دون الخوض في الاسباب والظروف السياسية التي ادت الي هزيمتنا في يونية الف تسعمائة سبعة وستين يجب الا ننسي البطولات الخارقة التي انجزها ضباط وجنود القوات المسلحة في هذه الحرب والتي كانت ظروفها بشعة بكل المقاييس حيث حاربنا عدو لا يعترف بالمواثيق الدولية ولا بالانسانية عدو اعطي لنفسه الحق الكامل في استخدام كل الاسلحة المحرمة دوليا في جميع حروبه.. يجب الا ننسي الجندي الذي شاهد طائرات العدو في سماء العريش وهي تقذف ألسنة النابالم المحرم دوليا علي زملائه فقفز خلف مدفع مضاد للطائرات وبدأ يضرب الطائرات بتصميم وشجاعة مذهلة ليصيب احدي هذه الطائرات ولتنقض عليه طائرة من الخلف وتغطيه هو والمدفع بالنابالم فيحترق ويتفحم في وضعه المتشبث بقبضة المدفع وزناده ويستشهد امام زملائه يجب الا ننسي الجندي الذي كان يعاون وحدته المتمركزة برفح في نقل حاويات الماء الي مواقع زملائه المتفرقة حينما شاهد دبابة للعدو تقتحم موقع وحدته وتضرب بعنف دون تمييز فيلقي ما بيده وينطلق عدوا الي موقعه حيث يلتقط مدفع ار.بي.جي ويرتكز علي ركبته ويصوب الصاروخ في اتجاه الدبابة والتي تنبهت لجسارته ونيته فادارت برج ماسورة مدفعها في اتجاهه بسرعة واطلقت عليه دانة مدفع ليتحول الي اشلاء طاهرة بعد ان ضغط علي زناد سلاحه وانطلق الصاروخ في نفس اللحظة في اتجاه الدبابة ليرتطم بها ويفجرها والا ننسي الجندي الذي تمكن من السير ليلا من العريش الي القنطرة شرق وهو مصاب باربع طلقات في فخذه وأخذ يجمع اسلحة زملائه الشهداء حتي لا يستولي عليها العدو وبلغ خط القناة فجرا وهو يحمل ثمانية عشر رشاشا مصريا فعبرت قوة مصرية خاصة القناة تحت النيران المتبادلة علي الجانبين لينقلوه من شرق القناة الي غربها حيث نقل الي المستشفي الميداني للعلاج. السنون تمر والحياة تلهينا ويطوي النسيان مواقف وطنية وبطولات واجب ان تبقي منارة ساطعة الي الابد يفخر بها ابناء هذا الشعب. وبعد مرور اكثر من خمس سنوات عجاف قاسية والجنود والضباط لاهم لهم غير التدريب والتدريب والتطوير مع التركيز الكامل علي كل تحركات العدو علي جبهة القناة وقد اختفت الابتسامة تماما من علي وجوههم ليحل مكانها قسمات الغضب والتصميم والصبر وخلال هذه السنين ظهرت مجلة لايف التي كانت من اشهر المجلات في الولاياتالمتحدةالامريكية في ذلك الوقت وعلي غلافها جندي اسرائيلي مصاب وعلامات الالم الشديدة مرتسمة علي قسمات وجهه وزملاؤه ينقلونه من الخندق الي المستشفي الميداني وتعليق علي الصورة كتب فيه ثلاثون ثانية كانت كافية والتفاصيل المرتبطة بصورة الغلاف داخل المجلة تسجل ان هذا الجندي كان يحاول الاستخفاف بالجنود المصريين علي الجبهة وامام وفد صحفي امريكي رفع يده لأعلي ليلوح للمصريين ويتفوه بكلمات ساخرة وفي لمح البصر اخترقت رصاصة قناص مصري كفه امام ذهول الجميع والذين لم يتخيلوا سرعة ودقة القناص المصري الذي لمح تصرفات الاسرائيلي فوجه بندقيته اتجاهه واطلق الرصاصة لتصيب هدفها في فترة زمنية لم تتعد نصف الدقيقة وهو ما نتج عنه التزام جنود العدو بالتحركات ورؤوسهم تحت سطح الارض وحل شهر رمضان المعظم عام الف تسعمائة ثلاثة وسبعين واشرقت شمس اليوم العاشر من هذا الشهر الكريم وكل الجنود والضباط مسلمين ومسيحيين صائمون وانطلقت شرارة العبور العظيم وهي اللحظة التي انتظروها بصبر طوال هذه السنين فينطلق دعاؤهم المخلص الي السماء اللهم اكتب لنا الافطار في جناتك ويتحرك اكثر من ثمانين الف مقاتل كالموج الهادر من اعلي الساتر الرملي الواقع علي الساحل الغربي لقناة السويس ليقفزوا للزوارق المطاطية وكلهم يرددون معا بصوت واحد كالرعد الله اكبر الله اكبر.. الله اكبر مسلمين ومسيحيين صوت غطي علي اصوات المقاتلات المصرية التي كانت تمرق اعلي رؤوسهم لتطلق الصواريخ والقنابل علي خط بارليف وما خلفه صوت غطي علي طلقات اكثر من ستة آلاف مدفع خلفهم احالت الضفة الشرقية للقناة الي جحيم من النيران والانفجارات صوت تسبب في ذبذبات عنيفة جدا ادت الي تشقق التباب الرملية علي جانبي القناة وانزلاق رمالها بكميات هائلة لمياه القناة وبلغوا الضفة الشرقية واقتحموا خط بارليف الحصين ورفعوا العلم وفي خضم هذه المعارك المجيدة واثناء غروب شمس هذا اليوم اذ يبلغ مسامعهم أذان صلاة المغرب لينظروا حولهم فيجدوا شهداءهم هنا وهناك والذين سيفطرون في جنات الله كما شاهدوا مئات من جثث العدو الاسرائيلي المصعوق والذي ارتسمت علي وجوههم قسمات الذهول والخوف من هول هذا الهجوم المباغت والصاعق فاتجهت الوجوه تجاه القبلة وبدأ المسلمون صلاة المغرب صلاة الخوف بكامل سلاحهم وملابسهم الطاهرة في حراسة زملائهم المسيحيين لقد حققوا جميعا ومعا هذا النصر الغالي لوطننا العزيز مصر.. يجب الا ننسي يجب الا تموت الوطنية.