كثيرا ماينصح المرء باختيار شريكه في الحياة , في الدراسة , في العمل , في الطريق, لكن إذا كنت مسافر لوحدك في علبة سردين "ميكروباص" من موقف عبود جاية المنصورة قرب منتصف الليل.. لا تضع احتمالات لرفاهية الاختيار وخاصة اذا كنت مش شايف قدامك بعد يوم مرهق وطويل أمام وزارة الدفاع , رافع لافتات احتجاجية بكلتا يديك لاكثر من سبع ساعات وواقف تهتف وتحتج ولابس اسود في يوم شديد الحرارة حداداً على حال تردي أوضاع المعيدين في بلدنا, ماديا ومعنويا وتدهور حالهم في الأبحاث العلمية. نعم الأخ اللي كان راكب جنبي شكله مش مريح على الأطلاق في الاربعينات من عمره وواخد بشلتين في وشه...وصوته الأجش ولهجة الإجرام كلما نطق مع زميليه الجالسين بخلفه ..كانت تصيبني بمزيد من القلق والتوتر..خاصة بعد معرفتي ان أسمه "شمة" ...إلا إنني لم أكن أتوقع انه بلطجي" لانه ماحصليش الشرف ده قبل كده"......فبعد ساعة من تحرك الميكروباص من موقف عبود...قام العم "شمة" وزميليه "اللي طلعوا فيما بعد بلطجية ايضاً " برفع المطاوي وقرن الغزال على الركاب وطلبوا من السائق أن يتوقف على جنب...ذهلت من الموقف خاصة ان معنا ركاب منفوخين وشكلهم بيروحوا جيم وعاملين بدي بيلدينج...اكيد دول بيرفعوا حديد !! وفجأة تحولوا لأرانب وقطط سيامي أمام المطاوي...عرفت ساعتها انها نفخة حقن ..وجاء الدور عليا..ولقيت عم شمة (اللي انا وهو متشاركين في نفس الكرسي).. بيرفع قرن الغزال في وشي وبيقول بصوته الكروان "طلع يا أمور كل اللي معاك"..نظرت ليه باندهاش وقلت بعد فترة صمت" أنا" ...قالي امال خالتي؟؟ ..وبسرعة فكرت بين المقاومة والمصير المعروف لكل من سبقني وقاوم وانضموا لصفحة الوفيات بالاهرام...دا انا لسه ماعملتش أي حاجة!!! لا حبيت ولا تحبيت لا اتجوزت ولا خلفت.. حتى خطيبتي مجبور عليها لانها بنت المشرف بتاعي!! ..دانا حتى الماجستير اللي طالع عيني فيها بقالي سبع سنين لسه ماخدتهاش...أموت كده فطيس..وعلى ايد مين بلطجي ميكروباص مجهول الهوية !!.. وكان قراري السريع ودون تردد " حضرتك.. تحب نبدأ بإيه؟؟"..بلهجة أمرة ونظرة حاسمة قال كلمة واحدة : كله"....فبدأت بالمحفظة وطلعتله مية وخمستاشر جنيه اللي باقية من مرتب الشهر الهزيل وبقوله "اتفضل" ...قال: على بعضها ..رديت : دي كل الفلوس اللي فيها وأصلها مش منظمة وفيها كارنيهات وبطايق مهمة ومش هتفيدك بحاجة وعلى فكرة انا معيد في الجامعة " قلت أرمي الكلمة يمكن لما يعرف مكانتي يحترمني ويرجعلي كل حاجة "...وشدها من ايدي وقالي : عايزها كدها بسلطاتها وبابا غنوجها يا دكتور....قلت لنفسي "اذا كان وزير التعليم العالي مش محترمنا يبقى أتوقع ايه من بلطجي "...وقمت بخلع الدبلة الفضة واعطيتها له (قلت لنفسي عشان ألهيه بيها عالموبايل اللي لسه مابقلوش شهرين معايا)...لقيته بيسأل:أمال فين "النوبايل"..؟؟..طلعته بهدوء من جيبي... سألني وهو بيقلب فيه باشمئزاز : صيني؟؟...قلتله: حضرتك أيوة..بس زي الاصلي تمام...حضرتك عارف بقى الصين دلوقتي بتعمل كل حاجة وبعدين ده تاتش...وفرجته بيشتغل ازاي وازاي يجيب الكاميرا والم بي ثري والجي بي أس ...وودعونا بحرارة ونزلوا جميعاً بعد تجميع الغنيمة من الركاب... وأكمل الميكروباص رحلته حتى وصلنا للمنصورة ....وروحت البيت ودخلت البيت كالبطل ...أحكلي لعائلتي عن البطولات الصباحية امام وزارة الدفاع والبطولات المسائية التي عملتها في البلطجية وكمية البوكسات والركل اللي خدوه مني..وانا سليم ولم اصاب بخدشة واحدة ...وهم في حالة اعجاب بالشجاعة اللامتناهية اللي نزلت عليا فجأة..ونظرت لأخي الصغير لأجده ينظر لي متشككا وقالي ...امال فين دبلتك و موبايلك؟؟ ...وقبل ما ارد على السؤال المفاجئ ...لقيت جرس المنبه بيضرب بعنف..وقمت من النوم وانا بحمد ربنا على وجود الموبايل الصيني والمحفظة أم مية وخمستاشر جنيه على الكوميدينو اللي على يمين السرير...وأخبط رأسي بشدة "عشان أفوق" دانا خلاص ناقشت الرسالة الاسبوع اللي فات...وأوجه بفرح واطمئنان... أعرض ابتسامة لإصبعي الخالي من دبلة "ست أبوها" بنت المشرف بتاعي. مهند فوده