مصر الجديدة

لم يعد هذا الحى كما كان ولن يعود. فهو يشهد الآن حركة تغيير جذرية فى عمرانه ومعماره لم يشهدها منذ عشرات السنين. لا نعرف ماذا سيكون شكل مصر الجديدة فى العام المقبل، لكننا ندرك أنها ستتبدل كثيرًا. على الأرجح، لن يتعرف سكانها عليها، فحجم التغييرات العمرانية يجعلها مكانا مختلفا عن ذلك الذى حمل ذكرياتهم وتاريخهم، أحلامهم وأحزانهم.
علاقة أهل أى حى به هى علاقة عميقة، يرتبط فيها السكان ليس بمكان مصمت؛ بل بذكريات وأفكار وعواطف تربطهم بكل منطقة فيه. فهذه المساحة المسكونة تصير جزءًا منهم، وهم يضحون قطعة منها. فهى علاقة معقدة تمتد عبر الزمن وتتعمق بمروره. فما بالك لو كان هذا الحى هو حى مصر الجديدة بتاريخه الراسخ وعمرانه الجميل ومعماره الفريد؟.
وبما أن هذه العلاقة الإنسانية لها هذا الامتداد الزمنى والمكانى، فالقرار بتغيير أبعادها يتطلب التشاور مع المعنيين بالأمر؛ ولا يمكن أن يأتى كنتاج لقرارات حكومية فردية حتى لو كان الهدف هو السيولة المرورية. فتحقيق الأخيرة أيضًا، له سبل وتصورات عديدة ومختلفة؛ من ثم، فإن تفضيل خيار على آخر لابد وأن يستند إلى رأى أهل المنطقة وأصحاب الحى أنفسهم؛ لا أن يفرض عليهم فرضًا.
للأسف هذا التشاور لم يحدث، بل اتخذت قرارات مصيرية ستغير من طبيعة حى مركزى كحى مصر الجديدة هكذا فى ليلة وضحاها. القبح والجمال هى أمور نسبية، إلا أن أهل المكان هم من لهم حق تحديد ملامح هذا الجمال؛ هذا الذى ترسخ فى أذهان سكانها، وعموم المواطنين بارتباطه بمساحات خضراء جميلة (باتت غائبة عن القاهرة على أى حال) ومساحات ممهدة للمشاة (تعطى جمالا وألفة فى بلد لا تجد فيه رصيفا سليما يصلح للمشى عليه) هذا بالإضافة إلى تناسق وتناغم معمارى معين يحافظ على كينونة وتاريخ هذا الحى. لكن، للأسف، كل ذلك سيتغير قريبًا.
وأخيرِا، فى أى نظام سياسى تلعب المجالس المحلية وظيفة محددة، ألا وهى تمثيل سكان الحى ومناقشة الخطط المختلفة الخاصة بمستقبله، خاصة لو تعلق الأمر بتغييرات محورية كالتى تحدث الآن. فدورها ببساطة، هو التعبير عن تطلعات سكان المنطقة ونقلها للسلطات التنفيذية، بل والضغط لتحقيها. إلا أن هذه المجالس غائبة منذ سنوات، ولم نسمع قط عن انتخابات محلية جديدة حتى الآن؛ بل فقط نرى مصر جديدة لكنها غريبة على مواطنيها، بل دافعة إلى شعورهم بالغربة عنها.