في اجتماع طارئ، تايلاند وكمبوديا تبدآن اليوم محادثات وقف إطلاق النار على الحدود    «الأرصاد» تحذر من طقس الأربعاء.. أجواء شديدة البرودة وشبورة كثيفة    قناة ON تستعد لعرض مسلسل «قسمة العدل»    كنت شاهدا، سام مرسي يرد على تقرير مثير ل "ذا أتليتيك" حول تحكم صلاح في منتخب مصر    من داخل وكره المشبوه، صور جديدة مرعبة للمجرم الجنسي جيفري إبستين تظهر للعلن    اليوم، استكمال محاكمة سارة خليفة و27 آخرين بقضية "المخدرات الكبرى"    أحمد هاشم يكتب: مصر والسودان.. مصير مشترك    بعد أزمة ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تلاحق الصفحات المسيئة للفنانين قانونيًا    كفتة العدس بالشوفان في الفرن، بروتين نباتي صحي بدون دهون    وزير التعليم: 778 ألف طالب شاركوا على المنصة اليابانية لتعلم البرمجة.. وفوجئنا بالوعي الكبير    الرئاسة اللبنانية: عون يتلقى اتصالين هاتفيين من الرئيس التركي والعاهل الأردني    يعرض 7 يناير.. نيللى كريم وشريف سلامة يتصدران بوستر «جوازة ولا جنازة»    عودة مسرحية "نور فى عالم البحور" إلى خشبة المسرح القومي للأطفال    بطولة ياسمين رئيس وأحمد فهمي.. نهى صالح تنضم لمسلسل «اسأل روحك»    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    فيديو | «ربنا كتبلي عمر جديد».. ناجية من عقار إمبابة المنهار تروي لحظات الرعب    المرتبات في الفيزا، وزارة المالية تعلن بدء صرف مرتبات شهر ديسمبر 2025 اليوم    الصحة: نجاح عملية استبدال صمام قلب لمسن فوق 90 عاما بمبرة مصر القديمة    لماذا يُواصل صندوق النقد الدولي إقراض نظام السيسي رغم الخراب الاقتصادي في مصر؟    حسين الشحات يتحدث بعد ارتداء شارة قيادة الأهلي لأول مرة    أمم إفريقيا - بونجاح: درسنا السودان جيدا.. وعلينا المبادرة بالهجوم    لاعب زيمبابوي السابق: أحرجنا منتخب مصر ومرموش كان كابوسًا    مفاجأة في مفاوضات تجديد عقد حسين الشحات مع الأهلي    بمساحة 177 فدانًا.. الزمالك يحصل على أرض بديلة قرب القرية الذكية    د. القس رفعت فتحي يكتب: المسيحية الصهيونية.. موقف الكنيسة المشيخية    ب"احتفالية ومعرض".. تعليم الأقصر تحيي فعاليات اليوم العالمي لذوي الهمم| صور    وزير التعليم: البكالوريا شبيهة بالنظم العالمية.. وستقلل من الدروس الخصوصية    أخبار × 24 ساعة.. بعثة صندوق النقد: الاقتصاد المصرى حقق مؤشرات نمو قوية    إغلاق الأسهم الأمريكية عند مستوى قياسي جديد    محافظ الغربية يستجيب لشكوى سيدة مسنة ويوفر لها كرسى متحرك ومساعدات إنسانية    الجيش الأردني يخوض اشتباكات مع عصابات تهريب على الحدود السورية    ابتزاز داخل مجلس الأمن، واشنطن تتوعد مادورو بعقوبات قصوى لحرمانه من النفط الفنزويلي    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    البياضية والزينية تتألقان باحتفالين جماهيريين في عيد الأقصر القومي (صور)    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    ارتفاع حصيلة ضحايا عدوان الاحتلال على غزة إلى 70،942 شهيدًا و171،195 مصابًا    فايزر تحقق في حادث خلال تجربة علاج جديد لمرضى سيولة الدم    بشرى ل 7 محافظات، الصحة تحدد موعد التشغيل التجريبي للمرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    تفاصيل فوز مصر بمعقد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية.. فيديو    خالد مرتجي: نبحث تطوير كرة القدم داخل الملعب وخارجه    دفنوه في أحضان