الوطنية للانتخابات تعقد مؤتمرا لمتابعة تصويت الخارج فى 30 دائرة بعد قليل    رئيس جامعة العاصمة: لا زيادة في المصروفات وتغيير المسمى لا يمس امتيازات الطلاب (خاص)    سعر الذهب عيار 18 يسجل 4812 جنيه اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025    وزير الإسكان يتابع سير العمل بقطاع التخطيط والمشروعات بهيئة المجتمعات العمرانية    «التنظيم والإدارة» ينظم ورشة عمل حول دور الذكاء الاصطناعي في تطوير العمل الحكومي    «فيتش» تمنح الاقتصاد المصري ثقة دولية.. من هي هذه المؤسسة العالمية؟    وزير الخارجية يستقبل وفدا أوروبيا برئاسة مبعوث أوروبا لعملية السلام    كأس العرب| «مجموعة مصر».. الإمارات يتقدم على الكويت بثنائية في الشوط الأول    مسار يكتسح البنك الأهلي ب 8 أهداف ويقفز للمركز الثالث في دوري الكرة النسائية    توقف عضلة القلب.. وزارة الشباب والرياضة توضح تفاصيل إصابة لاعب بمباراة الدرجة الرابعة    الأرصاد تحذر: أمطار غزيرة تمتد للقاهرة والصغرى تقترب من 5 درجات    ضبط 3 شباب نظموا سباقات بدراجات نارية عرّضت المواطنين للخطر فى أسيوط    فرق البحث تنهى تمشيط مصرف الزوامل للبحث عن التمساح لليوم الخامس    حفيدة أم كلثوم: فيلم "الست" عمل مشرف وبكيت في مشهد الجنازة    وتريات الإسكندرية تستعيد ذكريات موسيقى البيتلز بسيد درويش    محافظ المنوفية: استحداث وحدة جديدة لجراحات القلب والصدر بمستشفى صدر منوف    نائب رئيس جامبيا: المركز الطبي المصري الجديد يعزز الشراكة مع القاهرة    10 سنوات مشدد لبائع خضروات وعامل.. إدانة بتجارة المخدرات وحيازة سلاح ناري بشبرا الخيمة    كوارث يومية فى زمن الانقلاب… ارتباك حركة القطارات وزحام بالمحطات وشلل مرورى بطريق الصف وحادث مروع على كوبري الدقي    قبل صدام محتمل مع بيراميدز.. فليبي لويس: هدفنا لقب الإنتركونتيننتال    محافظ القليوبية يشارك في احتفال الرقابة الإدارية باليوم العالمي لمكافحة الفساد بجامعة بنها    "مصر للصوت والضوء" تضيء واجهة معبد الكرنك احتفالًا بالعيد القومي لمحافظة الأقصر    استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم لليوم الرابع في العصامة الجديدة    القومي للمرأة ينظم ندوة توعوية بحي شبرا لمناهضة العنف ضد المرأة    تركيا تدين اقتحام إسرائيل لمقر أونروا في القدس الشرقية    قوات الدفاع الشعبي والعسكري تنظم زيارة لمستشفى أبو الريش للأطفال    القاهرة الإخبارية: قافلة زاد العزة ال90 تحمل أكثر من 8000 طن مساعدات لغزة    غدًا.. فصل الكهرباء عن قريتي كوم الحجنة وحلمي حسين وتوابعهما ببيلا في كفر الشيخ    لا كرامة لأحد فى زمن الانقلاب.. الاعتداءات على المعلمين تفضح انهيار المنظومة التعليمية    وفاة شخص صدمته سيارة بصحراوي سمالوط في المنيا    شباب الشيوخ توسع نطاق اختصاصات نقابة المهن الرياضية    بدء تفعيل رحلات الأتوبيس الطائر بتعليم قنا    اليابان: تقييم حجم الأضرار الناجمة عن زلزال بقوة 5ر7 أدى لإصابة 34 شخصا    نيللي كريم: مبقتش أعمل بطولات وخلاص عشان أثبت إني ممثلة كبيرة    الأعلى للإعلام يستدعى المسئول عن حساب الناقد خالد طلعت بعد شكوى الزمالك    متحدث «الأوقاف»: مصر قرأت القرآن بميزة «التمصير والحب» لهذا صارت دولة التلاوة    