مستقبل وطن يواصل دعمه لمرشحي القائمة الوطنية في المحافظات (فيديو)    نبيع ولا نشتري.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في بني سويف    موعد مباراة الهلال والأخدود اليوم في كأس خادم الحرمين الشريفين 2025-2026 والقنوات الناقلة    تموين الفيوم تضبط 87 مخالفة تموينية متنوعة وتكثّف الرقابة على الأسواق    جامعة بني سويف ترفع كفاءة أطباء الأسنان.. تدريب علمي حول أحدث تقنيات التخدير الموضعي وحشو العصب    رئيسة وزراء اليابان تُهدى ترامب عصا «الجولف» وتنوي ترشيحه لجائزة نوبل    محافظ كفر الشيخ يفتتح مدرسة الشهاينة للتعليم الأساسي بالرياض    اللجنة الفنية باتحاد الكرة: حلمي طولان محق في تصريحاته ويجب الحفاظ على شكل المنتخب    فرج عامر: ماحدث من لاعبي سموحة أمام الجونة " كارثة ومأساه"    تطوير شامل بمحيط المتحف المصري الكبير يشمل 14 محورًا و90 ألف متر من المسطحات الخضراء    بعد تسريب بيانات 183 مليون حساب.. تحذير عاجل من الهيئة القومية للأمن السيبراني لمستخدمي Gmail    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    ببث مباشر وعروض ليزر.. مكتبة الإسكندرية تحتفي بافتتاح المتحف الكبير مع جمهورها    أخبار الفن.. استعدادات لتصوير "حين يكتب الحب" و"ابن العسل".. طرح "السلم والثعبان2" و"برشامه" قريبا.. وارتباك وغموض في "شمس الزناتى 2"    رسميًا| مجلس الوزراء يعلن بدء التوقيت الشتوي اعتبارًا من الجمعة الأخيرة بالشهر الجاري    «تعمير» تعلن عن شراكة استراتيجية مع «The GrEEK Campus» بمشروع «URBAN BUSINESS LANE»    ماليزيا تعلن استعدادها للانضمام إلى "بريكس" فور قبولها    سلسبيل سليم توضح أبرز أعمال التطوير بمحيط المتحف المصري الكبير تمهيدا لافتتاحه    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    رؤية نقيب الصحفيين للارتقاء بالمهنة في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    روزاليوسف.. ساحة الاختلاف واحترام التنوع    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    كيف تؤثر مرحلة انقطاع الطمث على الصحة العقلية للمرأة؟    فوزي إبراهيم بعد حلقة الحاجة نبيلة مع عمرو أديب: «المؤلفون والملحنون شاربين المر ومحدش بيذكر أسماءهم»    محافظ الفيوم يتفقد سير العمل بالمركز التكنولوجي بطامية    زلزال سينديرجي يعيد للأذهان كارثة كهرمان مرعش في تركيا.. تفاصيل    لتجنب احتقان الأنف والحرارة.. أطعمة ومشروبات منزلية تقاوم البرد والإنفلونزا    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    كييف تعلن إسقاط 26 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    شوبير يكشف حقيقة العرض الليبي لضم أشرف داري من الأهلي    قبل العرض الرسمي.. إليسا تطلق أغنية «السلم والتعبان – لعب العيال»    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    ضمن «صحح مفاهيمك».. واعظات «الأوقاف» يقدمن لقاءات توعوية لمكافحة العنف ضد الأطفال بشمال سيناء    افتتاح المتحف المصري الكبير 2025.. مصر تبهر العالم في أضخم حدث ثقافي بالقرن الحادي والعشرين    الإفتاء توضح الحكم الشرعي لتقنية الميكرو بليدينج لتجميل الحواجب    الداخلية تعلن البدء فى إجراء قرعة الحج بعدد من مديريات الأمن بالمحافظات    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    موعد مباراة أتالانتا وميلان في الدوري الإيطالي    حسم موقف آدم كايد من مباراة الزمالك والبنك الأهلي    عشرات شاحنات المساعدات تغادر رفح البري متجهة إلى غزة عبر كرم أبو سالم    مقتل ثلاثة أشخاص في جامايكا أثناء الاستعدادات لوصول إعصار ميليسا    محافظ أسيوط يستقبل الرحلة الجوية المنتظمة بين القاهرة وأسيوط دعما لمنظومة النقل والتنمية بالصعيد    جراجات مجانية لأعضاء النادي في انتخابات الأهلي    الشبكة هدية أم مهر؟.. حكم النقض ينهى سنوات من النزاع بين الخطاب    دراسة: زيارة المعارض الفنية تُحسن الصحة النفسية    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    بالأرقام.. حصاد الحملات الأمنية لقطاع الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    بعد خسائر 130 دولارًا| ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء 28 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجمعية السرية للمواطنين».. المهمشين فى الأرض!
