أسوان تستعد لإطلاق حملة «اعرف حقك» يونيو المقبل    القنوات الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في دوري المحترفين لكرة اليد    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    برلمانية تطالب بوقف تراخيص تشغيل شركات النقل الذكي لحين التزامها بالضوابط    العاهل الأردني يؤكد ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لتكثيف إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    يورو 2024 - رونالدو وبيبي على رأس قائمة البرتغال    مفاجأة مدوية.. راشفورد خارج يورو 2024    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    محكمة بورسعيد تقضي بالسجن 5 سنوات مع النفاذ على قاتل 3 شباب وسيدة    ضبط 4 أشخاص بحوزتهم 6 كيلو حشيش فى الدقهلية    زوجة المتهم ساعدته في ارتكاب الجريمة.. تفاصيل جديدة في فاجعة مقتل عروس المنيا    الإعدام لعامل رخام قطع سيدة 7 أجزاء بصاروخ لسرقتها فى الإسكندرية    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    النطق بالحكم على مدرس الفيزياء قاتل طالب الثانوية العامة بعد قليل    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    السيسي يستقبل مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية ويؤكد على دورها في نشر وتعميق المعرفة والعلم    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جهاد الدينارى تشارك فى المحور الفكرى "مبدعات تحت القصف" بمهرجان إيزيس    كيت بلانشيت.. أسترالية بقلب فلسطينى    محافظ الفيوم يترأس اجتماع اللجنة الاستشارية للسلامة والصحة المهنية    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    رئيس الوزراء يتابع عددًا من ملفات عمل الهيئة المصرية للشراء الموحد والتموين الطبي    «الرعاية الصحية» تدشن برنامجا تدريبيا بالمستشفيات حول الإصابات الجماعية    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    الجلسة التحضيرية الرابعة للمؤتمر العام للصحافة مع القيادات الصحفية، اليوم    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    أسعار طن الحديد فى مطروح وسيوة اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمرو المنير يكتب: الموازنة العامة للدولة والخيارات الصعبة
نشر في المصري اليوم يوم 13 - 06 - 2021

قبل نهاية يونيو من كل عام ينتهى مجلس النواب من إقرار مناقشة الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية التى تبدأ فى أول يوليو، فما هى الموازنة؟، وما أهميتها؟، ولماذا من المهم أن يلم بها المواطن المصرى؟.
الموازنة العامة هى صورة رقمية لما سوف تكون عليه المؤشرات المالية للدولة فى عام مالى مقبل، بما يعكس السياسات والتوجهات الاقتصادية للحكومة لسنة قادمة، معبَّرًا عنها بالأرقام الواردة فى تلك الموازنة.
الحكومة.. وأموال الناس
الحكومة مثل رب الأسرة فى أى بيت يكون منوطا به الإنفاق على من يتولى مسؤوليتهم طعاما وتعليما وصحة ومواصلات.. إلخ، وعليه أن يقوم بتسيير الأمور وفقًا للدخل المتاح وبأقصى تدبير ممكن للاستفادة من الموارد المتاحة، ويحتاج ذلك إلى اتخاذ قرارات بترشيد الإنفاق أو محاولة تعظيم الموارد بالحصول على دخل إضافى أو الاقتراض إذا تطلب الأمر.
هذا المشهد المصغر هو نفس ما تقوم به الحكومة من خلال وضع صورة متكاملة لموازنة الدولة، يتم فيها زيادة الإنفاق على بنود معينة وترشيد الإنفاق فى بنود أخرى لمحاولة عمل توازن نسبى مع جانب الإيرادات، وفى كل موازنات العالم تقريبا- بما فيها موازنة الولايات المتحدة الأمريكية- يزيد الإنفاق على الإيرادات، وهذا الفارق السلبى يسمى العجز الكلى، والذى يتم تغطيته بالاقتراض إما داخليا عن طريق إصدار سندات وأذون خزانة، أو خارجيا عن طريق القروض والسندات الدولية، هذا العجز هو الترجمة الحقيقية لنقص الموارد أمام احتياجات الإنفاق الضرورية.
