دوت الطلقات النارية ابتهاجًا فى أنحاء العاصمة الأفغانية كابول، فجر أمس، مع سيطرة مقاتلى طالبان على المطار فى أعقاب إنهاء انسحاب القوات الأمريكية الباقية من البلاد، منهية بذلك حربًا دامت 20 عامًا خلّفت حركة متشددة أقوى مما كانت عليه فى 2001، وأظهر مقطع مصور وزعته طالبان مقاتليها وهم يدخلون المطار بعد مغادرة آخر قوات أمريكية البلاد قبل منتصف الليل بدقيقة، فى نهاية خروج متعجل ومهين لواشنطن وحلفائها من حلف شمال الأطلسى «ناتو». وأطلق مقاتلو طالبان النار فى الهواء احتفالًا بانتصارهم على الولاياتالمتحدة وعودة الحركة إلى الحكم، بعد حرب دامت عشرين عامًا ودمّرت أفغانستان، وذلك فور إعلان واشنطن فى وقت متأخر، مساء أمس الأول، إنهاء عقدين من تواجدها. وأكد المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، أن الحركة تريد علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة والعالم، ونرحب بعلاقات دبلوماسية جيدة معهم جميعا، وقبل المغادرة، دمرت القوات الأمريكية أكثر من 70 طائرة وعشرات المدرعات وعطلت الدفاعات الجوية التى أحبطت هجوما صاروخيا حاول تنظيم «داعش» تنفيذه عشية مغادرة القوات. وأكدت طالبان أن هزيمة الولاياتالمتحدة شكلت «درسا كبيرا للغزاة الآخرين ولجيلنا المستقبلى»، وقال «ذبيح الله» من مدرج مطار كابول: «إنه أيضا درس للعالم»، وأضاف: «نهنئ أفغانستان.. إنه نصر لنا للجميع، ونريد علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة والعالم، ونرحب بعلاقات دبلوماسية جيدة معهم جميعا». وجابت مركبات طالبان ذهابًا وإيابًا المدرج الوحيد لمطار حامد كرزاى الدولى، وسار مقاتلو طالبان المدججون بالسلاح عبر حظائر الطائرات فجرًا، ومروا ببعض 7 مروحيات من طراز (سى إتش-46)، والتى استخدمتها وزارة الخارجية الأمريكية فى عمليات الإجلاء قبل إفسادها. وسار قادة طالبان بعد ذلك عبر المدرج فى استعراض لانتصارهم، بينما كانوا محاطين بمقاتلين من كتيبة النخبة «بدرى- 313». ونقلت قناة الجزيرة الإخبارية عن قارى يوسف، المتحدث باسم طالبان، قوله: «غادر آخر جندى أمريكى مطار كابول ونالت بلادنا الاستقلال التام». وقال مسؤول من طالبان إن الحركة تريد من السكان اتباع نمط حياة إسلامى والتخلص من كافة المؤثرات الأجنبية، وأضاف: «ثقافتنا أصبحت مسممة، نرى التأثير الروسى والأمريكى فى كل مكان، حتى فى الطعام الذى نأكله، يجب أن يعى الناس ذلك وأن يُجروا التغييرات اللازمة، هذا سيستغرق وقتا لكنه سيحدث». وقال وزير الخارجية الأمريكية أنتونى بلينكن: تم إنجاز قوات بلاده انسحابها من أفغانستان، وإن الولاياتالمتحدة «ستعمل» مع حركة طالبان إذا «أوفت بتعهداتها». ولفت «بلينكن» إلى أنّ عددًا ضئيلًا من رعايا بلاده حوالى 100 أو200 شخص لا يزالون فى أفغانستان ويريدون المغادرة، وأضاف أن «كل خطوة سنتخذها لن تستند إلى ما تقوله حكومة طالبان وإنمّا إلى ما تفعله للوفاء بتعهّداتها»، مشددًا على أن ما تطلبه الحركة من المجتمع الدولى من اعتراف ودعم يجب أن «تكتسبه» عن جدارة واستحقاق، وأعلن أن الولاياتالمتحدة علّقت وجودها الدبلوماسى فى أفغانستان ونقلت عمليات سفارتها من كابول إلى العاصمة القطرية الدوحة، وذكرت السفارة الأمريكية فى كابول «أنها علقت عملياتها اعتبارا من أمس، وستواصل مساعدة المواطنين الأمريكيين وأسرهم فى أفغانستان من الدوحة». غادر آخر 6 آلاف جندى أمريكى كانوا يشرفون على عملية إجلاء أجانب وأفغان عملوا لصالح دول أجنبية مطار كابول ليل أمس الأول، مما أنهى فعليا حربا قوّضت مكانة الولاياتالمتحدة كقوة عظمى، وجاء الانسحاب الأمريكى قبل يوم واحد من موعد 31 أغسطس الذى حدده الرئيس الأمريكى جو بايدن لإنهاء أطول حرب خاضتها الولاياتالمتحدة فى التاريخ قتل خلالها أكثر من 2400 جندى أمريكى. وعقب إعلان