أمه، أهالي معصرة صاوي بالفيوم يشيعون جثمان الضحية الثامنة لحادث الطريق الإقليمي    كورال "شباب مصري" يحيي حفل غنائي بقصر الأمير بشتاك، الجمعة    انهيار سقف مطبخ وحمام على طابقين بالزاوية الحمراء وإخلاء العقار من السكان (صور)    أمم أفريقيا 2025| تونس تبدأ مشوارها بالفوز على أوغندا بثلاثية مثيرة    وزارة العمل: قانون العمل الجديد يضمن حقوق العمال حتى بعد الإغلاق أو التصفية    أبرز تصريحات وزير التعليم عن اهتمام القيادة السياسية بالملف التعليمي    "الوطنية للانتخابات": بدء تصويت المصريين بالخارج بجولة الإعادة في 19 دائرة انتخابية    بفستان أحمر قصير.. إيمان العاصي تثير الجدل في أحدث ظهور    وزير التعليم: 750 ألف طالب يمثلون نحو 92% من الثانوية اختاروا نظام البكالوريا بكامل إرادتهم    الأرصاد الجوية ترصد تفاصيل الظواهر الجوية المتوقعة غدا الأربعاء .. اعرف التفاصيل    هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة بأكثر من يوم باليوم الواحد؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    "القومي للبحوث" يحصد المركز الأول فى مؤشر سيماجو للمراكز والمعاهد البحثية 2025    نحو منظومة صحية آمنة.. "اعتماد الرقابة الصحية" تُقر معايير وطنية لبنوك الدم    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    الدقهلية تحتفل بانضمام المنصورة لعضوية شبكة اليونسكو لمدن التعلم (صور)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوعى بعد فوات الأوان
نشر في المصري اليوم يوم 03 - 12 - 2019

يطرح هذا المقال سؤالًا محوريًا هو على النحو الآتى: لماذا دائمًا الوعى بعد فوات الأوان؟، وما يدعونا لطرح هذا السؤال هو ما نشهده الآن من ظواهر غريبة مناقضة للعقل فى وسائل الإعلام وما نطالعه عن تلك الظواهر فى المجلات والجرائد، وأزيد الأمر إيضاحاََ فأشير إلى الفجوة العميقة بين الواقع الذى يموج بأحداث وسلوكيات لا تمت إلى العقل بصلة سواء فى مجال الفكر الدينى أو الثقافة الشعبية من جهة، ووعى المثقفين والكتاب والإعلاميين بمدى خطورة هذا الواقع على مستقبل المجتمع المصرى من جهة أخرى، مما يدل على سمة مهمة بدأ يتميز بها المجتمع المصرى، وهى الوعى بعد فوات الأوان. وأعنى بذلك الوعى بما يدور فى الواقع أو بالأدق الحياة، وهى فى حالة حركة يومية، وهذه الحركة ليست عشوائية، إذ هى محكومة بقوانين وبمنطق، وهذا هو ما دلل عليه الفيلسوف الألمانى هيجل 1770 1831م من خلال ما أطلق عليه المنطق الجدلى الذى يقوم على ثلاثة قوانين هى:
القانون الأول: وحدة وصراع الأضداد، ومعناه أن الشىء يحيا فى حالة تناقض، ولكن هذا التناقض لا يعنى التشتت وإنما يعنى وحدة الشىء، القانون الثانى: الانتقال من التراكمات الكمية إلى التغيير الكيفى، ومعناه أن النقلة النوعية للمجتمع لا تتم إلا بتراكمات، والنتيجة المترتبة على ذلك هى أن المجتمع الذى تمتنع فيه التراكمات يتوقف عن التطور، القانون الثالث: نفى النفى، ومعناه أن المجتمع ينفى نظامه القائم بنظام جديد، ثم ينفى نظامه الجديد بإحداث توليفة من النظامين القديم والجديد تأخذ بما هو إيجابى فى كل منهما.
والآن.. نبدأ فى تطبيق هذه القوانين الثلاثة على المجتمع المصرى، فماذا نرى؟
للجواب عن هذا السؤال أجتزئ من تاريخ المجتمع المصرى الحقبة الزمانية ابتداء من ثورة 1952 التى كانت تنشد تأسيس نظام اجتماعى جديد مناقض للنظام القديم، فماذا حدث لهذا النظام الجديد من تطور؟.
