حددت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عددا من التحديات التى تواجه تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية فى مصر، وما يرتبط فى هذا الإطار بتنفيذ الاستراتيجية، وتمثلت فى 4 تحديات بارزة. وجاء أول تلك التحديات فى الحاجة إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، مشددة على أن العديد من الممارسات التى تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان ترجع إلى ضعف ثقافة حقوق الإنسان، وبعض الموروثات الثقافية الخاطئة التى تتعارض مع قيمها ومبادئها، فضلا عن استمرار وجود حاجة إلى تنمية قدرات الكوادر الوطنية فى قطاعات الدولة المختلفة فى مجال حقوق الإنسان لتعزيز الالتزام على أرض الواقع بالضمانات التى يكفلها الإطاران الدستورى والقانونى. وأشارت إلى أن ثانى التحديات يتمثل فى الحاجة إلى تعزيز المشاركة فى الشأن العام، حيث تبرز أهمية معالجة عوامل ضعف مستوى المشاركة فى الشأن العام، بما فى ذلك ضعف التواجد المجتمعى الفعال للأحزاب السياسية، وعدم انخراط الشباب فى العمل الحزبى على النحو المأمول، والحاجة إلى زيادة فاعلية القنوات المؤسسية للتشاور مع منظمات المجتمع المدنى باعتبارها شريكًا أساسيًا فى عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان بكافة أبعادها. وأوضحت أن تعزيز المشاركة فى الشأن العام تستدعى زيادة المشاركة على المستوى المحلى، والتصدى لمشكلة الفقر بما يضمن ممارسة الحقوق المدنية والسياسية بشكل فعال، لافتة إلى أن صدور قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى لعام 2019 ولائحته التنفيذية يعد فرصة لبناء مشاركة فعالة ومستديمة مع منظمات المجتمع المدنى تستند إلى احترام الدستور والقانون. ونوهت الوثيقة إلى أن العملية الديمقراطية شهدت تطورًا تجسد فى تلبية الاستحقاقات الدستورية من دورية عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية، وآخرها انتخابات مجلسى النواب والشيوخ، والتوجه نحو انتخاب المجالس المحلية، وهو ما يسهم فى دفع جهود الدولة للتغلب على المعوقات ذات الصلة بإعمال الحق فى المشاركة فى الشؤون العامة، والذى يعد ضروريًا لإعمال حريات التعبير، والتجمع، والتنظيم. وجاءت الصعوبات التى تواجه تحقيق التنمية الاقتصادية المستهدفة فى المرتبة الثالثة من التحديات، مشددة على أن حالة عدم الاستقرار السياسى التى شهدتها مصر قبل عام 2014، وحالة الاضطراب الإقليمى منذ عام 2011، كانت لهما آثار سلبية بالغة على النشاط الاقتصادى أدت إلى زيادة الاختلالات الاقتصادية الكلية. ونوهت الوثيقة إلى أنه رغم أن الاقتصاد المصرى قد شهد مؤخراً تحسنًا نسبيًا فى مؤشرات الاقتصاد الكلى- على ضوء الإجراءات والسياسات الإصلاحية التى نفذتها الحكومة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة- إلا أنه لا تزال هناك حاجة لتعزيز جهود إعمال الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. وأشارت إلى أنه على الرغم من بذل جهود مكثفة لمواجهة الأضرار التى لحقت ببعض الفئات الأكثر فقراً فى المجتمع من جراء التضخم، وذلك من خلال تنفيذ برامج للحماية الاجتماعية، إلا أن الأمر يتطلب اتخاذ المزيد من التدابير لتعزيز تحقيق العدالة الاجتماعية، لا سيما أن ارتفاع