«العشماوى» يحكى عن «المهمشين» فى «الجمعية السرية للمواطنين»

«الحياة رحلة طويلة من المتاعب، والسعادة فواصل قصيرة بينها، نفحات فرح محلاة بالصبر ليستكمل المواطنون المواجهة بحلبة ملاكمة، يرتقونها عندما يدق الجرس، يتلقون ضربات موجعة من الزمن، يتألمون كثيرًا، يترنحون أحيانًا، ثم يتهاوون ببطء، وفى النهاية يموتون خاسرين».. فى روايته الأحدث طرق المستشار أشرف العشماوى على صفيح ساخن، على لسان أشخاص حقيقيين يعيشون حياة مزيفة، منسيين، هم أهل عزبة الوالدة، أحلامهم بسيطة، وطموحاتهم لا تكلف الكثير، رغمًا عن ذلك عاشوا بين القلق والخوف من الحاضر والمستقبل.
عن الدار المصرية اللبنانية، صدر حديثًا رواية «الجمعية السرية للمواطنين» للقاضى والروائى أشرف العشماوى، فى 283 صفحة، من القطع المتوسط، رفع فيها الستار عن أبطال مهمشين، فك المؤلف عقدة لسانهم، كل شخصيات روايته يحاولون الحياة، يُجبرون أحيانًا على اتخاذ طرق ملتوية تمكنهم من رسم حياة أفضل لأنفسهم، اختار كل منهم وسيلة للتحايل على الوضع القائم، حتى أصبحوا جميعًا غارقين فى الجريمة، الكل يعلم، والكل يشارك، والكل صامت، والكل متورط، منهم من عرج على التزوير واتخذه سبيلًا للعيش، ومنهم من يبيع الحشيش، ومنهم من يتاجر فى اللحوم الفاسدة، ومنهم من يسرق رافعًا شعار «سرقة للستر فقط»، ومنهم من يعمل فى مهنة بأوراق مزورة، منهم من تخصص فى الشهادة الزور، ومنهم من عمل «كومبارس» ليُسعد من حوله، الكل فى متاهة لا يمكنه الخروج منها.
«معتوق» و«غريب» و«المعلم غالى» و«سراج» و«فتحى السماوى» و«فارس عودة» و«الست أنهار» و«شاهين» و«شاكر» و«زكى الساكت» و«أسعد جرجس» و«العبقرى مينا».. شخصيات غير تقليدية، رسمها المؤلف بقلم رفيع رشيق- كعادته- فى حبكة درامية شيقة، حالهم بائس يعيشون فى هم وفقر، فى عزبة الوالدة بأقصى جنوب القاهرة فى حلوان، وراء كل منهم حكاية حزينة، لم يجدوا حلًا سوى الالتفاف حول بعضهم البعض، فأصبحوا جبهة واحدة ضد الجميع، يساعدون أنفسهم وآخرين، حققوا بعض الانتصارات لكنهم نالوا الكثير من خيبات الأمل، وصفهم المؤلف: «كلهم عاشوا فى انتظار مرور الصعب، ووحده العمر الذى مر، وبات الموت على الأعتاب».
معتوق رفاعى الفنان التشكيلى الحالم الذى لم يسلم من غدر صديقه «غريب أبوإسماعيل»، رسم اللوحة الأهم فى حياته «زهرة الخشخاش» ودفع من حياته ثمنًا لها، له وجهان أحدهما حقيقى والآخر مزيف، ومعتوق هو شخصية محورية فى الرواية، نرى الأحداث من خلاله، يعيش فى غرفة تضم أريكة قديمة ولوحاته مع ابنته زهرة، حياته بين قطع الورق والأقلام والألوان، الرسم هو كل حياته، تسربت الأيام من حياته إثر عناده وطمعه وقلة بصيرته أمام صديقه «غريب» الذى يتصيد الفرص ويتملكها ويحقق أحلامه، وبين ذهن مُشوش وأمل فى غدٍ أفضل قرر إنشاء جمعية سرية لمساعدة عزبة الوالدة وسكانها وكل من يستحق المساعدة، ليضىء حياتهم، يكفيهم الستر، ولو حتى بتزوير أوراق أو أموال. رسم لوحة لأعضاء الجمعية بأبطال مبتسمين، رسمهم على حال آخر، أفضل من حالهم، وضعهم كلهم فى الصدارة، شكَّل «معتوق» الجمعية برئاسته، وعيَّن المحامى شاهين نائبًا له ومستشارًا قانونيًا لها، جمعية سرية الكل يعلم بأمرها، لا يدفع فيها المشترك أموالًا، لكنه يقبض منها بانتظام.
عيّن «معتوق» سراج البدوى كمندوب للتحصيل فى جمعيته السرية، أما «شاكر» فشغل أمين الصندوق ومسؤول الحالات الحرجة، وفارس عودة احتفظ بمنصب مدير الحسابات والمراجعة، وزكى الساكت الإشراف على مشاكل الأسرة، وبدأت الجمعية مباشرة أعمالها بتخصيص إعانة شهرية ثابتة لمساعدة أعضائها، وتوالت اجتماعات الجمعية، يدونون فى محاضرها ما يوافقون عليه بالإجماع، ويدخل تحت أجنحة إعاناتها آخرون يستحقون المساعدة حتى من خارج عزبة الوالدة، بمساعدة «شاكر» الذى يصل إليهم عبر بريد الأهرام، تمر الأيام ويغرق «معتوق» أكثر وينغمس فى حياته المزيفة، والذى يقرر فى النهاية أن يقف مع أهل العزبة بشجاعة أمام الحياة البائسة ويتحداها.
طرح «العشماوى» فى روايته أسئلة عديدة حول قيمة الحقيقة وحجم الزيف فى الحياة، بين انهزام معتوق وانتصار «غريب»، بين أحلامه وواقعه، يقول المؤلف: «أحيانًا كثيرة تصير الحقيقة مثل حصاة وسط كثبان رملية من الأكاذيب».
جدير بالذكر أن أشرف العشماوى قاضٍ وروائى مصرى، صدرت له تسع روايات طويلة وكتاب وثائقى عن سرقة وتهريب الآثار المصرية، فازت رواياته بعدة جوائز أدبية، وترجمت بعض أعماله للغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية.