تقسيط شقق رفح الجديدة على 30 عاماً تنفيذًا لتوجيهات الرئيس    «الريادة»: ذكرى تحرير سيناء ستظل راسخة في عقول ونفوس المصريين    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    غادة شلبي: أعداد السائحين اقتربت من 15 مليون    تطوير ملاحة «سبيكة» بالعريش ومجمع صناعى للإنتاج    النقل تكشف الأعمال الإنشائية للمرحلة الأولى من الخط الرابع للمترو (صور)    ملحمة مصرية «تحت الأرض»| تنفيذ 19 كيلومترًا بالمرحلة الأولى للخط الرابع للمترو    "فاو" تنظم مائدة مستديرة حول العمل المناخي في قطاعي الثروة الحيوانية والألبان بمصر    ضمن أعمال الموجة 22، إزالة التعديات على 6 أفدنة بواحة الخارجة في الوادي الجديد    أخبار السيارات| مواصفات وسعر أوبل كورسا الفيس ليفت بمصر.. أودي A3 الهاتشباك الجديدة تظهر بهذه الأسعار    صور فضائية لمخيمات جديدة.. وتقارير: أمل تحريك المفاوضات يؤخر الهجوم    رئيس فنلندا: ندعم حل الدولتين ووقف إطلاق النار بغزة    جيش الاحتلال: 41 عسكري قُتلوا و630 أُصيبوا منذ بدء العملية البرية بغزة    تزامنا مع اقتحامات باحات الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون صلواتهم عند حائط البراق    إيراني: الرأي العام العالمي استيقظ    حزب الله يستهدف ثكنة زبدين في مزارع شبعا بالأسلحة الصاروخية    3 ميداليات لمصر باليوم الأول في البطولة الأفريقية للجودو    أول قرار من جوميز بعد وصول الزمالك غانا استعدادا لدريمز    تشافي يكشف أسباب استمراره في القيادة الفنية لبرشلونة بعد قرار الرحيل    الدوري الإسباني، بيلينجهام خارج قائمة ريال مدريد أمام سوسيداد للإصابة    جاريدو عن أزمة مباراة نهضة بركان: قرار كاف ليس عادلا وهدفنا الفوز في الإياب    بمناسبة عيد تحرير سيناء.. الإفراج بالعفو عن 476 نزيلاً    عقب سيجارة أحرق الهيش.. حريق بجوار مسجد في بني سويف    ضبط 2200 مخالفة مرورية وتنفيذ 300 حكم قضائي خلال 24 ساعة    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    الإفراج عن 476 نزيلا بمناسبة عيد تحرير سيناء    كارول سماحة شاعرة وملحنة في ألبومها الجديد    قومي المرأة ينظم برنامج سينما الطفل بأسوان    «أرض الفيروز» بمستشفى57357    هبة مجدي تحيي ذكرى وفاة والدها بكلمات مؤثرة    بالفيديو.. خالد الجندي: كل حبة رمل في سيناء تحكي قصة شهيد    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    أعظم القربات في الحر الشديد.. الإفتاء تكشف عن صدقة ودعاء مستجاب    قلل الشاي والقهوة.. نصائح مهمة لتجنب ضربات الشمس والإجهاد الحراري    للنساء الحوامل.. 3 وصفات صحية لمقاومة الرغبة الشديدة في الأكل    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    مدرب الترجي: سنعمل على تعطيل القوة لدى صن داونز.. وهدفنا الوصول لنهائي إفريقيا    رئيس بيلاروس يحذر من كارثة نووية حال تواصل الضغوط الغربية على روسيا    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    تعديل موعد مواجهة سيدات يد الأهلي وبترو أتلتيكو    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    اليوم.. حفل افتتاح الدورة ال 10 لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد سويلم يكتب: وهج الدراما فى ديوان الشاعر محمد الشحات «ملامح ظلى»
نشر في المصري اليوم يوم 18 - 01 - 2022

من خلال تجربتى الدرامية.. أستطيع أن أؤكد فروقًا جوهرية بين دراما العمل المسرحى ودراما القصيدة.
فالمسرح فن تتعدد فيه العناصر الدرامية وتتشابك وتتناقض وتتطور بشكل ملحوظ مركب تتلاقى فيه الشخصيات والمواقف والأحداث، ويمتد فيها عنصرا الزمان والمكان.
أما دراما القصيدة فهى تختلف عن هذا المزيج المركب.. وهى لا تقوم فقط على رمز أو أسطورة أو حدث تاريخى.. وإنما هى بالتأكيد (فعل ورد فعل) بين مكونات القصيدة بأسرها: بين المعجم الشعرى من خلال مفرداته وألفاظه، وإيحاءاتها وصيغها الشعرية.. بين إيقاعات الموسيقى الظاهرة والداخلية.. حتى بين علامات النبر والتوقف والتعجب.. بين تداعى الفكرة خلال التوتر داخل القصيدة.. بين الانطلاق والعودة إلى مضمون العمل.. بين شدة وارتخاء الحس الشعرى.. بين عنوان القصيدة ومتنها.