تكلفة المعيشة من مسكن، ومأكل، وتعليم، وصحة، ينعكس على زيادة الفجوة المجتمعية والاقتصادية، بالإضافة إلى ذلك فمن الضرورى تضييق الفجوة فى تحقيق النمو المتوازن جغرافيًا، وذلك من خلال مواصلة ضخ استثمارات فى المناطق الحدودية والمناطق الأخرى التى تعانى من ارتفاع معدلات الفقر فيها، ومنها بعض المناطق بالصعيد، وسيناء، ومطروح، ومنطقة النوبة، واستكمال تنفيذ المشروع القومى لتنمية وتطوير القرى المصرية. وذكرت الوثيقة أن الزيادة السكانية المطردة التى تجاوز معها عدد سكان مصر 100 مليون نسمة تمثل عائقًا كبيرا أمام جهود توفير الموارد اللازمة لكفالة حق جميع المصريين فى التمتع بمستوى معيشى ملائم وللتخفيف من حدة الفقر، موضحة أنه لا يمكن إغفال التأثير السلبى للأزمات الطارئة، كالحوادث الإرهابية، على حركة الاستثمار والسياحة ومجمل الأحوال الاقتصادية. كما يتزامن إطلاق الاستراتيجية مع التداعيات المختلفة التى تفرضها أزمة جائحة «كوفيد–19» وتأثيرها على النمو الاقتصادى وعلى التمتع بالحقوق المختلفة. وذكرت أنه ومما يجب أخذه فى الحسبان أيضًا التحدى المتعلق بالأمن المائى لمصر مع استمرار انخفاض نصيب الفرد من المياه سنويًا، بما يشكل تهديدًا مباشرا لجهود التنمية بمجالاتها العديدة، ويؤثر على نحو سلبى على إعمال حقوق الإنسان بشكل عام، وبخاصة الحق فى الحياة، والحق فى مياه الشرب الآمنة، والحق فى الغذاء، مشددة على أن التصدى لكافة تلك الصعوبات يتطلب توفير مخصصات مالية كبيرة، بحيث تنعكس مؤشرات النمو المتصاعدة بشكل مباشر على حق كل شخص فى مستوى معيشى كافٍ له ولأسرته، يوفر ما يفى بحاجتهم الأساسية. وحل الإرهاب والاضطراب الإقليمى الذى تمر به مصر فى مرحلة دقيقة تواجه فيها تهديدات أمنية داخلية وخارجية غير مسبوقة، فى قائمة رابع التحديات، حيث نتجت عن تزايد نشاط الجماعات الإرهابية فى مصر ودول الجوار الإقليمى، مما جعل قضية دعم استقرار الدولة ووحدتها تتصدر أولويات العمل الوطنى. واعتبرت الوثيقة أن خطر الإرهاب يهدد تمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم الأساسية، موضحة أن تدابير مكافحته تعد جزءًا لا يتجزأ من حماية حقوق الإنسان، فهما متكاملان يعزز كل منهما الآخر. وأكدت أن مصر تنطلق فى مكافحتها للإرهاب من رؤية واضحة بأن التصدى لخطر الإرهاب والقضاء على الجماعات الإرهابية يدخل فى صلب حماية حقوق الإنسان وضمان حياة آمنة لكافة المصريين، وتتخذ مصر، شأنها فى ذلك شأن العديد من الدول، تدابير تشريعية وسياسات أمنية تفرضها ضرورات مكافحة الإرهاب. وأفادت الوثيقة بأنه وفى ظل تجديد إعلان حالة الطوارئ تحرص مصر على أن تتسق تلك التدابير والإجراءات مع الدستور والتزاماتها بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن مصر تعتمد مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب تقوم على محورين أساسيين، الأول يستهدف التصدى للعناصر والكيانات الإرهابية، والثانى يهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة لمعالجة العوامل الكامنة التى تسبب الإرهاب. وانتهت الوثيقة بأن التصدى للإرهاب يتم كذلك من خلال محاربته فكريًا، ويتجلى ذلك بوضوح فى تبنى المؤسسات الدينية والمدنية تطوير الخطاب الدينى للتوعية ضد الأفكار المتطرفة ومحاربتها.