الموازنة إذًا هى الملخص الرقمى الذى يمكّن المواطن من التعرف على أموال الحكومة المتوقع تحصيلها وكيف سيتم إنفاقها.
وأموال الحكومة التى تسمى المال العام، هى أموال جميع المواطنين، لأن إيرادات الحكومة تأتى من الناس من خلال الضرائب بأنواعها ومن الرسوم التى يدفعونها مقابل الحصول على الخدمات الحكومية، وكذلك تأتى من استغلال الموارد الطبيعية التى هى ملك الشعب، وحتى عند الحاجة إلى الاقتراض، فإن المواطنين هم الذين سيضطرون إلى سدادها فى نهاية المطاف. والمواطنون أيضا هم من يوكلون الدولة فى الإنفاق على مهامها فى الدفاع عن الوطن، وتحقيق العدالة، وإنشاء البنية التحتية، وتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية وغيرها.
لذلك على الحكومة أن تشرح المنطق وراء الخيارات التى تتخذها عند وضع الموازنة.
مؤشرات هامة
فى مشروع موازنة العام المالى الجديد 2021/2022 التزمت الحكومة- وفقا لما جاء فى البيان المالى لمشروع الموازنة- باستيفاء نسب الاستحقاق الدستورى للصحة والتعليم الجامعى وقبل الجامعى، حيث بلغت مخصصات الصحة فى مشروع الموازنة 275 مليار جنيه بزيادة 17 مليار جنيه عن العام المالى الحالى، كما تمت زيادة مخصصات التعليم قبل الجامعى ب 14 مليار جنيه لتصل إلى 256 مليار جنيه، بينما كان نصيب التعليم العالى والجامعى من الزيادة 10 مليارات جنيه لتصل إلى 132 مليار جنيه.
وهنا لى ملاحظة، عند الحديث عن الاستحقاقات الدستورية انتقد البعض إدراج أنواع من بنود المصروفات ضمن مخصصات الصحة والتعليم، ولكن إحقاقا للحق يجب الإشارة إلى أن قانون الضريبة على القيمة المضافة قد تضمن إعفاء مصروفات المدارس الخاصة والدولية وكذلك أتعاب المستشفيات الخاصة من الضريبة تخفيفا للأعباء على أولياء الأمور والمرضى. ولكن من الناحية المالية يجب- فى رأيى- أن يؤخذ فى الاعتبار عند احتساب الاستحقاقات الدستورية قيمة الإيرادات الضريبية التى كان يمكن تحصيلها فى حالة عدم إعفاء تلك المصروفات والأتعاب.
موازنة البرامج والأداء أم موازنة البنو؟
وإذا كانت الموازنة فى كل عام تحاول جاهدة أن تدبر أمر القطاعات المختلفة وتوفر لها الالتزامات المطلوبة، فإن نظام موازنة البرامج والأداء- والذى أقرته الحكومة بالفعل- يحقق هذا الأمر، إذ يعتمد هذا النظام ببساطة على منح الجهات الحكومية- من وزارات وهيئات- حصتها المالية السنوية من الموازنة بناء على برامج ومشروعات محددة مسبقا تشمل تكلفة البرنامج أو المشروع والمدى الزمنى للتنفيذ، على أن يتم محاسبة تلك الجهات فى ضوء نسبة ما تحقق فعليا من تلك المشروعات.
وهو ما يعنى الخروج من فكرة موازنة البنود بمساوئها، وأهمها ما يسمى «حرق الموازنة» والذى يتم نتيجة خوف كل وزارة من تخفيض حصتها من الموازنة اللاحقة إذا لم تستخدم حصتها من الموازنة بالكامل.
ولكن رغم إقرار العمل بنظام موازنة البرامج والأداء فإن موازنة البنود مازالت هى المسيطرة على الموقف.
