آدم : بابا رفض يدفع مصاريف علاجي فريدة: بابا كسر ضلوع ماما وراحت المستشفى سليم: ماما بتاخدني عند جدي عشان ناكل هناك ليلى : بابا كان بياخد فلوس ماما ويصرفها على المخدرات مروان : بابا مش عاوز يدفعلي مصاريف المدرسة ياسمين : بابا بيقعد طول الوقت مع أصحابه ومش بشوفه خالص وجوه عشّش الحزن والخوف في ملامحها، وانسدلت من قسماتها البراءة على أعتاب صراع لا ذنب لها فيه، فبدت كوجوه شائخة قبل أوانها، تحجرت الدموع في مقلتيها، وخاصم الفرح قلوبها، وسرى القهر والمرار في شرايينها، فأمات الأمل فيها، واغتال رغبتها في الحياة، بل وحوَّلها إلى أشباح يعشعش الهم بداخلها. هذا هو حال كثيرين من أبناء المطلقات، الذين تحوَّلوا على أيدي ذويهم إلى خراب يستخدمه كل طرف لإذلال الطرف الاخر دون الاكتراث لمشاعرهم. آدم وفريدة وسليم وليلى ومروان وياسمين ليسوا سوى نماذج بائسة من آلاف النماذج التي تكتظ بها أروقة محاكم الأسرة، لأطفال تمزقت قلوبهم ونفوسهم كما تمزقت أسرهم. "بوابة الوفد" تنشر القصص المأساوية لهؤلاء الأطفال وترصد معاناتهم من داخل المحكمة. استغناء علني "بابا رفض يدفع مصاريف علاجي".. بنبرات ممزوجة بمرارة الحزن والألم استهلّ "آدم" روايته لتفاصيل مأساته.. وبوجه مهموم تابع: "أبي أعلن استغنائه عني وعن والدتي، ليتهرب من دفع ثلاثة آلاف جنيه تكلفة علاجي، رغم أنه يعمل مندوب مبيعات، ودخله الشهري لا يقل عن خمسة آلاف جنيه". تتسارع أنفاس الابن البائس ووتدافع الذكريات المؤلمة على ذهنه قائلًا: "منذ أن فتَّحت عيني على هذه الدنيا، وأنا أرى أبي ينهال على أمي بالضرب ويعنفها على أتفه الأسباب، ولما فاض بها الكيل من سوء معاملته لها، تركت له منزل الزوجية، واصطحبتني معها، وليعاقبها أبي على تركها البيت بدون إذن منه، امتنع عن الإنفاق عليّها وعليَّ أنا ابنه فلذة كبده". تتحجر الدموع في عين الابن البائس فيصمت للحظات ثم يكمل سرد مأساته: "احتجت إلى إجراء عملية تُقدر بثلاثة آلاف جنيه، وعندما طالبت أمي أبي بقيمة المصاريف أبلغها بأنها لا تلزمه ولا حتى أنا ألزمه، وطلب منها مغادرة البيت، ورفض دفع المبلغ، توسطت والدتي للقريب والغريب، لكن محاولتهم مع أبي باءت بالفشل، "مش عاوزهم".. هكذا كان أبي ينهي أي حوار إزاء هذا الموضوع". يحاول الابن البائس أن يمنع دموعه من الانفلات: "لم أحزن يومًا أن أبي فارقنا وتزوج بأخرى وأنجب منها، فكما أسقطني هو من حساباته أسقطته أنا أيضًا من حساباتي، لكنني رغم ذلك تأتي عليَّ لحظات أشتاق إليه، وأحلم أن يضمني إلى صدره، لكن سرعان ما أعود إلى واقعي المرير، كل ما أتمناه أن يكون لي أنا وأمي مصدر رزق يعيننا على تلك المعيشة، حتى أكبر وأجد فرصة عمل أساعد بها أمي التي حملت الكثير من أجلي". محاولة قتل "فريدة" تلتقط أطراف الحديث من صديقتها لتحكي بكلمات بريئة وصادقة هي الأخرى عن مأساتها: "أنا بخاف من بابا، لأنه كسَّر ضلوع أمي وانتقلت إلى المستشفى، لا يمكن أنسى كلمة الدكتور "ادعوا لها الحالة صعبة وهي بين إيدين ربنا". تنظر فريدة إلى كراسة الرسم الخاص بها، والتي ملأتها برسومات لأب يحتضن ابنته، وأخرى لطفلة وحيدة تبكي، وهي تنظر إلى أطفال يلهون بصحبة والديهما، وتختتم مأساتها بلسان أثقتله مرارة الفقدان: "عاوزة أب غير بابا، لأنه كان دايمًا يضربني، ويضرب ماما لحد ما تنزف دم، كان عاوز