطة : وزن الطن الشيكوليطة : الشيكولاتة). أما فى مجال السمسمية، فكانت الرياسة معقودة للريس حسن متولي، وكان الصحبجيه يغنون له ترحيبا خاصا به عندما يرونه داخلا إلى الحلقة : حسن يا حسن من يوم فراقك يا حسن يا ترى الأيام تعود لينا والبيت يجمعنا واعتقل حسن متولى أواخر الأربعينات بمعسكرات الإنجليز (الجلاء حاليا) بسبب نشاطه السياسى المعادى للاحتلال وللوجود الأجنبى فى منطقة القناة . فهو صاحب أول ماتغنت به السمسمية من ألحان وطنية فى الأربعينيات : إذا استعصى على القاسى دوائى ولم يجد السبيل لبرء دائي. فقل يا نيل مصر اليوم تبغى من الحلفاء تعجيل الجلاء ولحن كلمات أحمد الصياد «دا كنالنا وبحرنا» أول ما غنته السمسمية أثناء المواجهة عام 1956، و«يا بور سعيد جه يوم عيدك» عقب الحرب التى أحرقت حى المناخ بأكمله، وأحرقت معه “ قهوة السبع حصون “ التى كانت عالما قائما بذاته. تلك هى ملامح شخصية حسن متولي. الفنان الشهم ابن البلد.