هى إذن صراعات من نوع خاص لا تنتهى بين مقومات القصيدة الإيجابية والسلبية، تشعرنا بهذه الدراما عالية النبرة.
وقليلون من الشعراء من يمتلكون القدرة على إبداع القصيدة الدرامية بحيث نشعر فيها بهذا الوهج الذى لا نجده فى قصيدة الصوت المفرد.
ولعل ديوان (ملامح ظلى) للشاعر محمد الشحات يمثل دليلًا صادقًا على هذا الوهج الدرامى من خلال قصائده المتنوعة.
والحق يُقال فمنذ بدأ محمد الشحات رحلته مع الشعر وأنا أتابعه بدأب شديد.. وأشهد تطور أدواته.. وسلاسة لغته.. وصفاء عالمه الشعرى.
وفى ديوانه الذى بين أيدينا يعتمد فى دراما قصائده على عناصر كثيرة، أهمها ذلك الحوار مع الذات أحيانًا.. أو الحوار مع الغير أحيانًا أخرى.. ويتفرع من هذه الحوارات العناصر الدرامية الأخرى التى أشرنا إليها آنفًا.
إنه يهدى ديوانه إلى حروف الأبجدية وكأنه يؤكد إخلاصه للفصحى وللشعر.. ثم يقول عنها: (إنها تمر بقلوبنا فتخرج كلمات متدفقة رقراقة كيما تصل إلى عقول وقلوب الآخرين).
وهذا الإهداء يفسر لنا حرص الشاعر على أن يصل إلى عقل وقلب قارئه متدفقًا رقراقًا بلا غموض.
ويبدأ الشاعر ديوانه ويعرفنا على ملامح ظله.. والظل هنا- فى تقديرى- هو ذاته، وليس مجرد ظل يقصر ويطول مع الشمس.
وبالحوار الدرامى.. يحكى الشاعر حالاته مع ظله.. ويجعله مشاركًا له فى منعطفات حياته.. ويتصارع معه أحيانًا حينما تختلف رغباتهما.. ثم يغادر الظل وحده ليسير منفردًا فترفضه كل الأشياء.. ويوقفه الشرطى لأنه يسير وحيدًا منفصلًا عن صاحبه:
أوقفه الشرطى وأجلسه
كى يتفحص أوراق هويته
من أين أتيت؟
وكيف خرجت؟
لا يمكنك التجوال بمفردك
وكبله..
أدخله فى قلب الظلمة
كى يحبسه
وهكذا لا يمكن فصل الذات عن تكوين الشاعر.. حتى لو تمردت عليه وذهبت بعيدا عنه.. ويحاول الشاعر أن يتصالح مع نفسه.. فهو يدرك تمامًا أنه منشطر إلى نصفين.
وتعد قصيدة (مصالحة) من أجود وأجمل قصائد الديوان.. يقول فيها:
أشعر أنى منشطر نصفين
لى كفان.. وذراعان.. وعينان
ولى قدمان وأذنان
وبعد أن يتحاور مع أطرافه وأعضائه.. يتأكد من الحكمة فى ازدواج بعض الأطراف والأعضاء دون غيرها.. وتنتهى هذه التجربة الفريدة بقوله:
كنت أخاف بأن أنشطر إلى نصفين
فيحاول نصفى أن يتجه يمينًا
والنصف الآخر أن يتجه يسارًا
فأحاول أن أعقد بينهما الصفقات
وأصلح من شأنهما
حتى لا أنقسم إلى شطرين
ثم نقف عند الدراما المرئية فى قصيدته (مشاهد من رحلة لم تنتهِ)، حيث يستعير الشاعر فيها تقنيات السيناريو السينمائى أو التليفزيونى.. ويحكى قصته مع الحياة والغربة ليعود أخيرًا:
عانقت أمى.. ثم أطفالى
وغبت بصدر صاحبة الأوان
ورأيت مازال احتباس مواجعى
من أجلكم
عانيت ما عانيت كى أحمى الوطن
ولأن الزمن دائما يجثم على صدر المبدع.. فإن الصراع بينهما لا ينتهى.. ففى قصيدته (خماسية الحياة) يصور الشاعر هذا الصراع ويقول:
أرتدى ساعة
كلما مر جزء من الوقت
كنت أرى رجفتى
خفت أن تنتهى رحلتى
ومازلت أبحث عن بعض وقتى
هكذا يصور الزمن وينتقل من الساعة التى يرتديها إلى ساحة الفعل ومرور الوقت الذى يحدث له الرجفة والخوف بأن تنهى رحلته دون حصاد.
ولأن (الحلم) هو ترياق الشاعر دائمًا فى مواجهة الزمن وأوجاعه.. ففى قصيدته هذه يتجول الشاعر مع الماضى وبدايات رحلته مع تلاطم الموج.. ويشير إلى حوت يونس.. وأساطير البحر.. وربما رحلات سندباد.. لكنه فى النهاية يدرك أنه كان ينام فوق وسادته.. فيجذبه الواقع المرير.
