حتما قراءة، لقراءة نقدية حول مجموعة من القصص القصيرة، من الأمور الشاقة؛ فالناقد هو نفسه المبدع القاص محمد عطية محمود، له ست مجموعات قصص نشرت مع روايتين وخمسة كتب نقدية، وهو ما جعل فى قراءة تلك الرؤى النقدية متعة خاصة، مع محاولة اقتحام منهج الناقد فى اختياراته الإبداعية فضلا عن تناوله النقدى. من خلال أربع عشرة قراءة نقدية منتقاة برؤية يجدر الانتباه إليها: فقد تعمد الناقد اختيار النصوص الإبداعية القصصية أو السردية المتفردة والمتمردة على الأشكال والتيمات السردية التقليدية. لعل البحث عن أزمة الإنسان المعاصر مع صراعاته اليومية الآن، كان البوصلة التى توجه بها وإليها الناقد.. مع البحث عن سمة التلاقح بين الأنواع الأدبية والفنية، كما أشار فى مقدمة كتابه.. جمعها معا فى بوتقة للمشاعر معبرة عن الحياة.. وهى بالضرورة تطرح أسلتها على القارئ حول كينونة الوجود. يقع الكتاب فى الحجم المتوسط، و180 صفحة، قسم تلك الصفحات على توجهات مباشرة، ما بين الإهداء القصير (إلى منبت غواية الكتابة، ويعنى القصة القصيرة)، فهو فى البدء يبحث عن القصة القصيرة وفيها، ويراها الجذر النابت للسرد. أما المقدمة التى جاءت تحت عنوان «أسئلة القصة القصيرة» ربما يجدر بالقارئ الاطلاع عليها بعد قراءة النقد لمجمل الأعمال التى اختارها بدقة واحترافية متعمدة لرؤاه الخاصة الجديرة بالانتباه ورصدها. مجمل القراءات النقدية هى إطلالة فى القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا.. حيث تناول القصة القصيرة جدا كإشكالية كتابة طرحت وجودها على المشهد الإبداعى لثلاثة قاصين عرب تمرسوا على الكتابة القصصية قبل خوض غمار تجربتهم مع القصة القصيرة جدا، وهم: وائل وجدى من مصر، ومحمد البشير من السعودية، وسمير الشريف من الأردن. كما توقف الناقد مع عدد من القاصين المصريين من أجيال متفاوتة، هم: السيد نجم، محمد عبدالرحمن الفخرانى، والقاص الشاب شريف سمير الحائز على جازة متحف الكلمة الإسبانى 2012م.. ومعا يشكلون أغلب أسئلة القصة القصيرة، نشير إليها فى عجالة: «ظلال الحرب فى قصص السيد نجم».. ثمة تماذج قصصية فى كتابات المبدع المصرى السيد نجم، تبدو فيها ومن خلالها ملامح وظلال (ما بعد الحرب).. ففى نص «شريط ستان أسود» كنموذج لحالة من حالات التأثير الذى تطبعه ظلال الحرب، من خلال علاقة أرملة بصورة زوجها الشهيد فى حرب العبور وأزمتها من خلال وحدتها وفراغها.. وهكذا تتوالى نمنمات الحالة والقصة القصيرة. وتتعدد الأمثلة بالقصص الراصدة للتجربة الحربية لبيان أثر الحرب وظلالها. «الليل والانتظار.. وتيمة الحلم فى المجموعة القصصية «حلم غير قابل للكسر» للقاصة الكويتية ليلى العثمان.. حيث كانت القصص معبرة عن التناقض والصراع الداخلى والخارجى للكاتبة مع التجارب الحياتية واليومية. ففى القصة الأولى يبدو وعى الأنثى المرتبطة بالمكان أو بالماضى والحياة القديمة، فى مقابل الاغتراب المادى والمعنوى، وهو ما تجلى بوضوح فى قصة «الطاسة»«ضمن مجموعة نشرت فى سلسلة آفاق عربية بالهيئة الكتاب العامة لقصور الثقافة. دهشة التفاصيل، والتكثيف النفسى الدلالى فى التماهى للقاص العراقى «هيثم بهنام بردى».. وفيها محاولة دمج أكثر من صيغة تفاعلية ومؤثرة لإحداث ما يسمى بالدهشة اللغوية والتقنية (حسية بصرية) والفلسفية فى آن واحد.. وقد اصطبغت بالصبغة الفلسفية.. حيث يتميز النص القصصى بالتكثيف والاختزال الشديدين. إشكالية الاغتراب فى «سهل الغرباء».. فعلا.. إنها جميعا سبل لا تؤدى إلى غاية. مجموعة سهل الغرباء للقاص التونسى «صلاح الدين بوجاه» بداية