لعل أكثر الأمور التي كانت تزعجني في الصغر، هي مرحلة النضوج الجسدي، أي ما بين العشرة والخمسة عشر سنة، حيث تنحصر التشابكات الفكريّة ويصبح حبّ الظهور يحكم الأشخاص، يعني في صريح العبارة “إظهار الذات”. الثمانة كنت في صغري أحظى ببعض الشحومات الزائدة في بعض الأماكن في جسدي، أو كما يقال “معجعج”، وكنت دائماً أتضايق من الألفاظ العنصريّة التي يطلقها الاصدقاء حينها، فكانت تؤثر عليّ سلباً، فأقرر أن أخفف من وجبات الغذاء اليومي، إلا أن هذه القرارات كانت تجهض عند أول صحن فاصوليا، أو صحن حلويات، حتى إرتضيت بما أنا عليه لأن الإختلاف طبيعي بين البشر، فمنهم السمين والنحيل والوسيم والقبيح، فخلقت مقولة إشتهرت بها حينها كتبرير للوزن الزائد في حال أحد الأشخاص تداول الموضوع (على فكرة ما كنت كتير ناصح، بس إنو معجعج)، فجلست أحلل وافكر لأصل إلى الحل: “في عائلتنا هناك مكان لمرض السكري والقلب، وهذه الأمراض هي وراثيّة، فقررت أن آكل في وقتها ما يحلوا لي لأنني يوماً ما سأمنع عنها بطلب من الحكيم، حفاظاً على صحتي”. إلا أنني في الآونة الأخيرة كنت أتصفح بعض محركات البحث الإلكتروني وتوصلت إلى معلومات، لو كنت أملكها في تلك الأيام لكانت أفضل من الحلول الأخرى التي أبتكرتها، فالرجل البدين هو الاسم الذي أطلق على ثاني قنبلة ذرية ألقيت على مدينة ناغازاكي اليابانية في 9 آب 1945 بأمر من رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية هاري ترومان. ويقال ان التسمية كان يقصد بها السير ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا عام 1940 لانه كان بدينا، وقتلت القنبلة ما يقدر بنحو 39000 شخص على الفور وأكثر من 25000 جريح، وآلاف آخرون توفوا في أوقات لاحقة من الانفجار ذات الصلة، إثر الحروق والضرر من إشعاعات القنبلة الأولي. الرجل البدين وكنت أذكر أنه كان يشاركنا الصف فتى صغير القامة، كان يصغرنا بسنة واحدة تخطاها بذكائه – النظام التعليمي في المدراس الخاصة يسمح للمتفوقين بالقفز سنة إذا وجدوا هذا ضرورياً – فكنا نناديه “الولد الصغير”، فلو كان يعلم هو أيضاً أن تسمية “الولد الصغير” هو الاسم الكودي الذي أطلق على أول قنبلة ذرية ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية في 6 أب 1945 من قاذفة القنابل بي-29 “إينولا جاى” والتي كان يقودها الكولينيل بول تيبيتس من السرب 393 من القوات الجوية الأمريكية. وتعتبر هذه القنبلة هي أول سلاح نووي يتم استخدامه، فإنفجرت بقدرة تدميرية تعادل ما بين 13 و 18 كيلوطن من مادة تي ان تي، وقتلت ما يقرب من 140،000 شخص. الولد الصغير طبعاً لم نكن نعلم بهذه المعلومات الهامة عن التسميات التي أطلقت علينا وقتها، إلا أنني اليوم عندما أرى الأطفال الممتلئين “العجعوجين” وصغار القامة والبنية، أخبرهم بهذه المعلومات من منطلق رفع المعنويات التي يكون أصدقاؤهم قد دمروها في تعليقاتهم وسماذجتهم التي ترافقهم في هذا العمر. يا بديني العالم وصغار القامة إفرحوا !!!