احذروا قراءة عباس الطرابيلى فى رمضان!

الكاتب الصحفى عباس الطرابيلى هو صاحب قلم عذب، وأسلوب رشيق، وأحرص على متابعة عموده «لكل المصريين»، فى «المصرى اليوم». ولأنه من محافظة دمياط، المجاورة لمحافظتى، الدقهلية، فإننى أجد الكثير من قصصه ونوادره مصدر مُتعة كبيرة.
وكما يذهب المثل الشائع عن المهارة التى تجعل من صاحبها يغزل بأى شىء، حتى لو كان ساق حمار، ويجعل من أى شىء مهما كان قبيحاً موضع استحسان، كأن يعمل من الفسيخ شديد الملوحة شراباً شديد الحلاوة (يعمل من الفسيخ شربات).
ويتفنن عباس الطرابيلى فى وصف الأطعمة الساحلية، عموماً، والدمياطية خصوصاً. ومن ذلك مثلاً فى عموده فى 1 /5 /2020 عن الطبيخ، مملحاً، ومخللاً... ومقلياً. ونتعلم منه أن هناك عِدة أنواع من الطبيخ، وليس فقط النوع الأحمر، سكرى المذاق. فهناك بطيخ ذو ألوان أخرى، ومذاقات مختلفة. وفى ذلك برع أبناء دمياط، التى تصلح أراضيها لزراعة البطيخ، فى زراعة كل أنواعه، وفى أكل كل محتوياته، بما فى ذلك بذوره وقشوره، سواء كان بطيخاً أحمر، أو أصفر، أو أخضر، أو برتقالى. وهناك البطيخ المنجاوى، أى الذى يُشبه ثمرة المانجو، المحببة لكل المصريين.
ويُخبرنا عباس الطرابيلى أنه فى مرحلة الطفولة والصبا كان هو ورفاقه يلهثون على شواطئ دمياط والمحافظات الساحلية المجاورة شرقاً، وهى وبورسعيد، وغرباً وهى كفر الشيخ، بحثاً وسعياً للبطيخ المنجاوى ذلك، والذى يقترب من حجم ومذاق المانجو. والجديد أن ذلك النوع من البطيخ يُجيد أهل دمياط التفنن فى الاستفادة بكل ما فيه، من لبّه أو قشره.
ومما تعلمته من عباس الطرابيلى، لأول مرة، هو أن أهل بلدته كانوا، ومازالوا يُخللون قشر البطيخ، أسوة بالجزر والزيتون والبصل. ويؤكل كل أنواع البطيخ مملحاً مع الجبن الأبيض، وبخاصة فى فصل الصيف. كما أنه يمكن قلى القشر بعد غمسه فى الدقيق أو الرَّدَّة، ثم إضافة كل البهارات عليه وأكله ساخناً مع الخُبز البلدى.
وكالعادة، لا يفوت عباس الطربيلى أن يُضيف لنا معلومة طبية هنا، أو معلومة تاريخية أو جغرافية هناك. من ذلك أننا نتعلم أن أصل البطيخ هو إفريقيا. وربما انتقل مع الأفارقة الذين أخذهم تُجار العبيد الأوروبيون إلى الأمريكيين، ومنها انتشر البطيخ فى بقية قارات العالم.
كما نبّهنا الطرابيلى إلى أن بعض أصحاب الذمم الخربة لا يتورعون عن تقديمه مقلياً ضمن قليل من الأسماك المقلية فى الموالد، مثل مولد السيد البدوى فى طنطا، أو إبراهيم الدسوقى فى كفر الشيخ. ويسهل ذلك الغش التجارى بسبب الازدحام، والجوع، والأجواء الاحتفالية. وانتقل نفس الغش التجارى فى تسويق قشر البطيخ مقلياً ضمن الأسماك المقلية إلى موالد الصعيد، وبخاصة مولد سيدنا القناوى.
ويُضيف عباس الطرابيلى، لزوم الشىء، أنواع الجبن التى يحلو تناولها مع كل أنواع البطيخ، فمنها البراميلى والاستانبولى، من ألبان البقر والجاموس، ومنها الجبن الضانى، وهو من ألبان الماعز والخراف.
كما لا ينسى الطرابيلى إضافة بُلدان بعينها اشتهرت بزراعة كل أنواع البطيخ، حتى سُميت باسمه، ومنها تحديداً قرية كفر البطيخ.
كما لا ينسى الكاتب الأكول أن يُضيف أن قشر البطيخ الذى يفيض أو يبقى من الاستخدام الآدمى يتم خرطه وتقديمه مع بقايا أطعمة أخرى إلى البط والأوز. أى أن البطيخ هو نبات متعدد الوظائف. وعند فلاحى وفلاحات محافظات الدلتا الشمالية - دمياط وكفر الشيخ والبحيرة - يتم استهلاكه وتدويره وإعادة استخدامه بطُرق مُثلى.
وما فعله عباس الطرابيلى مع البطيخ، يفعله وأكثر مع الأسماك وأخواتها من كائنات بحرية أخرى، مثل الجمبرى والاستاكوزا وأم الخلول والكابوريا، فضلاً عن أنواعه من القشر، إلى البلطى، إلى البورى والأراميط. والطُرق المُثلى لطهى كل نوع. ويجعلك عباس الطرابيلى وأنت تُطالع إبداعاته الشهية، تُسيل لُعابك، وتتحرك أمعاؤك، ولذلك فالنصيحة أن تتحاشى قراءة عموده وأنت صائم فى رمضان.
وكل عام وأنتم جميعاً طيبون.
وعلى الله قصد السبيل..
semibrahim@gmail.com