من سابع سما لسابع أرض

ماذا لو وجدت أحد معارفك أو أهل بيتك قد أصبح ثرثارًا لدرجة مزعجة، تندفع منه الكلمات بسرعة كطلقات الرصاص، مع مزاج عالٍ جدًا، وأفكار متناثرة، ونوم قليل، وحركة زائدة دون ملل، وقد يرتكب أفعالًا غريبة، منها السفه فى توزيع ما معه من مال، ويصبح فنجريًا يعزم كل من يعرفهم على وليمة كبيرة، ويكون قليل التركيز ومشتت الانتباه، تكون ذاته متورمة، وأوداجه منتفخة، وقد يركب فسبة نصف عار من أعلى، ويسير بسرعة فائقة يذيع أغانى مهرجانات بصوتٍ عال جدًا، ويتصرف بجنون العظمة، ويظن أنه قائد أو مبعوث إلهى فى مهمة محددة؟!.. إنها حالة الهوس وما تحته من اضطراب الوجدان ثنائى القطب، وهو مرض عقلى يمكن علاجه والتخلص من أعراضه، ويرتبط أحيانًا بالمواسم والفصول، غالبًا فى الخريف والربيع، ويأتى على شكل نوبات، منها حالات الاكتئاب الشديد والجسيم، حيث ينزوى المريض وينكفئ على نفسه ويفكر فى الانتحار، إنها مرحلة الاكتئاب، كما أن هناك الحالة المختلطة، حيث يضحك المريض ويبكى فى آنٍ واحد، غالبًا ما يبدأ فى منتصف العشرينيات، ولكنه يحدث للأطفال وكبار السن أحيانًا، وقد يسيطر الهوس والهيصة على النوبات، وقد يسيطر عليها الاكتئاب، وقد يأتى من مرتين إلى أكثر فى السنة، ومنه الحالات سريعة الدوران.. أى الانتقال من حالة لحالة بسرعة. إنه اضطراب مرهق يصيب المبدعين والمفكرين والممثلين، ولابد من دقة التشخيص وإدخال المريض المستشفى فى الحالات القصوى، أو علاجه منزليًا بالحقن ومثبتات المزاج والملاحظة.
وبحسب «مايو كلينيك»، فأنواعه ثنائى القطب: من النوع الأول أى أن تصاب بنوبة هوس واحدة على الأقل، قد تسبقها أو تليها نوبات هوس خفيف أو نوبات اكتئاب جسيم. أما النوع الثانى فالإصابة تكون بنوبة اكتئاب جسيم واحدة على الأقل، ونوبة هوس خفيف واحدة على الأقل، ولكن لا إصابة مُطلقًا بنوبة هوس شديدة واضطراب دوروية المزاج، أى نوبات عديدة من الهوس الخفيف على مدار عامين على الأقل - أو عام واحد عند الأطفال والمراهقين - أو نوبات من أعراض الاكتئاب.
يؤثر الاضطراب على حياة المريض ويربكها ويزعجها، فيصيبه الإرهاق الشديد والإحساس الداخلى بالخواء وبالذنب المضخم دونما سبب.
لا سبب وحيدا يعرفه الأطباء والباحثون والعلماء للاضطراب، لكن العوامل الوراثية تلعب دورًا كبيرًا، وقد تنتقل من جيل إلى جيل، قد يثيره تعاطى المخدرات، والبيئة المعادية للصحة النفسية، والضغط الاجتماعى، وتكون هناك اضطرابات شديدة فى كيمياء المخ العصبية، خاصةً الدوبامين والسيروتونين.
العلاج يكون بملح الليثيوم والمُعقِّلات، والحقن المضادة للذهان طويلة الأمد، كعامل وقائى مهم. إذا بدأت النوبة فلابد أن تأخذ وقتها ثم تنتهى، حتى لو خضعت للعلاج المكثف.
العلاج النفسى السلوكى المعرفى مع الإرشاد النفسى والتدعيمى مُهمّان، وتثقيف من يعيشون مع المرض وتوعيتهم حول ماهية الاضطراب وكيفية التعامل مع المريض وأعراضه.
والآن.. هل يمكن علاج اضطراب الوجدان ثنائى القطب؟، نعم.. ليس بالتخلص من الأعراض فقط، ولكن بالصبر وتوجيه المريض وأهله إلى كيفية التعامل مع الحياة، والاعتماد على ما ينصح به الطبيب المُعالج، بالذى - بالطبع - سيعالج بالعقاقير ذات التأثير النفسانى المنظِّم للمزاج والتفكير والإدراك، وتأهيله للعمل فى مجاله، ولنعلم أن الموضوع يستمر كثيرًا، واحتمال عودة النوبات وارد.
إن هناك حالات تستمر دون أعراض، أو بأعراض خفيفة، ويعملون ويتزوجون، ومن المهم الحرص على ألا ينزلق المريض إلى هاوية الاكتئاب، أو يدخل فى حالات الهوس بمضادات الاكتئاب التى يجب أن تُعطى بحذر وحرص وحساسية كميزان الذهب، ومعاودة العيادة النفسية والانشغال بما هو مفيد مع الترويح والترفيه.
kmfadel@gmail.com