أحب المصريين.. صبرهم وصلابتهم وعنادهم وعشقهم للحياة مهما كانت المعاناة والمواجع.. ملامحهم الخادعة التى توحى بالوداعة والاستسلام وتنقلب فجأة إلى غضب يكتسح كل ما أمامه من أسوار وحواجز.. ضحكاتهم التى ينتصرون بها طوال الوقت على جروحهم ودموعهم، ويختصرون فيها شكاواهم واحتجاجاتهم.. وقد رأيت كل ذلك من جديد صباح أمس وهم يقفون فى طوابيرهم الطويلة بمنتهى الإصرار لا يمارسون حق الانتخاب قدر ممارستهم الحرية والحب والحياة.. رأيت المصريين من جديد يقولون للجميع إنهم أبدا لا يساقون بالعصا أو الرصاص.. ففى أول انتخابات برلمانية بعد يناير.. ولأنهم كانوا يريدون هذه الانتخابات وهذا الحق.. وقفوا فى هدوء واحترام دون حاجة لأى صدام مع أمن أو عسكر.. وحين قررت إدارة الأهلى أن تستعين بأعضاء ألتراس الأهلى وليس الأمن فى مباراة ودية أمس الأول أمام الطيران.. وقف الشباب يحمون المباراة والنظام والهدوء والأمان فى تجربة مهداة إلى اتحاد الكرة ووزارة الداخلية.. أما الحكاية الأهم فكانت حكاية الحكومة مع عموم الناس بشأن الرياضة.. حكاية يختصرها ائتلاف الرياضيين الذى تحول من التظاهر إلى الحوار.. فالحكومة السابقة كانت مثل باقى حكومات مصر منذ نوبار باشا.. لا تلتفت أبدا للرياضة أو تتعامل معها بأى اهتمام أو احترام.. وكان من الممكن أن يحترم الناس ذلك حتى وإن لم يقتنعوا به أو يقبلوه.. لكن الناس كانت تفاجأ بكل هذه الحكومات غير المبالية بالرياضة.. تلجأ للرياضة أحيانا حسب مصالحها الخاصة سواء كانت دعاية أو تجميلاً أو غزلاً زائفاً للناس أو للتقرب والتودد لمن هم أكبر وأقوى من أى حكومة.. وبعد يناير لم يعد الناس فى مصر يقبلون أمورا كثيرة أو ينوون السكوت عنها.. ومن بينها عدم الاهتمام الحكومى والرسمى بالرياضة.. فكانت مظاهرات الغضب ووقفات الاحتجاج التى حاصرت المجلس القومى للرياضة كل يوم.. وانتهت بمظاهرة نظمها ائتلاف الرياضيين منذ عشرة أيام سارت من أمام اللجنة الأوليمبية المصرية حتى مقر المجلس العسكرى للمطالبة بالكف عن هذا الإهمال الرسمى للرياضة، وتعيين رئيس جديد للمجلس القومى للرياضة.. وأعقبتها مظاهر كثيرة صاخبة لاحتجاجات وشكاوى رياضية لا أول لها ولا آخر.. وحين تم تكليف الدكتور كمال الجنزورى بتشكيل حكومة جديدة.. قرر الرجل وسط شواغله الكثيرة أن يعقد اجتماعا مع قادة هذا الائتلاف الرياضى.. إيهاب الإبيارى ومحمد عباس وعمرو هاشم وشيماء أبوعبلة.. وفوجئ الرجل بأن الجالسين أمامه ليسوا مجرد شباب غاضب لا يجيد إلا الشكوى والصراخ.. فوجئ بهم يطرحون عليه فكرا حقيقيا وعميقا ورصينا.. يقدمون رؤاهم لواقع الرياضة وأزماتها وهمومها وقيودها فى مصر.. وفى الوقت نفسه يقدمون حلولا وخططا للمستقبل وأحلاما جميلة قابلة للتحقيق.. وأمام كل هذا.. أدرك الجنزورى أن للرياضيين فى مصر مطالب ليست عبثية.. وقال إنه لم يكن مقتنعا بهذا الفصل بين الرياضة والشباب الذى جرى مع بداية حكومة الدكتور أحمد نظيف.. ووعد الجنزورى بوزارة للرياضة فى حكومته الجديدة، وأنه لا يرى تلك الوزارة فى هذا الوقت ترفا يمكن الاستغناء عنه.. وهو بالتأكيد أمر رائع أن ينجح ائتلاف الرياضيين فى إقناع الدولة وحكومتها بأهمية الرياضة ومكانتها ووجود وزارة لها.. وأن يستجيب لهم رئيس جديد للحكومة احتراما واقتناعا.. وإذا كان «الجنزورى» قد وعد بدراسة عاجلة لدمج المجلسين القوميين من جديد فى وزارة واحدة للرياضة والشباب.. فأنا أطالبه قبل هذه الدراسة بوضع تصور أساسى لما تريده الحكومة من الرياضة، وما هى الحدود والضوابط اللازمة لتحرير الرياضة من أسر الحكومة.. أتمنى أن يقتنع «الجنزورى» بأن حكومات العالم لم تعد تلعب وتشارك فى بطولات أو تفوز بميداليات.. فهذه مهام اللجان الأوليمبية واتحاداتها.. أما الحكومات فلها أدوار وواجبات أخرى.. ووزير الرياضة الجديد فى حكومة «الجنزورى» لابد أن يكون رجلا لا علاقة له بمنتخب الكرة وأنديتها ولا باستقبال السيد المشير أو رئيس جديد للجمهورية لأى لاعب أو فريق مصرى فائز بأى بطولة. [email protected]