ميكروباص مهشم يقفُ فى منتصف الطريق أمامه سيارة «تريلا»، ودماء تكسو الأسفلت وبقايا ملابس ومتعلقات شخصية متناثرة على الأرض، وسط كل هذا سيارات إسعاف تنقل جثثا وأصوات سرينة سيارات الشرطة تقطع صراخ الأهالى. جزء من المشهد على الطريق الدائرى الأوسطى، أمس الأول، والذى شهد حادثًا مروعًا أسفر عن مصرع 19 شخصًا على الأقل، مع وصول فريق من النيابة العامة رفقة خبراء الأدلة الجنائية والمهندسون الفنيون لإجراء المعاينات اللازمة، ورفع آثار الحادث بمعرفة الحماية المدنية لتسيير حركة المرور بالطريق. كان سائقو الميكروباص يتوقفون على الطريق، ومعظمهم يتمتم وهو يشاهد آثار الحادث: «ده ميكروباص أبوخالد، بينقل عمال من ديروط لحد إسكندرية»، يترحمون على السائق عبدالله طاهر يونس، الشهير ب«أبوخالد»، وابتسامته التى يعرفونه بها، ويتذكرون جدعنته فى موقف السيارات: «صعيدى شهم يحبه الصغير والكبير». شهود العيان قالوا لجهات التحقيق إن مشهد اصطدام التريلا ب«الميكروباص» كان مرعبًا، ركاب سيارة الأجرة كانوا يصرخون فى فزع: «حاسب يا أبوخالد»، وثوانٍ بعد استغاثتهم كان الميكروباص تحول لخردة وتقف أمامه «التريلا» كأنها تبتلعه، فيما تناثر زجاج الميكروباص فى كل مكان ملطخًا بدماء الضحايا. وبحسب الشهود، فإن المارة على الطريق لم يستطيعوا إخراج الجثث من السيارة، كونها كانت متشبثة فى الحديد كأنها جزء منه، حتى وصلت قوات الحماية المدنية التى قطعت الحديد والصاج بصواريخ كهربائية لانتشال الجثامين. وروى الشهود أن المسعفين كانوا يحاولون تقديم العلاج اللازم لشخصين، وكانوا نقلوا نحو 17 جثة إلى المستشفيات، وارتفعت بعد ذلك أعداد الوفيات ل19 شخصًا حتى الآن. ورجح الشهود روايتين حول الحادث، لا تزالان قيد التحقيق: الأولى تضمنت إصابة سائق التريلا بإغمائه ما تسبب فى انحرافه بسيارته إلى الطريق الجهة الأخرى بعد تجاوزه الحواجز الخرسانية ناحية الميكروباص، والثانية تتضمن أنه توفى فجأة واصطدم بسيارة الأجرة. ويفحص الخبراء الفنيون من اللجان الهندسية وعناصر الأدلة الجنائية سبب انفجار الإطار الأمامى ل«التريلا»، وعلاقته بالحادث وكونه سببًا فى عدم قدرة السائق على السيطرة على سيارته من عدمه. على الجانب الآخر، كان المشهد أمام مستشفى أكتوبر المركزى مأساويًا، فكان أهالى الضحايا فى انتظار تسليم الجثامين بعد قرار جهات التحقيق التصريح بالدفن. وقال الأهالى إن الحادث شهد مصرع الشقيقين «سيد» و«عبدالغفار»، إذ كانا عائدين إلى بلدتهما فى عرب أبوكريم بأسيوط، لقضاء عطلة المولد النبوى الشريف، مشيرين إلى أن بلدتهما مات منها 7 أشخاص جراء الحادث، وشخص من نجع الربيعات، 3 من الجبانات، وشخص من عزبة أبوالعيون. كما روى أقارب سائق الميكروباص أن «الأخير» ينقل العمال من بلدتهم وباقى البلدات المجاورة للعمل بالمزارع فى الإسكندرية، وأثناء عودتهم للبلدة وقع الحادث المروع، وبعض الجثث تحولت لأشلاء. وضمن الحكايات المؤثرة، مصرع عبدالله طاهر يونس، سائق الميكروباص، وابن عمومته يونس مفضل، والاثنان لا يتجاوز عمرهما ال30 عامًا، ويعملان معًا على الميكروباص المنكوب، والجميع يشهد بحسن أخلاقهما. ولاتزال 5 جثث مجهولة الهوية حتى الآن، بينهم طفلتان «عامين- 10 سنوات»، وصرحت النيابة العامة بدفن جميع الجثامين، وطلبت الاستعلام عن مجهولى الهوية.