أنهت حكومة الانقلاب مؤخرًا المراجعة الخامسة لاتفاق التسهيل الائتماني الممتد مع صندوق النقد الدولي، ما يمهد لصرف شريحة جديدة بقيمة 1.3 مليار دولار، لكن خلف هذا التطور المالي تكمن معضلة جوهرية، وهي من يدفع ثمن الإصلاحات؟ والإجابة، كما يبدو من تطورات الأسابيع الماضية، هي المواطن المصري. قروض جديدة لكن بشروط قديمة رغم ترحيب الحكومة بالخطوة، إلا أن الشارع المصري يترقب موجة جديدة من الإجراءات القاسية، في مقدمتها تخفيضات جديدة في الدعم وزيادات مرتقبة في أسعار الطاقة، تنفيذًا لتوصيات الصندوق. وتخشى قطاعات واسعة من المواطنين أن تكون هذه المراجعة، كسابقاتها، مدخلاً لسياسات تقشفية دون شفافية أو حماية اجتماعية كافية. المدير التنفيذي الجديد في صندوق النقد، محمد معيط، الذي شغل سابقًا منصب وزير المالية، صرّح بأن الموافقة على تمويل الاستدامة مرهونة بالتقدم في الإصلاحات، ما يعزز المخاوف من أن التمويل الجديد سيكون مشروطًا بمزيد من الضغط على الطبقات الفقيرة والمتوسطة. دعم مهدد بالاختفاء خلال الاجتماعات الأخيرة في القاهرة، شددت بعثة الصندوق برئاسة إيفانا فلادكوفا هولار على ضرورة تسريع تنفيذ وثيقة "سياسة ملكية الدولة"، التي تهدف إلى انسحاب الحكومة من عدد من القطاعات الاقتصادية لصالح القطاع الخاص، كما طالبت بإعادة النظر في دعم الطاقة. وقد بدأت الحكومة بالفعل رفع أسعار الوقود بنحو 14.8% في مارس الماضي، في خطوة قالت إنها تهدف للوصول إلى نقطة استرداد التكلفة، لكن هذه الإجراءات، بحسب مراقبين، لم تترافق مع آليات حماية اجتماعية فعالة، ما فاقم من تآكل الدخول في ظل ارتفاع معدلات التضخم. خبراء: الشعب الحلقة الأضعف في معادلة الإصلاح يرى الدكتور هاني توفيق، الخبير الاستثماري والرئيس السابق للجمعيتين المصرية والعربية للاستثمار المباشر، أن معظم شروط صندوق النقد ذات كلفة اجتماعية عالية، تُحمّل للمواطن البسيط في شكل أسعار أعلى وخدمات أقل، بينما يتم تأجيل أو تمييع الإصلاحات الجوهرية في هيكل الاقتصاد نفسه. ويضيف أن الحكومة ما زالت "تدير المشهد بعقلية الجباية وليس التنمية، وتحصر الإصلاح في الأبعاد المالية دون مراعاة البعد الاجتماعي"، مشددًا على أن غياب الشفافية في المراجعات يزيد من فجوة الثقة بين الدولة والمواطن. أما الباحث الاقتصادي أحمد ذكر الله، فيقول: إن "التمويلات الخارجية قد تنعش مؤقتًا ميزان المدفوعات، لكنها ليست حلاً طويل الأمد، ما لم تُرفق بإعادة توزيع عادلة للأعباء والفرص داخل الاقتصاد"، مشيرًا إلى أن "التركيز المفرط على التقشف سيعمّق الركود ويضعف الحراك الإنتاجي". إصلاحات على حساب الفقراء رغم الحديث الرسمي عن التحول إلى اقتصاد أخضر عبر منصة "نُوفّي"، وجذب استثمارات بقيمة 3.9 مليارات دولار لمشروعات الطاقة، يرى مراقبون أن الحكومة تضع عبء الإصلاح على كاهل المواطنين، بينما تتباطأ في إصلاح بيئة الأعمال أو الحد من الهيمنة العسكرية على الاقتصاد، وهي من أبرز توصيات الصندوق. وتقول المبادرة المصرية للحقوق الشخصية :إن "التحفظ على نشر تقارير المراجعات، كما حدث في المراجعة الرابعة، يطرح علامات استفهام حول مدى التزام الحكومة بالشفافية"، مضيفة أن "المواطن هو آخر من يعلم وأول من يتحمل". تساؤلات حول جدوى المسار حتى الآن، سحبت مصر نحو 3.2 مليارات دولار من أصل القرض المتفق عليه البالغ 8 مليارات دولار، لكن مقابل ذلك، تحمل المواطنون زيادات في الأسعار وتراجعًا في الخدمات الاجتماعية، وسط استمرار هيمنة الدولة – وبشكل خاص المؤسسة العسكرية – على مفاصل الاقتصاد. ويحذر خبراء من أن استمرار غياب الشفافية، والتردد في تنفيذ إصلاحات حقيقية في بيئة السوق، قد يدفع الصندوق إلى تأجيل صرف الشرائح المستقبلية، ما يضع البلاد أمام معضلة مزدوجة، التزامات خارجية ثقيلة، وغضب داخلي متصاعد. بين الاستدامة والعدالة المعادلة الصعبة في نهاية المطاف، لا تُقاس نجاحات الإصلاح الاقتصادي بما تعلنه الحكومة من اتفاقيات أو تمويلات، بل بقدرتها على توزيع الأعباء بعدالة، فبينما يُطلب من المصريين تحمل الكلفة، تُحاط تفاصيل الاتفاقات بالغموض، ويُستبعد البرلمان والرأي العام من مناقشاتها. ويبقى السؤال مفتوحًا، هل تستطيع الحكومة تحقيق التوازن بين متطلبات المؤسسات الدولية واحتياجات المواطن؟.