عام 1975 جرس الهاتف يدوي في شقة صغيرة بشارع جسر السويس، تلتفت السيدة سوزان و تلتقط السماعة: "الو"، يأتيها صوت رخيم لشخص يبدو عليه في العقد الخامس من العمر:"السلام عليكم", سوزان: "و عليكم السلام, من أنت؟" المتكلم: "أنا فاعل خير, دون مقدمات, أرجوكى, سيعرض على زوجك اليوم منصب نائب رئيس جمهورية اليوم, لا تقبلوه, ارفضوه و بشدة" سوزان: "ما هذا المزاح السخيف؟ من أنت؟, لو سمحت انهى المكالمة فقد قبل زوجى المنصب بالفعل" عام 1981 جرس الهاتف يُسمع فى منزل فى حى مصر الجديدة, السيدة سوزان ترد وهى فى حالة سعادة غامرة متوقعة أحد المكالمات المهنئة بالمنصب الجديد: "الو" و يأتى صوت يبدو مألوفا لرجل فى العقد السادس على الجانب الآخر:" السلام عليكم, ليس لدى وقت للكلام الآن كثيرا, من فضلك انصحى زوجك بالاعتذار فورا عن منصب رئيس الجمهورية" تنفعل سوزان قائلة :"ما هذا؟, من أنت؟ و كيف تجرؤ على مكالمتى هكذا, أنا الآن سيدة مصر الأولى" عام 2005 رنين الهاتف المحمول الشخصى للسيدة سوزان , تنظر الى شاشة المحمول و لكن ليس هناك أى أرقام, مجرد مكالمة من مجهول تستقبل المكالمة فى فضول فهى تعلم أن القليل جدا هم من يعلمون هذا الرقم الخاص و لا يستطيع كائنا من كان الحصول عليه دون اذن شخصى منها, على الجانب الآخر يُسمع صوت من بعيد لرجل يبدو عليه الانهاك و تقدم السن: "من فضلك, هذه المرة اسمعينى جيدا لقد حاولت تحذيرك من قبل و الوقت ليس فى صالحنا يجب أن تطلبى من زوجك عدم الترشح مرة أخرى لمنصب رئيس الجمهورية و الابتعاد تماما عن الحياة السياسية و جميع أفراد العائلة هذا أفضل و أسلم لكل الأطراف" سوزان بحنق و ذهول شديدين: "هل جننت أتعلم أننى أستطيع الآن انهاء حياتك باشارة واحدة؟ أتتخيل أننى لن أستطيع الكشف عن هويتك لمجرد أنك تتصل من رقم مشَفًر؟ لقد قضيت على نفسك بنفسك أيها المختل عقليا" عام 2011 يوم 25 يناير أصوات الجماهير الغاضبة تنطلق فى سماء القاهرة و جميع أنحاء البلاد هدير الهتافات يصم الآذان و يجوب البلاد, و لكن الهدوء يلف غرفات و طرقات قصر العروبة, الجو العام يتسم بالقلق و التوتر مكالمات عديدة تحمل تقارير كثيرة و متضاربة, الكل يفكر فى الأيام القادمة, السيدة سوزان تجلس بجانب الخط الساخن الخاص برئيس الدولة لاستقبال أى مكالمات مهمة يرن الهاتف فتنتفض و تمسك بالسماعة: "الو" فاذا بآخر صوت تتوقع أن تسمعه فى هذه اللحظة و على هذا الخط السرى بالذات صوت رخيم حزين و لكن مازال مألوفا: "من فضلك, هذه استغاثتى الأخيرة لكى, بعدها سيكون قد سبق السيف العزل سيغفر لكم الشعب كل شىء, كل شىء الا أن تقتلوهم بأيديكم يمكنكم التراجع الآن و اقتناص الفرصة لحفظ ماء الوجه و لكن اياكم و التصدى بالعنف لهؤلاء الغاضبين ستكتبون نهايتكم بأيديكم اذا فعلتم, تراجعوا تراجعوا..........صوت بكاء شديد على الجانب الأقصى من المكالمة" من فرط الدهشة و الغضب تظل السيدة سوزان ممسكة بالهاتف دون أن تدرى ماذا تفعل ثم تصيح فيه بغضب هائل: "أتعتقد أنك ستختبىء وسط هؤلاء الرعاع المتظاهرين أنا أعلم أنك عميل موجود فى مكان ما وسطنا داخل القصر أو داخل مؤسسة الرئاسة سأجدك و سيكون عقابك شديد" عام 2070 فى غرفة مظلمة فى أحد الأحياء الفقيرة فى أحد الدول الأوروبية, يجلس شيخ كبير و قد انهمرت دموعه بلا توقف, يجلس ممسكا بسماعة الهاتف العابر للأزمان, و على الجانب الآخر يسمع من بعيد: "ساجدك و سيكون عقابك شديد" يستمر فى البكاء و يقول: ليتك وجدتيننى يا جدتى........ليتك وجدتيننى قبل فوات الأوان.... احلم معايا بقلم د/مصطفى العدوى