أهداف مشروع الموازنة
وإذا عدنا لمشروع الموازنة العامة للدولة نجد أنه استهدف- وفقا للبيان المالى الصادر من وزارة المالية- عدة أمور أساسية أهمها:
- الاستمرار فى جهود الحفاظ على استدامة الانضباط المالى والمديونية الحكومية والاستقرار المالى فى ظل تداعيات جائحة كورونا، وكذلك مساندة وتحفيز النشاط الاقتصادى دون الإخلال باستدامة مؤشرات الموازنة والدين، لذا تستهدف الموازنة معدل نمو اقتصادى 5.4٪ وخفض العجز الكلى إلى 6.7٪ من الناتج المحلى الإجمالى.
- الاستمرار فى دعم ومساندة القطاعات الإنتاجية خاصة الأنشطة الصناعية، ودفع جهود الحماية الاجتماعية ومساندة الفئات الأكثر تأثرا بجائحة كورونا، بالتزامن مع استمرار جهود تحسين جودة البنية التحتية والتأكد من استفادة أوسع شريحة من المجتمع من تحسن الخدمات وجودة المرافق.
- العمل على توسيع القاعدة الضريبية وزيادة نسبة الإيرادات من خلال ضم الاقتصاد غير الرسمى، والإسراع فى إجراءات الميكنة الشاملة، والمضى قدما فى إعادة هيكلة أصول الدولة بشكل يضمن التحسن التدريجى فى إدارة تلك الأصول.
وهنا يأتى السؤال المهم.. من أين تأتى الإيرادات؟.
هذا السؤال إجابته معروفة للجميع إذ تمثل إيرادات الضرائب- مثل كل دول العالم تقريبا- عصب الموازنة وركيزة الموارد لأنها تمثل 75٪ من الإيرادات الحكومية، ووفقا للأرقام الواردة فى مشروع الموازنة الجديدة تبلغ الحصيلة الضريبية المتوقعة 983 مليار جنيه، تمثل نسبة 13.8٪ من الناتج المحلى.
ووفق البيان المالى فمن المتوقع أن تزيد الحصيلة الضريبية والجمركية فى العام المالى الجديد نتيجة العمل على توسيع القاعدة الضريبية، والإصلاح المؤسسى للمنظومة الضريبية، والتوسع فى ميكنة الإجراءات الضريبية.
وهنا يجب أن نحيى وزارة المالية على جهودها فى العمل على رفع كفاءة الإدارة الضريبية، والتوسع فى ميكنة الإقرارات الضريبية والتحصيل الإلكترونى وبدء العمل بالفاتورة الإلكترونية.
ولكن لدينا بعض الملاحظات والتساؤلات:
أولا: ارتأت وزارة المالية- عند تقديمها لموازنة العام المالى 2020 / 2021- وفق ما جاء فى البيان المالى أن تبقى على تقديرات الموازنة كما هى دون تغيير رغم ظروف الجائحة لحين وضوح الرؤية، ثم القيام بإجراء التعديلات المطلوبة بالتنسيق مع مجلس النواب.
وبناء عليه أبقت الوزارة على تقديراتها للحصيلة الضريبية والجمركية للعام المالى 2020 / 2021 عند مبلغ 983 مليار جنيه، وبمقارنة تلك التقديرات بالحصيلة الضريبية المحققة فعليا فى العام المالى السابق 2019 / 2020 والبالغة 739 مليار جنيه، أى بزيادة قدرها 244 مليار جنيه عن العام السابق وبمعدل نمو 33%، فإن الأمر بالتأكيد يحتاج إلى معجزة لكى تتحقق تلك الزيادة فى ضوء الظروف الاقتصادية الاستثنائية الناتجة عن تفشى جائحة كورونا، وما صاحبها من تأثير سلبى على نشاط العديد من القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، وما تكبده الأفراد والشركات من خسائر هائلة نتيجة لذلك، وهو ما أسفر عن انخفاض الحصيلة الضريبية للعام المالى الحالى الذى ينتهى فى 30 يونيو 2021، والتى أتوقع فى ضوء المؤشرات الحالية أن تدور حول 800 مليار جنيه أو أكثر قليلا بانخفاض يزيد على 180 مليار جنيه، أى انخفاض فى حدود 18% عن تقديرات الموازنة وهى نسبة هائلة كانت تستحق إجراء تعديل فورى فى حينه بالتنسيق مع مجلس النواب.
