تتضمن المجموعة القصصية «محطات للغياب» الصادرة مؤخرا للقاص والروائى محمود عرفات، العديد من التقنيات الفنية التى تعيد لفن القصة القصيرة الاعتبار ومنها الاختزال والمونتاج والقطع والنهايات المفتوحة، فضلا عن التعامل مع الوصف باعتباره نوعا من الحدث أو الدرما وكذلك اعتبار الدراما كتلة وصفية ذات طابع شعورى أكثر منه حدثى وهو ما يتضح فى العديد من القصص التى تضمنتها المجموعة منها قصة إصبع ضائعة وزيارة والوصية وغيرها من القصص التى تحتوى على تقنيات متعددة تشير إلى ثراء السرد وإلى تألق الوعى بالمشاعر وكيفية العمل على الحكى باعتباره مسألة لها موازناتها النفسية والروحية قبل أن تكون وسيلة أدبية لتوصيل المشاعر أو الأفكار. ويتضمن عالمه القصصى العديد من الأماكن المتباينة بين القرية والمدينة، بين الحارة الشعبية والمصلحة الحكومية، بين عالم المهمشين والمطحونين من جهة وعالم الميسورين والمثقفين من جهة أخرى، وإن كان الطابع المأساوى هو الغالب على عالم الكاتب إلا أنه لا يسيطر عليه ليصبح عالما وحيدا نمطيا بل هناك عوالم أخرى متمثلة فى استدعاء التراث أو النوستالجيا الحية واستعادة المهن القديمة ومأساة هذا الرجل الذى تمسك بمهنته المنقرضة «مكوجى رجل»، وهناك أيضا قصة تشير إلى قضية اجتماعية فى غاية الخطورة وهى التحرش ومحاولة مدير إحدى المصالح التحرش بالموظفات لديه فى قصة «خط سير»، وهناك أيضا القصة ذات الطابع الاجتماعى النقدى الحاد للفساد والمفسدين وإن كانت لا تخلو من فانتازيا فى جوها العام إلا أنها مفعمة بالواقعية فى قصة «قبل المداولة». كما تتوالى الوقائع الغرائبية أو الاستعادية والتى تقترب من درجة الهلاوس فى قصة زيارة وهى مزيج بين الواقعية والواقعية السحرية بكل ما تحمله من مضامين ورؤى ومشاعر متناقضة بين الأب وابنه وهاجس زيارة الأسلاف. أما الوصية وهى ختام المجموعة فلا تخلو من طرافة لها طابع مأساوى فهو يطلب أن تتم قراءة القرآن فى الأيام الثلاثة الأولى لوفاته ثم فى اليوم الرابع يريد أن يتم تشغيل أغانى عبدالوهاب. الحوار البسيط والمشاعر المتضاربة بين الزوج وزوجته والذى ينتهى بابتسامة واحتواء، كلها تشير إلى حقيقة وجدية القصة وإن كانت لا تخلو من طرافة ذات طابع مأساوى. الكاتب الكبير محمود عرفات له العديد من الأعمال السابقة منها روايات «مقام الصبا» رواية، 2002 م. و«على شاطئ الجبل»، قصص، و«مشمش الرابع عشر» رواية، و«المريدون» قصص، 2009 م، و«الخسوف» قصص، 2013 م، و«سرابيوم» رواية، 2015 م. وقد حصل على جائزة من نادى القصة فى ثلاث سنوات متتالية: 2002،2003،2004 عن قصص: على شاطئ الجبل، قرطاس الملح، ذراع أخرى، والتى تضمها المجموعة الفائزة بجائزة الدولة. * وحصل على جائزة أحسن رواية عام 2018 من اتحاد الكتاب، عن رواية «سرابيوم».