يموِّت ماما، نفسي في أب محترم ميضربش ماما حبيبتي خالص". مسلسل جوع وقف الطفل "سليم" بملابس رثة، بدت بائسة، يتجاهل كل من يحدثه وكأنه فقد القدرة على النطق، يحاول أن يتوارى عن الأنظار، وبعد أن اطمأن لمحدثه خرج عن صمته، وبصوت تلمح في نبراته الحزن قال: "عشت مع أمي أسوأ أيام حياتنا، وذقنا طعم الجوع والخوف والمرض، وعرفنا معنى الذل والإهانة، وبِتنا نهرب إلى منزل جدِّي بحثًا عن لقيمات تبقينا على قيد الحياة، كان أبي يستمر في مسلسل تجويعه لنا رغم يسار حاله، حيث إنه يعمل صاحب شركة معمار، ودخله الشهري لا يقل عن مليون جنيه، لا أعرف أي نوع من الآباء هذا الذى يترك ابنه بلا نفقة وهو على قيد الحياة؟!". تغييب وعي إلى جوار والدتها التي جاءت محكمة الأسرة طالبة الخلع بعد زواج دام 10 أعوام، جلست "ليلى" الطفلة البائسة تشيح بوجهها ناحية باب القاعة الخشبي حتى لا يلمح محدثها الدموع المترقرقة في عينيها البائستين قائلة: "كانت حياتنا هادئة ومثالية إلى أن تسلل أصدقاء السوء إلى أبي، فسيطروا على عقله، وعلموه كيف يشد الأنفاس ويبتلع أقراص الترامادول المخدرة، ويقضي ليله يستنشق المساحيق البيضاء أمامي أنا وأختي الصغيرة دون استحياء، بل ويدعو أصدقاءه المدمنين ليستمتعوا بلحظات سعادتهم المزيفة في منزلنا، كانت أمي تصطحبنا إلى غرفتنا وتجلس معنا وتغلق الباب بالمفتاح، باتت تقضي ليلها خائفة جالسة على حافة السرير مردتية عبائتها البالية، وقابضة على أطرافها بقوة حتى ينصرفوا، ومن الخوف أصيبت بحالة نفسية جعلتني أخاف من الناس جميعًا، ولا أرغب أن أتعامل مع أحد". "ورغم كل هذا أدعو الله أن يهديه ويرجعه عن طريق المخدرات التي قلبت حياتنا لجحيم، ويعود ليعيش معنا لكن بشرط أن يتوب".. قالتها الفتاة البائسة في ختام روايتها الحزينة. حمل ثقيل "الحمل تقيل على ماما وبابا مش عاوز يسدد مصروفات المدرسة لي أنا وإخوتي".. يقولها مروان صاحب ال13ربيعًا وهو مطأطىء رأسه، يعبث بهاتف محمول بالٍ فقد معظم أزراره، لكنه لا يزال يقاوم كما يقاوم الطفل البائس الحزن، وبكلمات بريئة وصوت يرتعش من الخجل والخوف يتابع مروان: "لم يضمني أبي إلى صدره يومًا، قليلًا ما كان يتذكر أن له أولاد ويسأل عليَّ أنا وإخوتى، لم ينفق علينا وترك المسئولية كاملة لأمي هي التي تحملت همنا، وحين اقتربت الدراسة طلبت أمي منه مصروفات المدرسة لأنها لا تقوى على دفعها لكنه رفض، يريد أن يحرمني منها كما حرمني من أشياء كثيرة كنت أرى من هم في سنِّي يتمتعون بها، وأنا لم يكن من حقي أن أطلبها أو حتى أفكر بها". يعتدل الصبي البائس في وقفته ويسيطر على خجله ثم يكمل حكايته: "تزوج أبي بامرأة أخرى ولم نعد نراه إلا يوم أو يومين في الأسبوع، وأحيانا تمر الشهور دون أن يسأل علينا أو يرسل لنا ما لا نسد به حاجتنا، وبمجرد أن تطأ قدميه بيتنا يذيق أمي الويل والعذاب، يسبها ويضربها، وإذا اقترب أحد له منا يكون مصيره كمصير والدتي". "سارفع قضية نفقة ضد والدي، كي أذهب إلى المدرسة وأكمل تعليمي وألتحق بالجامعة، وأجد فرصة عمل أساعد بها أمي التي تحملت الكثير من أجلي أنا وإخوتي".. كلمات قالها مروان والحزن يتلألأ في عينيه، مستطردًا: "أمي هي الأخرى سترفع قضية خلع حتى تتمكن من صرف معاش يساعدها في تربيتنا فوالدتها سيدة مسنة، ولن تتمكن من مساعدتها"، ورغم كل هذا يتمنى مروان أن يهدي