ثانيا: لا تقاس كفاءة وفاعلية النظام الضريبى بالقيم الرقمية المطلقة للحصيلة الضريبية، وإنما تقاس- طبقا للمعايير الدولية- بنسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلى الإجمالى، وما يثير التساؤل هنا أن البيان المالى يتحدث عن توقعات بزيادة تلك النسبة فى العام المالى القادم، رغم أن النسب الفعلية المحققة خلال الثلاث سنوات السابقة لا توحى بتحقق تلك التوقعات، فخلال تلك السنوات كانت النسبة تنخفض باطراد، فبعد أن وصلت خلال عامى 2016 / 2017 و2017 / 2018 إلى 13.3% و14.2% على التوالى، عادت لتنخفض إلى 13.8% عام 2018 / 2019 ثم إلى 12.7% عام 2019 / 2020، ومن المتوقع أن تبقى على نفس المستوى وربما أقل بنهاية عام 2020 / 2021. فعلى أى أساس- وفى ظل العوامل الإقتصادية السلبية الحالية- تتوقع الحكومة أن تزيد تلك النسبة فى تقديرات الموازنة للعام المالى القادم؟.
ثالثا: جرى العمل على أن تقوم وزارة المالية- بمجرد انتهاء موسم الإقرارات الضريبية فى نهاية إبريل- بإعلان عدد من تقدموا بالإقرارات وأرقام الحصيلة الضريبية ككشف حساب لنتائج موسم الإقرارات، ورغم أن موسم الإقرارات الضريبية كان هذا العام- لأول مرة- إلكترونيا بالكامل وبالتالى من المفترض رصد الأرقام بمجرد ضغطة زر، فإننا نتساءل عن سبب امتناع الوزارة- حتى الآن- عن إعلان المعلومات الخاصة بالإقرارات الضريبية هذا العام، واكتفاء مصلحة الضرائب المصرية بإصدار بيان تهنئة بنجاح موسم الإقرارات الضريبية.
عوامل نجاح السياسة الضريبية
ولأن الضرائب هى القاعدة التى تستند عليها الموازنة فى تدبير كافة احتياجاتها، فسوف أستطرد قليلا فى الحديث عنها.
وفقًا للتقارير الدولية، يمكن لمصر زيادة نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلى الإجمالى، بما يتراوح بين %3.5 إلى 4.5٪ من ذلك الناتج بشرط تنفيذ الإصلاحات المطلوبة على مستوى السياسة الضريبية والتشريعات المرتبطة بها وتطوير الإدارة الضريبية.
وفى هذا الصدد أرى أن نجاح النظام الضريبى فى تحقيق الأهداف المرجوة يتطلب الآتى:
1. وجود سياسة ضريبية مستقرة محددة الأهداف وواضحة المعالم هو الأساس فى نجاح أى منظومة ضريبية، ولا تقل السياسة الضريبية أهمية عن السياسة النقدية، لذلك لا بد من وجود كيان مؤسسى فاعل بشأن السياسة الضريبية يسمى «مجلس السياسات الضريبية» يضم مجموعة من الخبراء المتخصصين فى الضرائب والاقتصاد والقانون والسياسات العامة والاتصال السياسى، ويلعب هذا المجلس دورًا مهمًا فى وضع السياسات الضريبية اللازمة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة.. فضلا عن اقتراح التشريعات اللازمة لضمان تنفيذ السياسات الضريبية والجمركية المعتمدة ووضع خطط عمل للجهات المعنية بالإيرادات لتحقيق تلك السياسات، بالإضافة إلى التواصل مع الرأى العام والمستثمرين لشرح أهداف السياسة الضريبية للدولة ووسائل تحقيقها.