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 01 - 2022


1
لعل هذه الرواية من أفضل نماذج السرد الاجتماعى السياسى، فى السنوات الأخيرة، ذلك أنها تدفع بالمهمشين، ليكونوا أبطالا، رغم أنهم أبعد ما يكونون عن المثالية، ولكنهم ضحايا ظروف اجتماعية وسياسية شاقة، جعلت الفقراء أسوأ حالا، وصنعت من المزيفين نجوما لامعة.
2
«الجمعية السرية للمواطنين» الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، لمؤلفها أشرف العشماوى، من أفضل رواياته شكلا وبناء وفكرا ومضمونا، وتحقق نجاحاتٍ كثيرة فى عدة اتجاهات:
فهى ترسم، أولا، شخصيات مهمشة فريدة مكتملة الملامح، نتابع أحوالها وظروفها فى مساحةٍ زمنية كبيرة، من منتصف السبعينيات فى عصر الرئيس السادات، إلى نهاية عصر مبارك، وفى منطقة عزبة الوالدة فى حلوان، تلك المنطقة التى أقيم فيها قصر والدة الخديو إسماعيل بحدائقه الواسعة، ثم تحولت إلى منطقة عشوائية مهمشة، لا علاقة لها بتاريخها القديم.
الشخصيات اختيرت بعناية لتعبِر عن تحولاتٍ عنفية وحادة، ومن خلال مهنٍ غير مألوفة: فنان تشكيلى يتحول إلى مزور لوحات ونقود، وبطل فى حرب أكتوبر يتحول إلى مرشد وموزع للمخدرات، ومدرس موسيقى يصبح عامل مجارى، ومسمم للكلاب يصبح متاجرا بلحوم الكلاب، وعرضحالجى يصبح محاميا، وممرض يصبح طبيبا، وساعى بريد يتحول إلى صحفى، وعامل نظافة يتحول إلى شاهد زور محترف، وكومبارس سينما يُستأجر لأداء دور القريب المحترم والثرى فى أفراح الغلابة، وفنان تشكيلى ينتحل اللوحات يُرشَح لمنصب وزير.
فوضى اجتماعية عارمة أقرب إلى العبث الذى نراه فى الواقع، ونرصده عبر الشخصيات، وليس بعيدا عنها، الحكاية عن واقع عبثى، وهذا منطق الرواية كلها.
3
الرواية، ثانيا، تضع شخصياتها الكثيرة فى قلب ظروف تجبرها على أن تتحايل على العيش بطرقٍ ملتوية، فهذا هو السائد والمتاح، وفكرة الزيف والتزييف محورية فى النص، سواء على مستوى تزييف فنان مثل معتوق رفاعى للوحة زهرة الخشخاش الشهيرة، أو تقديم رسومات لفنان آخر هو غريب أبو إسماعيل، ليضع عليها اسمه، أو فى تزييف معتوق للنقود على نطاق العزبة، وتكوين جميعة سرية لمساعدة الغلابة بهذه النقود، أو فى تزييف المحررات الرسمية فى دولة الأوراق، أو فى الانتخابات المزورة، التزييف تيمة أساسية، من أعلى إلى أسفل، وبالعكس، الغلابة يمارسونه أيضا، والرواية لا تبرر ذلك ولا تدافع عنه، ولكنها تفسر الظروف التى تدفعهم إلى أن يكونوا جزءا من زمن الفالصو.