الله والده، ويعود ليحيا معه في بيت واحد: "أنا نفسي ربنا يهدي بابا ويصلي ويصوم ويشتغل وأنا مستعد أشتغل معه وأساعده بس يرجع يعيش معانا". خوف مع إيقاف التنفيذ برفقة والدتها التي طرقت أبواب محكمة الأسرة بزنانيري طالبة مؤخر صداقها جلست "ياسمين" التى لم تكمل عامها السادس بعد مرتدية ملابس رثة متسخة وبكلمات بريئة قالت الطفلة: "أنا مش بشوف بابا غير فين وفين، حتى لما بشوفه بخاف أطلب منه بسكويت أحسن يضربني، بابا قاسي، كان بيقضي كل وقته مع أصدقائه، دايمًا بسمعه بيقول لماما "العيشة معاكي سجن بهرب منه مع صحابي"، ماما كمان كانت بتخاف منه بس كانت بتحبه وعاوزاه يكون معانا طول الوقت، ماما خيَّرته بيننا وبين أصدقائه، رجَّح كفَّة أصدقائه وطلَّق ماما". "أنا عندي صحاب أنا كمان بس مش هخسر ماما عشانهم زي بابا ما عمل معاها ومعايا".. هكذا اختتمت الطفلة روايتها البائسة. الأسرة حجر الأساس وفي هذا السياق قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الصحة النفسية، إن الأسرة هي اللبنة الأولى في تكوين شخصية الأطفال والمراهقين، مشيرًا إلى أن تصرفات الوالدان تنعكس سلبًا أو إيجابًا على الأطفال في داخل الأسرة. وأوضح فرويز، أن السلوك العنيف للأباء يؤثر سلبًا على نفسية الأطفال، ويدفعهم ليكونوا شخصيات عدوانية مرشحة وبشدة لسلك طريق الإجرام والانحراف، مطالبًا الأسر العربية بتربية أطفالها وسط جو من الهدوء والسلام يكفل لهم أن يتشأوا أسوياء. آباء في قفص الاتهام واتفقت معه في الرأي الدكتورة إيمان دويدار؛ استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين، مؤكدة أن الوالدين مسؤولين بشكل مباشر عن تكوين شخصية الأطفال. وأوضحت استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين، أن السلوك العدواني للأطفال أو المراهقين يكون نابعًا في الأساس من سلوك عدواني يرونه في الأسرة، ويحاولون تقليده، مطالبة رب الأسرة بتربية أبنائه على الأخلاق الحميدة، بأن يكون هو خير قدوة لهم. وشددت دويدار على أن أطفال اليوم هما عماد الأمم غدًا؛ لذا يجب الاهتمام بهم، وتربيتهم على القيم والأخلاق، وسط جو من الهدوء والسكينة؛ لينشأوا أسوياء. تحت مظلَّة القانون من جانبه كشف المستشار القانوني عصام الدين أبو العلا، في حوار خاص ل-"الوفد" عن الحقوق القانونية للأطفال في حالة الانفصال، وقال إن الحق الأول هو الحق في الإنفاق عليهم ممن هو مكلَّف بالإنفاق، وعادةً ما يكون الأب هو المكلَّف حال وجوده، وفي حالة وجوده فوفقًا لشروط معينة قد تستحق النفقة على الجد والعم والأخ الأكبر، إلا أن العادة أن يكون الأب هو المكلف بالإنفاق على أولاده في حالة انفصاله عن الأم وفي حالة عدم الانفصال. وأضاف أبو العلا، أن حق الصغير في النفقة له شروط، أهمها ألَّا يكون للصغير مال، فإذا كان له مال فلا نفقة له على أبيه، كما أن للصغير حقوق مالية أخرى وهي حق في المسكن، وإن لم يتوافر مسكن فمن حق الصغير الحصول على أجر مسكن، وهو مقابل نقدي، وأجر مسكن هو حق الصغير وليس حقًّا للحاضنة. وتابع المستشار القانوني، وي ضاف إلى ذلك حق الصغير في التعليم والإنفاق عليه أثناء تلقيه العلم، بل إن القانون قد ألزم الأب بتعليم طفله طيلة مراحل التعليم الأساسي، وإذا انقطع الصغير عن الدراسة فإن النيابة العامة تتدخل وتحرك الدعوى الجنائية ضد الأب.