شتيجن يعود لقائمة برشلونة ضد فرانكفورت في دوري أبطال أوروبا    الاتحاد الأوروبى يطالب بتهدئة فورية بين كمبوديا وتايلاند والعودة للمفاوضات    كييف: إسقاط 84 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    ليوناردو دي كابريو يهاجم تقنيات الذكاء الاصطناعي: تفتقد للإنسانية وكثيرون سيخسرون وظائفهم    المشاط تتسلم جائزة «القيادة الدولية» من معهد شوازيل    جامعة قناة السويس تقدّم خدمات علاجية وتوعوية ل711 مواطنًا خلال قافلة طبية بحي الأربعين    مدبولي يتفقد مشروع رفع كفاءة مركز تكنولوجيا دباغة الجلود بمدينة الروبيكي    حزب الاتحاد: لقاء الرئيس السيسي مع حفتر يؤكد حرص مصر على استقرار ليبيا    مراسلة قطاع الأخبار بالرياض: الأعداد تتزايد على لجان الانتخاب في السعودية    رياضة النواب تهنئ وزير الشباب بفوزه برئاسة لجنة التربية البدنية باليونسكو    صلاح وسلوت.. مدرب ليفربول: أنا مش ضعيف وقلتله أنت مش هتسافر معانا.. فيديو    قرار عاجل لمواجهة أزمة الكلاب الضالة في القاهرة    وزارة الاستثمار تبحث فرض إجراءات وقائية على واردات البيليت    رنا سماحة تُحذر: «الجواز مش عبودية وإذلال.. والأهل لهم دور في حماية بناتهم»    البابا تواضروس الثاني يؤكد وحدة الكنيسة خلال لقائه طلاب مدرسة مارمرقس بسيدني    فحص 7.4 مليون تلميذ ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    غدا.. بدء عرض فيلم الست بسينما الشعب في 9 محافظات بأسعار مخفضة    رئيس اللجنة القضائية: تسجيل عمومية الزمالك يتم بتنظيم كامل    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث التعاون بين البلدين    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود عبدالمنعم القيسونى يكتب: ذكريات خالدة
نشر في المصري اليوم يوم 05 - 10 - 2019

بعد انقضاض القوات المصرية المسلحة على العدو على شواطئ سيناء الغربية بحوالى أسبوع، طُلب منى كموجه معنوى، وكنت خلال هذه الحرب المجيدة برتبة رائد، وأشغل منصب معلم بالقوات الخاصة، أن أقوم بزيارة الجبهة مرافقًا لعدد من القيادات بهدف مشاهدة ساحة الحرب والجارى فيها بعينى حتى يسهل علىَّ نقل هذه المشاهدات فى محاضراتى لرجال القوات الخاصة، الذين يتم إعدادهم لدفعهم إلى الجبهة لضمان استمرار الضغط البطولى، الذى قامت به قواتنا الباسلة على العدو الصهيونى.
وأذكر أننى بعد أن عبرت القناة- على الجسور المعدنية العائمة التى شيدها أبطال سلاح المهندسين، ثم اخترقت إحدى الفتحات الرملية بخط بارليف، والتى أحدثتها الفكرة العبقرية التى قام بها سلاح المهندسين، وهى التى استخدموا فيها مدافع الماء، ثم وقوع بصرى على التحصينات الصهيونية الهائلة، التى استخدموا فيها- نظرًا لندرة الصخور والحجارة ذات الأحجام الكبيرة على هذا الجانب- حاويات من السلك الصلب، مملوءة بالزلط والحجارة متوسطة الحجم، تم رصها فوق بعضها لارتفاع بلغ العشرين مترًا، مع استخدام الأسمنت لبناء المداخل- شاهدت أعدادًا هائلة من فوارغ القنابل العنقودية، المُحرَّمة دوليًا، منتشرة هنا وهناك، ودبابات العدو مُدمَّرة وذليلة، وجنازيرها مُفكَّكة، ومدافعها مُنكَّسة، وبعضها انفصل منه برج المدفع بالكامل، وأُلقى على مسافة كبيرة، جراء ضربة مباشرة من صاروخ مضاد للدبابات.
