بقلم د. ياسر الدرشابي خمسة أشهر تكاد أن تنقضي و مازال الإنفلات الأمني قابع علي قلوبنا يُروع أطفالنا و نساءنا و يهدد أمننا و إستقرارنا، خمسة أشهر و مازالت أعمال الفوضي و البلطجة تروع الأمنين و الأبرياء في كل محافظات الوطن. خمسة أشهر و لا نري إنحصاراً للأزمة و لا نري أحداً يُحرك ساكنا وسط صرخات الناس و إستنجادهم بالشرفاء من رجال الجهاز الأمني و الجيش. هل هذا هو ما هددنا به مبارك عندما قالها علانية ليستفز بها مشاعر الملايين " إما أنا أو الفوضي " ؟؟؟ لم يعد هناك أي مبرر لغياب الشرطة و تقاعص رجالها عن أداء واجبهم تجاه الشعب و الوطن. و لم تعد الأسباب التي يتعلل بها وزير الداخلية من الإنهيار النفسي تارة و نقص الأعداد تارة أخري تُجدي نفعاً. و لم يعد بإستطاعة أحد أن يَصبر أكثر من ذلك علي أمل أن يعود الأمن للوطن في القريب العاجل. لم تنفجر قنبلة نووية في جهاز الشرطة و لم يقتل الشعب من رجاله الألاف و لا حتي المئات، بل إن كل ما حدث هو سقوط النظام الذي كان راعياً لفساد هذا الجهاز و الذي أخرج البلطجية الذين يعرفهم عن ظهر قلب من جحورهم لمقاومة صيحات الحرية أثناء الثورة المجيدة. نعم هذا هو كل ما حدث.. لا أكثر و لا أقل... ألم يكن سلاح البلطجية هو الأداة التي يستخدمها جهاز الشرطة لقمع الشعب و تنفيذ أوامر النظام الذي سقط؟ و لهذا فقبل أن نطلب من رجال الشرطة العودة لحمايتنا يجب علينا أن نعرف أولاً إذا كانوا فعلاً يرغبون في حمايتنا و ليس في ترويعنا لينفذوا ما هدد به مبارك شعبه من فوضي إذا تم خلعه. و دعونا لا ننسي أن إقالة و محاسبة العادلي كانتا من أول مطالب الثورة، فكيف إذاً نطلب من رجال الشرطة الأن حماية الشعب الذي ثار ليتخلص من قمعهم و ظلمهم و أستبدادهم؟ كيف نطلب من القاتل حماية أهل ضحيته؟ و هكذا فإن فشل وزير الداخلية المحترم ليس في قدرته علي إستعادة الأمن فحسب بل في التغلب علي العناصر الفاسدة في وزارته، هذه العناصر التي تحاول تنفيذ تهديد مبارك للشعب كما تحاول خلق حالة التدهور الأمني علي أمل أن تعود لسلطتها و ظغيانها فلا يستطيع أحد أن يعترض بعد ذلك. أعتقد أن غالبية الشعب قد فقدت بالفعل الثقة في أن رجال الشرطة هم الذين سَيخرجون البلد من حالة الفوضي و الإنفلات الأمني و لذلك تتطلع الأنظار لرجال الجيش البواسل الذين لم تختلط أعمالهم أو ترتبط مصالحهم يوماً بالبلطجية و المجرمين. أن من مهام جيشنا العظيم حماية الشعب و الوطن و هو ما نطلبه الأن بكل قوة و إصرار. إن الجيش هو فقط القادر في هذه المرحلة علي إستعادة الأمن و تهدئة الأوضاع و إخراجنا من عنق الزجاجة. لماذا لا يتولي أحد رجال القوات المسلحة جهاز الشرطة فيُطهره و يُقومه؟ و لماذا لا يستعان باللجان الشعبية لمساعدة رجال الأمن حتي نعبر هذه المرحلة الدقيقة؟ إن تحرك المجلس الأعلي في هذا الصدد هو ما ننتظره منه وفاءاً بالعهد الطاهر الذي قطعه علي نفسه بحماية الشعب و ثورته. لا تستوي الدعوات التي تطالب الشعب بالعمل و تنادي بالإستقرار مع غياب الأمن الذي يكفل هذا الإستقرار و يُشجع الناس علي العمل. و لن تعود ثقة الشعب في جهاز الشرطة قبل محاسبة القتلة و الفاسدين فيه. و لن يرضي الشعب بالفوضي بديلاً عن عصر الفساد و الإستعباد الذي ذهب بثلاثين عاماً من عمرنا هباءاً. عظيمة يا مصر..