قلنا إن الشىء ينطوى على نقيضه، فما هو نقيض ثورة 1952 الكامن فيها؟، إنها حركة الإخوان المسلمين، فهذه الحركة لا يمكن فصلها عن داخل تلك الثورة، ولا أدل على ذلك من أن الصراع بين الضباط الأحرار وحركة الإخوان المسلمين كان قائمًا فى إطار وحدة غامضة، فقد عرض جمال عبدالناصر على الإخوان تشكيل هيئة واحدة هى هيئة التحرير، على أن تضم الإخوان، بشرط ذوبانهم فى نهاية المطاف، ورفضت حركة الإخوان اقتراح عبدالناصر، ومن أجل منع الذوبان قرر الإخوان اغتيال عبدالناصر فى 26 أكتوبر 1954 وهو يخطب فى ميدان المنشية بالإسكندرية، وكان فى ظنهم أنهم بذلك يدخلون فى وحدة مع الثورة ولكن من خلال الصراع وهو هنا الاغتيال، إلا أن الاعتقالات التى مستهم أفشلت تطبيق القانون الأول، وهو وحدة وصراع الأضداد، فلجأوا إلى الاستعانة بالقانون الثانى وهو إحداث تراكمات كمية يكون من شأنها إحداث نقلة كيفية وهى الاستيلاء على السلطة، وبدأت الحركة تطبيق هذا القانون بصدور كتاب «معالم فى الطريق» عام 1957 وتحت شعار الحاكمية لله، وفى 1967 فسر الإخوان الهزيمة بأنها مردودة إلى انتقام الله من عدم تطبيق مبدأ الحاكمية لله.. وفى عهد أنور السادات حدث تراكم آخر، وهو تعاونهم مع السادات من أجل تصفية الناصرية واليسار، وبعد إتمام التصفية طالب الإخوان السادات بإعلان الدولة الإسلامية، فرفض، وعندئذ تم اغتياله فى 6 أكتوبر 1981، وبعدها بدأ التيار الإسلامى الأصولى بزعامة حركة الإخوان التغلغل فى جميع مؤسسات الدولة الخاصة والعامة، ثم تبلور هذا التدخل فى ظاهرة حجاب المرأة إلى الحد الذى فرض فيه الحجاب على الأطفال فى المدارس، وتبلور هذا التغلغل أكثر وأكثر فيما قام به الدعاة من الرجال والنساء فى المساجد والزوايا، خاصة فى الأحياء الشعبية من نشر الفكر الأصولى اللاعقلانى وفرض فتاوى تروج للفكر الخرافى، ثم تدعم هذا التغلغل بإنشاء القنوات الدينية الفضائية من أجل السيطرة الكاملة المحكمة على عقول الناس، أما فى مجال التعليم العام والعالى فقد كان منذ البداية هو الركيزة الاستراتيجية لنشر فكر الإخوان فى المجتمع المصرى، وقد نجحوا نجاحًا باهرًا فى تحقيق هذا الهدف الاستراتيجى ابتداء من المرحلة الأساسية فى التعليم مرورًا بالمرحلة الثانوية ووصولًا إلى التعليم العالى الذى يتحكم فيه أساتذة ينتمون إلى فكر الإخوان، مما دفعهم فى مرحلة ما إلى تأييد وتدعيم ما سمى «اتحاد الطلاب الحر» الذى كان يرفع شعار الإخوان، هذا بالإضافة إلى سيطرة التيار الإخوانى على النقابات المهنية بالكامل.
كل هذه أدلة دامغة على نجاح الإخوان فى تطبيق القانون الثانى، مما أدى إلى حتمية الوصول إلى القانون الثالث وهو نفى النفى، أى نفى الواقع الراهن للمجتمع المصرى، ثم نفى هذا النفى، أى إحلال واقع جديد محله، وهو إعلان الجمهورية الإسلامية على يد الرئيس محمد مرسى الذى وصل إلى الحكم عن طريق صناديق الانتخابات.
كل هذا حدث ومازال يحدث فى غفلة من المثقفين المصريين، وأعنى بهم الأفراد المشتغلين بالكتابة سواء الصحفية أو الأكاديمية أو الأدبية، والرافضين فكر الإخوان وسيطرتهم على المجتمع المصرى، على حد قولهم، فهؤلاء المثقفون كانوا ومازالوا منشغلين بقضايا لا تمت إلى ما يحدث فى المجتمع المصرى بصلة مثل السخرية من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والدفاع عن حقوق الإرهابيين فى حرية التعبير بدعوى حقوق الإنسان، وقضايا أخرى هامشية.
وعندما انغمس المثقف المصرى فى هذه القضايا، فإنه فى نفس الوقت تنازل طواعية عن دوره الجوهرى الذى يكمن فى مسؤوليته تجاه تغيير ذهنية المواطن المصرى وإعادة بناء عقله فى اتجاه التنوير ومواجهة التخلف، ونتجت عن هذا التنازل حالة موت وسكون، أى خروج عن قوانين الديالكتيك، فى مقابل حركة التراكم التى كان يقوم بها التيار الإخوانى ومازال، بهدف الوصول إلى الحكم مرة ثانية، ومما يزيد الأمر خطورة أن هذا التنازل من جانب المثقفين عن دورهم قد نتج عنه الإحجام التام عن مواجهة التيار الأصولى الدينى المدعم بالإرهاب وعدم تأسيس تيار مغاير وبديل له، هذا على الرغم من الدعوات المتكررة لرئيس الدولة التى يعبر فيها عن استعداد السلطة السياسية لتدعيم تأسيس هذا التيار المنشود.
والسؤال الآن: هل إحجام المثقفين عن تأسيس تيار بديل ومغاير للتيار الأصولى المدعم بالإرهاب مردود إلى عدم رغبة المثقفين فى ذلك، أم لغياب وعيهم بضرورة حدوث ذلك، أم إلى ما أسميه الوعى بعد فوات الأوان؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.