على بعد 900 كم من القاهرة تقع «واحة سيوة» التى تبلغ مساحتها 1088 كم، ويسكن فيها ما يقارب من 35 ألف نسمة، طالما ارتبط اسم الواحة بأشجار الزيتون تلك الشجرة الصامدة التى تقاوم التقلبات المناخية الصعبة ويعتمد عليها اقتصاد معظم دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وينتجون حوالى 10 ملايين طن ثمار يستخدم منها مليون طن ثمار كزيتون مائدة والباقى لاستخراج 2 مليون طن زيت، يستهلك معظم الإنتاج من قبل الدول المنتجة. الزيتون مع حلول شهر سبتمبر من كل عام كان يستعد أهالى واحة سيوة لجمع محصول الزيتون الذى يبدأ فى شهر سبتمبر، ويمتد لأواخر يناير من كل عام، إلا أن التغيرات المناخية تسببت فى خفض إنتاجيته هذا العام لتقتصر مدة جمعه على 45 يوما، الأمر الذى أدى إلى اختفاء الزيتون من الأسواق وتضاعف سعره ليصل إلى 13 جنيها للكيلو الواحد بدلا من 6 جنيهات العام الماضى. ويشكو المزارعون فى الواحة من أن دورة قطف الزيتون المتعارف عليها والتى تكون عبارة عن محصول غزير فى عام يعقبه محصول ضعيف فى السنة الأخرى لم يعد أمرا ثابتا بسبب تغير المناخ. الزيتون قال عمر أبوسليم، أحد المزارعين بسيوة: «يرتبط الزيتون بمناخ محدد حتى يستطيع أن ينمو خضريا بشكل جيد، ولا يثمر إذا انقلب المناخ ولم يوفر له درجة الحرارة الملائمة أثناء فترة السكون الشتوى الضرورية لتشكل الأجزاء الزهرية فى البراعم، والتغيرات المناخية التى حدثت الموسم السابق أثرت على إنتاجية الزيتون بشكل كبير جدا، ليس على مستوى الواحة فقط، وإنما على مستوى العالم، فالمعتاد أن شجر الزيتون ينتج 100% من إنتاجيته، والعام التالى نحصل منه على 50% فقط، لكننا حصلنا منه على 10% فقط من الإنتاجية بسبب التغيرات المناخية». الزيتون وأكد أبوسليم أن الخسائر من محصول الزيتون تحملها أصحاب المزارع ومصانع المخللات والزيوت، فإنتاجية 10% من المحصول لم تغط مصاريف الزراعة أو العمالة والأسمدة وغيرها من الاحتياجات، واضطر أصحاب المصانع إلى الاستغناء عن عدد كبير من العمالة. وانتقد أبوسليم غياب الإرشاد الزراعى رغم أهمية خاصة للمزارع البسيط لمعرفة طرق التكيف مع التغيرات المناخية، واكتسب أغلب المزارعين خبرتهم من الطبيعة والفطرة، وطالب بعقد الندوات لتوعية الفلاحين بكيفية التعامل مع المناخ أو أشجار الزيتون بداية من الشهر الجارى لأن عملية التزهير تبدأ من منتصف الشهر القادم لأحد أصناف الزيتون المبكر. وذكر عبدالله كويلة، أحد أصحاب مزارع الزيتون، أن زراعة الزيتون تعانى من عدة مشاكل تؤدى إلى تدهور زراعته مثل ارتفاع تكاليف عمليات الخدمة بما فيها جنى المحصول لارتفاع أجور اليد العاملة ونقصها، وانتشار الآفات المختلفة بشكل خطير وسريع، الحشرية منها والفطرية والفيروسية دون إجراء المعالجة الجذرية لها، وارتفاع تكاليف المكافحة. وأكد كويلة أن زراعات الزيتون تعد حلا اقتصاديا فى ظل التقلبات المناخية وتراجع ربحية الأراضى الصحراوية فى المحاصيل التقليدية والبستانية، بسبب أزمة مياه الرى بشرط تبنى الدولة حلولا لمواجهة التطرف المناخى، أهمها اختيار أصناف شتلات مناسبة للبيئة ومقاومة للتغيرات المناخية، والدعم الفنى وإنشاء صناعة خاصة بالتخليل واستخلاص الزيوت، لضمان التسويق والربحية بالقيمة المضافة. أكد الدكتور أحمد موسى، الحاصل على درجة الدكتوراة عن بحثه فى زراعات الزيتون من جامعة المنيا، أن أشجار الزيتون يلزمها عدد من ساعات البرودة (عندما تنخفض الحرارة عن 7.2 درجة مئوية) من أجل تحفيز تكون البراعم الزهرية، فإذا لم تتوفر هذه الساعات ستنمو أشجار الزيتون خضريا، فقط ولن تعطى أزهاراً أو ثمارا. وأوضح موسى أن عدد ساعات البرودة التى يحتاجها الزيتون تتراوح ما بين 200- 600 حسب الصنف، وهو الأمر الذى يجب الانتباه له عند اختيار مكان البستان وصنف الزيتون الذى سيزرع فيه، حيث إن عدد العناقيد الزهرية المتكونة على الشجرة يتناسب طرديا مع كمية وعدد ساعات البرودة خلال فصلى الخريف والشتاء، وعدم استيفاء الأشجار لهذه الاحتياجات من البرودة يؤدى إلى أن تنمو الشجرة خضريا ولا تعطى حاصلا، وهذا ما يفسر نمو أشجار الزيتون خضريا بقوة فى المناطق الاستوائية وقلة إثمارها. وشدد موسى على أن المراكز البحثية يجب أن يكون لها دور فى توعية وتثقيف المزارعين من خلال مركز بحوث الصحراء ومركز البحوث الزراعية، وعمل دورات لمواجهة التحديات المقبلة، وقد يصعب على تلك المراكز طرق أبواب جميع المزارعين على مستوى محافظات الجمهورية، خاصة أن لكل محافظة طبيعة بيئية خاصة بها، إلا أنه يمكن نشر التوعية بالتكيف مع التغيرات المناخية من خلال إقامة الحلقات النقاشية وفيديوهات قصيرة على اليوتيوب لا تتعدى مدتها الخمس دقائق لتوصيل المعلومة بشكل علمى صحيح إلى المزارع، وطبع منشورات علمية مثل التى يصدرها مركز البحوث الزراعية توزع فى المساجد ومراكز الشباب والقرى المختصة بالزراعة، وهو الأمر الذى سيجبر المزارعين على المعرفة والمتابعة. وتابع موسى: «لو ظهر النهارده مرض على شجرة لازم أصوره وأتحدث مع المزارعين عن أطواره وكيفية علاجه وهل متوافر أم لا من أجل توصيل المعلومة بشكل بسيط وصحيح».