2. يظل التشريع الضريبى من أهم محددات نجاح السياسة الضريبية، ويحتاج هذا العنصر إلى عدد من الإجراءات أهمها ضرورة صياغة قانون جديد لضريبة الدخل يتوافق مع الممارسات الضريبية العالمية، فالقانون الحالى الذى صدر عام 2005 أجرى عليه عدد هائل من التعديلات، كما أنه لم يعد يتواكب مع التطورات الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة والمتسارعة. ويجب أن يتضمن القانون- ضمن أمور كثيرة- تحديدا المعاملة الضريبية للأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة والتى تم تأجيل تطبيقها حتى نهاية العام الحالى، وكذلك وضع قواعد مكافحة التهرب الضريبى الدولى وأهمها قواعد الشركات الأجنبية التابعة (CFC rules) والعديد من الأمور التى تحتاج إلى مقال تفصيلى آخر.
3. إجراء تقييم لتكلفة وعوائد الحوافز الضريبية الواردة بقانون الاستثمار بعد مرور أربع سنوات على تطبيقها، وكذلك أنظمة المناطق الحرة العامة والخاصة وذلك لتحديد مدى جدوى الإبقاء على تلك الحوافز أو تعديلها أو إلغائها.
4. إعادة النظر فى قانون الإجراءات الضريبية الموحد الذى ركز على فرض العقوبات بدلا من تحقيق الهدف الأساسى للقانون، والمتمثل فى تبسيط الإجراءات لدافعى الضرائب وجذب الاقتصاد غير الرسمى للعمل تحت المظلة الرسمية.
5. استمرار التحول من الاقتصاد النقدى إلى الاقتصاد غير النقدى ونشر ثقافة استخدام بطاقات الائتمان والمعاملات الإلكترونية.
6. تعديل القوانين بما يتيح للإدارة الضريبية الحصول على المعلومات المصرفية لأغراض مكافحة التهرب الضريبى وتبادل المعلومات مع الإدارات الضريبية فى الدول الأخرى، وبما يسمح لمصر بالتوقيع على اتفاقيات جديدة لمنع الازدواج الضريبى وكذلك «الاتفاقية الدولية متعددة الأطراف بشأن المساعدة الإدارية المتبادلة فى المسائل الضريبية (MAC)».
7. البدء فى وضع قواعد بيانات لأنشطة الاقتصاد الرقمى فى مصر تمهيدا لتحديد قواعد اخضاع أنشطة الاقتصاد الرقمى للضريبة.
8. دمج مصالح الضرائب وتحويلها إلى هيئة مستقلة متطورة تعمل بآليات القطاع الخاص، واتخاذ الخطوات اللازمة لتطوير وتحفيز العنصر البشرى بالإدارات الضريبية المختلفة ماديا وعلميا وتكنولوجيا، بما يضمن رفع كفاءة الإدارة الضريبية وخفض تكاليف تحصيل الضرائب. أخذا فى الاعتبار أن التطوير التكنولوجى يجب ألا يعتمد فقط على مجرد توفير أجهزة وبرامج وتطبيقات إلكترونية، بل يجب أن يقوم أولا على تغيير ثقافة العاملين فى الإدارة الضريبية وتوعية المتعاملين معها، والأهم أن يتم إجراء تقييم دورى لمدى فاعلية وكفاءة الأداء، فيما يتعلق بهذا التحول التكنولوجى.
من هذا العرض يتضح أن الموازنة العامة الجديدة للدولة أمامها خيارات صعبة، بين توفير الموارد اللازمة لتحقيق الاستحقاقات الدستورية وزيادة معدلات النمو وخفض معدلات الدين والعجز الكلى، وربما لو لم تكن هناك الظروف الاستثنائية التى فرضتها جائحة كورونا على العالم كله لكان الأمر أكثر يسرًا ولكن لا تأتى الرياح دائما بما تشتهى السفن.
نائب وزير المالية السابق
وخبير الضرائب الدولية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.