لمجموعات قصصية بعد 4 روايات كتبها القاص حيث مضمون النص «المقابلة بين الموت والحياة» فى قصة «عربة الموت» وفد نجح القاص فى الربط بين سمات المكان والشخصيات. بين الفانتازيا والسحر وإعادة تشكيل الواقع فى محموعة «قصص تلعب مع العالم» للكاتب محمد عبد الرحمن الفخرانى.. فالنصوص تتعامل مع الفانتازيا بشكل صريح لتعطى واقعا سحريا وإعادة إنتاج هذا الواقع المعاش، لتشكيل واقع أكثر اتساقا مع توظيف البعد الرمزى المتخيل أو المصنوع بذكاء القاص. «طقوس المكان وتجلياته» فى مجموعة «رائحة الخريف» لبثينة خضر مكى (السودانية).. حيث تركز الكاتبة على دلالات المكان، ليس فى البعد الجغرافى فقط بل الأبعاد التاريخية والنفسية والموروث الاجتماعى والثقافى وتجلياته. ففى قصة «ليلة الختان»« رصد التفاصيل الدالة على احتقار المكان الخاص للدخول فى حالة استثنائية من الفرج المرتجى كما الاحتفاء بالأعراس وبيان كل الموروث فى عملية الختان. وهناك الصحراء والأسطورة والمرأة والفلكلور فى المشهد القصصى الليبى المعاصر.. حيث أسطرة الواقع فى مجموعة قصص «الخيول البيض» للقاص «أحمد يوسف عقيلة».. والوقوع فى دائرة الاغتراب كما فى مجموعة القاص الصديق بودوارة «شجرة المطر».. وتضمين الحواس ومرارة الحياة فى مجموعة «منابت الحنضل» للقاص عمر أبوالقاسم الككلى.. وغيرهم. كذلك «اعتقال الحياة فى قصة» فى مجموعة قصص «اعتقال الغاية فى زجاجة» للقاص المغربى «أنس الرافعى».. وفى قراءة أخرى الخسوف بين التقنية السردية والدلالة النفسية والفلسفية، للقاص محمود عرفات فى مجموعته «الخسوف».. أيضا الفضاء الشعرى ومجموعة «حكايات الغرف المعلقة» للقاص العراقى زيد الشهيد.. ثم عبثية الواقع وجذور الموروث فى مجموعة حدود ضيقة للقاص يحيى فضل سليم.. وسؤال الكتابة وفضاء الحالة النفسية فى مجموعة «على دراجة» لشريف سمير. أما الدراسة المرفقة فى مؤخرة المقالات بعنوان (القصة القصيرة جدا- بين الشاعرية والسردية وهندسة الشكل القصصى) فقد كانت بدايتها مثيرة لافتة.. (ككرة اللهب الحارقة، ورغم رهافتها تأتى القصة القصيرة جدا فنا سرديا يستعصى على التنميط والقولبة على مستوى الشكل والمضمون.. من هنا تأتى إشكالية وجودها أو التلقى..)، إلا أن ثمة إشكالية، وهى وقوع البعض من النماذج، وقع فى فخ التساهل والاستهانة على حد تعبير الناقد، حيث ينشغل القاص بالتعامل مع الأمور ببساطة وبخفة وضآلة بالتالى، والنزول بهذا الفن الوليد إلى حضيض التعبير الأدبى، والمبدع. أيضا يرى الناقد مما يعوق مسيرة النص القصصى الجديد، جنوح العديد من كتابه إلى القصيدة الشعرية، دونما سبك درامى أو أى من عناصر تشكيل السرد الجيد. وقد أورد الناقد بعض النماذج الجديرة بالانتباه فى شكل القصة القصيرة جدا، فكانت الوقفة مع نمط الشاعرية والسردية فى مجموعة «غواية الصمت» للقاص «وائل وجدى».. حيث كان الإهداء انحيازا إلى سمة العزلة والشجن فى عنوان المجموعة أو الكتاب؛ (إلى كوكو.. القط الذى شاركنى أحزان ألف عام).. مع إهداء آخر (وإلى التى سكنت خلاياى.. وأخرجتنى من غواية الصمت، ثم آثرت البعاد). ومن نماذج القصص القصيرة جدا عند الكاتب نفسه نص: (يوح) «أبحث عن الراحة والسكينة.. أبحث عن بسمة صادقة»، وهو بوح سردى خبرى يتتابع حتى نهاية النص القصير جدا.. (أوحشنى بيتى الصغير، ونباتات أرضى.. لعلى أستطيع أن أمسك فأسى). خاتمة: هكذا تكشف عناوين المقالات مضمونها وقدر الجهد النقدى الكاشف عن خصوصية القاصين والناقد فى سبر أغوار النصوص السردية المختلفة لمختلف أجيال كتاب القصة العربية، وبيان تعدد أنماطها وملامحها.