ثم يفاجئنا الشاعر بقصيدته (عودة محاكم التفتيش) ليجسد لنا توجسه دائمًا من كونه شاعرًا فى مواجهة السلطة.. ويصور لنا موقفًا متخيلًا بديعًا:
فى شارع
أنا أسير بلا هوية
جاءنى صوت مزلزل
قف هنا أو ها هنا
أخرج من الأعماق
كل قصيدة مازلت تخفيها
■ ■ ■
امتعضت وخفت
إن عبثت أصابعه بصدرى
أن يصادف كوة كانت تنام بها
قصائد لم تزل تنمو
ثم يؤكد لصاحب هذا الصوت المزلزل أنه لم يعد شاعرًا وأن ينابيعه جفت.. ثم يقول:
خشيت حين رأيت بيتًا من بيوت الشعر
يهرب
خشية أن يهد جداره
أو توصد الأبواب
خوفًا من هروب حروفه
لكن صاحب الصوت المزلزل لا يصدقه لأن لديه خبرة فى اكتشاف المبدع (حين أرى عيونك قد تبدل لونها).
وفى نهاية المجادلة والحوار بينهما يرتضى الشاعر أن يقول أشعارًا لا تحتاج إلى تأويل.. فى أمه وغزلًا وشوقًا وهجرًا.. لكنه يخفى خبيئة (كان ينام بجوفها وطنى).
هكذا ينتهى الموقف الدرامى للهروب من محاكم التفتيش.. وهو كما ذكرنا موقف متخيل.. ربما كان فى الماضى قبل أن يصير حب الوطن- كما جاء فى القصيدة- هو خبيئة القلب.
ثم يطالعنا الشاعر ببعض القصائد على تخوم التصوف مثل (أنا وشيخى)، حيث نجد حوارًا معرفيًا ينتهى بفضل العقل:
وأدركت أنى إذا ما ارتضيت
وأغلقت عقلى
فقد كان موتى
ورحت أفتش فى كل رف
لعل عيونى ترى ما يراه وما لا يراه
والشاعر قارئ جيد للتراث الإنسانى والدينى والأساطير.. ومن ثم وجدنا له صياغات قرآنية وتراثية كثيرة فى قصائده.
من ذلك نراه يبدأ قصيدته (أين المساق) بقوله:
والساق التفت بالساق
فأحس بأن الروح ستنقبض.. فلا تنقبض
وفى قصيدته (البحث عن صفقتين).. يقول:
هل أتاك حديث الذى
باع وجه أبيه
ومازال يبحث عن صفقتين
ثم يستمر الشاعر فى الحكى الدرامى عن هذا الذى باع وجه أبيه وخسر كل شىء لينهى قصيدته بقوله:
كل الذى عشته ضاع
حين خسرت ملامحك
وأدميت قلب أبيك
فاذهب إلى قبره والتمس أن يضمك
واكتب على باب صدرك
عدت ويا ليتنى ما اغتربت
وواضح هنا أن الذى باع وجع أبيه تغرب عنه طويلًا.. ولما عاد كان أبوه قد رحل عن الدنيا فأسف لذلك وتمنى لو لم يكن ابتعد عنه.
وربما يشير الشاعر هنا بأسلوب غير مباشر إلى فكرة الانتماء التى صارت عملة نادرة فى زماننا.
ثم هاهنا يتجول فى داخله- فى ذاكرته- لعله يعرف أسرارها ويصفى ما علق بها.. ويتحاور معها.. فربما تسعفه بصباه وبأول رعشة عاطفية فى قلبه وبالأماكن التى مر بها.
قصيدة يكشف عن أحوال وأحداث نسيها تماما لكنها مازالت عالقة فى الذاكرة وكان لابد له فى النهاية.. على حد قوله: فمضيت ألملم
بعضًا من ذاكرتى.
لأنه لا يستطيع رغم هذا الجدل العميق أن يتخلص من ذاكرته.
والشاعر حائر دائما بين تشابكات الحياة.. فأحيانًا يغوص داخل ذاته وذاكرته.. وأحيانًا يتمرد على ماضيه وأحداثه المريرة.. وتارة يشعر بالوحدة والغربة.. وكلها حالات إبداعية استطاع الشاعر أن يصورها بمهارة فى قصائده.
من ذلك مثلا قصيدته (العودة إلى وجهى).. حيث يقول:
حين أعود إلى بيتى
أخلع عنى وجهى
وأعلقه بركن قرب الباب
حتى لا أنساه صباحًا وأنا أبدأ يومى
كأنه يجسد حالة إنسان العصر
والديوان مملوء بالمضامين الدرامية الإنسانية المتنوعة التى تمتع القارئ وتجعله مشغوفًا دائمًا للغوص إلى أعماق تجربة الشاعر.
بقى أن نقول إن الشاعر كان لاهثًا فى رحلته الشعرية فاستخدم بخور الشعر اللاهثة التى تناسب مسيرته.. فكأننا نقرأ فصول حياته بإيقاعات لا تخرج عن المواءمة، ومن ثم سرعان ما تصل هذه المسيرة إلى عقل وقلب المتلقى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.