شاهدت كمًا هائلًا من الأسلاك الشائكة، لم أشاهد مثله فى حياتى فى الأفلام الوثائقية الخاصة بالحرب العالمية الثانية، ولا فى صور أى مواقع عسكرية بالكتب والوثائق، وهى كلها دلالات مؤكدة على خوف العدو وتحسبه، بل رعبه من القوات المصرية التى يواجهها على هذه الجبهة، والتى لم تتوقف لحظة طوال خمس سنوات ونصف السنة عن توجيه ضربات مؤلمة له، كانت أولاها يومى 14 و15 يوليو عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين، أى أسابيع بعد ما يُسمى «النكسة»، عندما قامت قواتنا الجوية بالانقضاض عليهم، وتدمير مركباتهم وبعض التحصينات التى شيدوها، ومنذ ذلك التاريخ وعمليات العبور الباسلة بقيادة الشهيد البطل/ الرفاعى ورجاله تتوالى، ويتم خلالها تنفيذ عمليات تدمير وزرع ألغام، وخطف عسكريين، ومهاجمة قوافل، كما قام القناصة المصريون بقتل كل مَن تسول له نفسه مجرد الظهور على سطح رمال سيناء المقدسة، وهو ما أجبر العدو على الاختباء كالجرذان أسفل سطح الأرض طوال هذه السنين، وقد صدرت مجلة لايف الأمريكية، أواخر عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين، وعلى غلافها ضابط إسرائيلى يصرخ ويتألم، والدماء تنزف من يده بغزارة، وعلى الغلاف مكتوب: «ثلاثون ثانية كانت كافية لقناص مصرى لإصابة يد هذا الضابط عندما حاول أن يلوح بذراعه أمام صحفيين أجانب باستخفاف فى اتجاه القوات المصرية على الجانب الآخر من القناة»، كما أنه أمام شواطئ الإسماعيلية عبرت كتيبة مشاة كاملة القناة، وتشبثت بموقع على الجانب الشرقى، ورفعت عَلَم مصر، وفشلت كل محاولات العدو فى إحباط هذه العملية، وعادت الكتيبة كاملة إلى مواقعها، بعد معركة شرسة كان لها النصر فيها بفضل الله.
وقد لفت نظرى انتشار أعلام مصر أعلى تحصينات العدو المُدمَّرة وأعلى خط بارليف، ترفرف بعزة وكبرياء، وكانت رائحة البارود خانقة، وشاهدت الجنود والضباط يتحركون هنا وهناك، وعلامات الفرح والكبرياء تظهر على وجوههم الشريفة، وقد استغرقت مهمتى حوالى خمس ساعات على أرض سيناء، خلالها وجهت العديد من الأسئلة إلى المقاتلين لتكوين تصور حديث وواقعى عن كل ما حدث يوم 6 أكتوبر، «العاشر من رمضان»، وما يهمنى تسجيله، اليوم، هو رد جميع المقاتلين على سؤالين محددين، حيث لفتت نظرى مطابقة الردود رغم بُعد المسافات بينهم، ورغم عدم وجود أى تنسيق أو ترتيب مسبق بينهم، فردودهم وسردهم للتفاصيل كانت مُوحَّدة، وهو ما أثبت لى مصداقيتها، والسؤالان كانا: اشرح لى اللحظات التى سبقت الهجوم، ثم التالية للهجوم.. اشرح لى لحظة بلحظة عملية نزولك لركوب الزورق المطاطى، وعبورك مياه القناة فى اتجاه الضفة الشرقية، ثم بلوغها وصعودك الساتر الرملى ذا العشرين مترًا ارتفاعًا من الرمال الناعمة، حتى انقضاضك أنت وزملائك على تحصينات العدو.. فكان ردهم جميعًا باختصار أنه رغم توزيع الذخيرة الحية عليهم جميعًا، ورغم ارتدائهم مهمات القتال كاملة، ورغم ملء الزوارق المطاطية بالهواء، ورغم دفع دانات القنابل إلى داخل مواسير المدافع والدبابات وتوجيه المواسير لأهداف تم تحديدها مسبقًا، ورغم توزيع وجبة قتال لكسر الصيام فى المغرب، فقد كانوا جميعًا صائمين أقباطًا ومسلمين، إلا أنهم جميعًا كانوا مقتنعين بأنها عملية تدريب دورية ومناورة اعتادوا عليها العديد من المرات كل سنة طوال السنين الخمس ونصف السنة المنصرمة.