تختبر الرواية، ثالثا، تيمات أخرى بذكاء، وتوظفها فى إطار النص، الجنون مثلا عنوان أساسى فى الحكاية، ليس لأن معتوق رفاعى يزج به فى مستشفى الأمراض العقلية، ولكن لأن ما يحدث خارج المستشفى من فوضى هو الجنون بعينه، ولذلك سيخرج معتوق من المستشفى بحلولٍ مجنونة تتسق مع هذه الفوضى المسكوت عنها، هو أصلا دخل المستشفى لأنه أراد أن يكشف زيف لوحة الخشخاش العائدة للمتحف، وكأن المجتمع لم يعد يتقبل إلا كل ما هو زائف، فقرر معتوق أن يتعامل مع المجتمع بنفس الطريقة.
4
العزبة فى النص ليست هى فقط عزبة الوالدة، ولكنها الوطن الذى صار عزبة يتحكم فيها أفراد بعينهم، ووفق نظرية ترك الغلابة يعيشون بطريقتهم، ووضعهم فى علبة كبريت معا، ولكن عند أى خروج عن النص يجب حرقهم فورا. منطق العزبة يكرس سيطرة طبقية شاملة، تراقب وتعاقب، تتيح اللعب فى حدود، وتتدخل عند اللزوم، وقد تبلورت هذه النظرية بشكل واضح فى زمن مبارك، وأتاحت له أن يحكم لمدة 30 عاما، والرواية بانطلاقها من الخاص إلى العام، ومن عزبة الوالدة إلى عزبة الوطن، تعيد الفوضى إلى أصلها السياسى، وتجعل من الفساد نتيجة لفشل السياسة، وليس العكس، وتفرق بوضوح بين فساد الثراء والسلطة، وبين فساد الغلابة، الذى يبدو كما لو كان دفاعا عن حقهم فى الحياة، إنه حيلتهم البائسة والمحدودة للنجاة من الطوفان.
فى مقابل منطق العزبة، يخترع معتوق منطق الجمعية، وفكرة الجمعية هنا لها أيضا معنى مزدوج: التجمع أو الاتحاد تحت فكرة معينة، و«الجمعية» بمعنى نظام التكافل الاجتماعى وجمع النقود الذى اخترعه الغلابة، والإدارة فى الجمعية ديمقراطية وبالتصويت، إنها العالم الموازى لمنطق العزبة، رغم أنها تدار عبر النقود المزيفة؛ لأنك لا يمكن أن تعمل فى الفراغ، والزمن بأكمله يقوم على الفالصو، والمعالجة واقعية، لا تجمل الطبيعة البشرية، ولا تصنع أنماطا، وإنما تجعلنا نرى شخصياتٍ من لحم ودم، وسط حياة عشوائية، لا يحكمها قانون أو معنى.
وبينما يعيش هؤلاء على الهامش، فإن فكرة «الجمعية السرية» تدفع بهم إلى المتن، ويصبح فعل الجنون أمرا مناسبا لمجتمع أصابه الجنون، وتنتهى الرواية بفعل يقف أيضا على حافة الجنون، دون أن نعرف بالضبط مدى تحقق هذا الفعل، ولكنه يتسق مع فوضى هذه العالم الذى وصل إلى الحافة، ويتسق أيضا مع وعى الغلابة بأنهم ليسوا أحياء أصلا حتى يخافوا من الموت، وأنهم لم يعودوا يتحملون علبة الكبريت التى سجنوا فيها، طوال تلك السنوات.
معتوق الذى فقد لوحاته، مثلما فقد ابنته، وبطل الحرب الذى لا يجد كشكا فى وطنه، والذى صار مرشدا للبوليس، وتاجرا للمخدرات، ومدرسة التاريخ فى مكان بلا ذاكرة، وطالب الهندسة المهمش بسبب ديانته، يواجهون الحقيقة قبل أن يواجهوا أسياد عزبة الوالدة، ومصيرهم فى النهاية يظل غامضا ومفتوحا، مثلما كان طوال الرواية.
5
ربما تكون الملاحظة الوحيدة فى عدم دمج تاريخ العزبة فى عصر إسماعيل بشكلٍ جيد فى النص، وخصوصا أن إسماعيل لم يكن فى ذهنه الغلابة أصلا، وهو يبنى قصرا لأمه.
ولكن تظل روايةُ «الجمعية السرية للمواطنين» وثيقة اجتماعية روائية مهمة وخطيرة وجسورة، عن فشل كل سياسة، لا تهتم بالغلابة، أو بالمهمشين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.