البنتاجون انسحاب آخر جندى أمريكى من أفغانستان، قال الرئيس الأمريكى جو بايدن: «الآن أعلن انتهاء 20 عامًا من الوجود الأمريكى فى أفغانستان». وأضاف على «تويتر»: «الأيام ال17 الأخيرة شاهد العالم أكبر عملية إجلاء فى تاريخ أمريكا»، وأضاف أن العالم سيحمّل حركة طالبان مسؤولية تعهدها بتوفير ممر آمن لمن يريدون مغادرة أفغانستان. وتم إجلاء أكثر من 123 ألف شخص من كابول عبر جسر جوى بقيادة الولاياتالمتحدة أُقيم بعيد دخول طالبان إلى العاصمة فى 14 أغسطس الماضى. وقوبلت عملية الانسحاب الفوضوية من مطار كابول بانتقادات متواصلة فى واشنطن، وقال السيناتور الجمهورى ريك سكوت: «لا يمكننا خوض حروب لا تنتهى، لكن نطاق وعواقب فشل بايدن هنا مذهل». واعتبر عضو الكونجرس ريتشارك هودسون أن «الرئيس بايدن جلب عارًا كبيرًا للشعب الأمريكى». يرغب فى المغادرة آلاف الأفغان الآخرين الذين عملوا لصالح الحكومة الأفغانية السابقة التى كانت مدعومة من الغرب، إذ يخشون التعرض لانتقام من جانب طالبان. وأعربت الدول الغربية عن حزنها فى الأيام الأخيرة لعدم تمكن جميع الأفغان الذين أرادوا الفرار من الصعود على متن رحلات إجلاء. وقال وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس إن بلاده ستنتظر تشكيل طالبان حكومة جديدة لترى ما إذا كانت الحركة ستنفذ تعهدها بالسماح للمدنيين بمغادرة أفغانستان، وأضاف «ماس»، فى مؤتمر صحفى فى إسلام آباد مع نظيره الباكستانى شاه محمود قرشى: «طالبان وعدت، لكن فى الأيام والأسابيع المقبلة سنعرف ما إذا كان بإمكاننا أن نعول على ذلك»، وقال وزير الخارجية الباكستانى: «نتوقع تشكيل حكومة توافق فى أفغانستان فى الأيام القليلة المقبلة». وتبنى مجلس الأمن الدولى، مساء أمس الأول، قرارا يدعو طالبان إلى احترام «التزاماتها» من أجل خروج «آمن» لكل الذين يريدون مغادرة أفغانستان، وضمان مساعدة الأممالمتحدة ومنظمات أخرى فى إيصال المساعدات. ولا يشير القرار إلى «منطقة آمنة» أو محمية كان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أعلن أن باريس ولندن ستدعوان فى الأممالمتحدة إلى إنشائها فى كابول للسماح بمواصلة «العمليات الإنسانية». وفى الوقت الحالى، تتواصل المفاوضات حول الجهة التى ستدير مطار كابول فى المرحلة المقبلة. ودعت «طالبان»، «تركيا»، إلى التكفل بالأمور اللوجستية، فيما ستهتمّ الحركة بضبط الأمن، إلا أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لم يقبل العرض بعد، وليس واضحًا فى الوقت الحالى أى شركات طيران ستوافق على تسيير رحلات من وإلى كابول. وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكنزى: «أنا هنا لأعلن أننا أنجزنا انسحابنا من أفغانستان»، وأضاف: «آخر طائرة سى- 17 أقلعت من مطار كابول فى 30 أغسطس»، وأوضح أن آخر أمريكيين غادرا كابول هما «روس ويلسون» سفير الولاياتالمتحدة فى كابول، والجنرال «كريس دوناهو» القائد الميدانى للقوات الأمريكية فى أفغانستان. وأشار الجنرال «ماكنزى» إلى أنه «إذا كانت عمليات الإجلاء العسكرية انتهت، فإن المهمة الدبلوماسية الرامية للتحقق مما إذا كان هناك مزيد من المواطنين الأمريكيين أو الأفغان المؤهلين الراغبين فى الرحيل تتواصل». وأوضح أنه منذ 14 أغسطس الماضى وحتى منتصف ليل أمس الأول، أجلت طائرات الولايات المتّحدة وحلفائها أكثر من 123 ألف مدنى من مطار حامد كرزاى. وأقرّ «ماكنزى» بأنّ عدد الذين تمكّن من إجلائهم من كابول قبل إنجاز الانسحاب هو أقل مما كان يأمل، وقال: «لم نتمكّن من إجلاء كلّ من كنّا نريد إجلاءهم»، مشيرًا إلى أن عمليات الإجلاء انتهت قبل «حوالى 12 ساعة» من موعد مغادرة آخر عسكرى أمريكى أفغانستان، لكنّ القوات الأمريكية ظلّت «حتى اللحظة الأخيرة» فى مطار كابول جاهزة لإجلاء كل من استطاع الوصول إلى المطار.