ثم فجأة مرقت أعلى رؤوسهم، وفى اتجاه الشرق، مئات من الطائرات المقاتلة، نسور مصر، وانطلق من جميع هذه الطائرات وابل من القذائف، وسقطت منها القنابل، لتُحيل جبهة العدو إلى جحيم بكل ما تعنيه الكلمة، وفورًا انطلقت القنابل من آلاف المدافع، وبشكل مستمر، لتضرب تحصينات العدو وتفجرها فى كل مكان، وتنطلق منها الشظايا والصخور وتدمر وتحرق أى مُعَدّة أو مركبة للعدو ظاهرة على الأرض، كل هذا فى عدة دقائق، ثم صدر أمر الهجوم.. ولك أن تتخيل ما حدث، فبعد خمس سنوات ونصف السنة، ونحن نشاهد العدو يدنس أرض سيناء، ونشاهد عَلَم إسرائيل مرفوعًا على هذه الأرض المقدسة، صدر لنا الأمر بإزالة هذا الاعتداء وهذا الدنس، ومحو هذا الوجود من أرض سيناء، والذى حدث عند سماعنا أمر الهجوم أن الزورق الذى كان يستدعى رفعه عشرة رجال كان يرفعه خمسة بسهولة بالغة، والمدفع المضاد للدبابات، الذى يستدعى شخصين لرفعه والتحرك به، كان مقاتل واحد يرفعه على كتفيه، وينطلق بسهولة بالغة إلى شاطئ القناة لركوب الزوارق المحددة، وعند امتلاء كل الزوارق بآلاف مؤلَّفة من المقاتلين، انطلقت من حناجرهم هتافات القتال: «الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر»، وكانت هذه الهتافات كالرعد، بل كانت دون مبالغة أعلى من صوت المدافع والقنابل والتفجيرات، وقد ساعدت السواتر الرملية المرتفعة على جانبى القناة فى مضاعفة هذا الهدير الباسل، ولاحظوا انهيار قطاعات من السواتر الرملية بسبب ذبذبات هدير الهتافات، ثم أجمع الجميع على أنه لا أحد يذكر أى تفاصيل منذ لحظة مغادرة الزوارق المطاطية للضفة الغربية للقناة والوصول إلى الضفة الشرقية ومهاجمة تحصينات العدو، والجميع أكدوا أن ما يذكرونه فقط يبدأ عند سماعهم أذان المغرب، وكانت الاشتباكات قد خبَتْ دليلًا على هزيمة العدو واستسلامه أمام هذه المفاجأة الهائلة، ويذكرون أنهم أخذوا يتلفتون حولهم ليشاهدوا جثث العدو منتشرة فى كل مكان وأجساد شهداء مصر الطاهرة ودماءها تروى رمال سيناء، وأنهم صلوا صلاة الخوف، المُتَّبعة فى المعارك، فى حراسة زملائهم من الأقباط، وبعد الصلاة والإفطار لاحظوا الكبارى المعدنية المنتشرة على مياه القناة، والتى شيدها سلاح المهندسين، والدبابات تندفع من أعلاها إلى سيناء.. وفعلًا لم أتمكن من الحصول على أى تفاصيل خاصة بمشاهدات عملية العبور ذاتها وعملية الانقضاض على التحصينات، وعدت إلى قيادتى والفخر يملؤنى، ولم تؤثر فىَّ تمثيلية الثغرة التى قام بها «شارون»، حيث إنه معروف فى العلوم العسكرية أن مثل هذه الثغرة من السهل جدًا تدميرها.. رحم الله شهداء مصر الأبرار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.