مستقبل التنمية فى مصر.. «الإصلاح الاقتصادى»

ساهم غياب الاستقرار السياسى والأمنى منذ ثورة يناير (2011) فى تدهور أوضاع الاقتصاد المصرى، وتراجع مؤشراته التنموية بوجه عام. وبعد مرور ثلاث سنوات على التداعيات السياسية والأمنية لثورة (25) يناير، تزايدت هشاشة مؤشرات الأداء الاقتصادى بشكل ملحوظ. حيث وصل عجز الميزانية الحكومية إلى (13) فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى، وتراجع النمو الاقتصادى إلى (2.9) فى المائة، وواصلت معدلات التضخم السعرى الارتفاع، وأدى النقص الحاد فى توافر النقد الأجنبى- بفعل هروب رؤوس الأموال للخارج- إلى انخفاض احتياطى النقد الأجنبى بنسبة (135) فى المائة. من ناحية أخرى تراجع عائد الصادرات بمعدل (64) فى المائة، وانخفضت إيرادات قطاع السياحة بنحو (67) فى المائة، كما ارتفعت معدلات البطالة إلى نحو (13) فى المائة. وبحيث تطلب الوضع الاقتصادى فى نهاية عام (2015) ضرورة تبنى حزمة متكاملة من السياسات من شأنها تحقيق الاستقرار الاقتصادى، وعلاج الاختلالات الهيكلية، وزيادة معدلات النمو، وتحقيق التوازن مع العالم الخارجى. وفى هذا الإطار، أعدت الحكومة برنامجًا اقتصاديًا طموحًا لمواجهة الآثار الاقتصادية السلبية لثورة يناير (2011) وتوابعها، وإيجاد حلول مناسبة للمشاكل المزمنة التى يعانى منها الاقتصاد المصرى.
ووفق مذكرة التفاهم المُعتمدة من صندوق النقد الدولى فى الحادى عشر من نوفمبر (2016)، وافقت إدارة الصندوق على تمويل برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى بمبلغ 12 مليار دولار. وقد ركز برنامج الإصلاح على مواجهة التحديات التى تواجه مصر فى مجال ميزان المدفوعات، واختلال سعر الصرف، وعجز الميزان التجارى، والعجز بالميزانية العامة، وتزايد حجم الدين العام، ومحدودية النمو الاقتصادى، والمستوى المرتفع لمعدلات البطالة. كما أفادت المذكرة بأن البرنامج يسعى إلى «إعادة ثقة المستثمر، وتخفيض معدلات التضخم إلى أقل من عشرة فى المائة، وبناء احتياطيات النقد الأجنبى، ودعم سياسات المالية العامة، وتعظيم مساهمة القطاع الخاص فى جُهود التنمية».
وبعد مرور ثلاث سنوات على البدء فى تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى، أشارت تقارير المتابعة الرسمية إلى تحسن معظم مؤشرات الأداء الاقتصادى، إذ ارتفعت معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالى بالأسعار الثابتة إلى (5.6) فى المائة خلال عام (2019)، ومن المتوقع وصول معدل النمو إلى نحو (6) فى المائة عام (2020). وانخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ عام (2011) إلى (7.5) فى المائة فى الربع الثانى من عام (2019)، وفق مؤشرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. وأفادت مؤشرات البنك المركزى بانخفاض سعر الصرف الأجنبى للدولار من (18) جنيها فى ديسمبر (2016) إلى (16.3) جنيه فى سبتمبر (2019)، وحدوث زيادة فى احتياطيات النقد الأجنبى تقدر بنحو 70 فى المائة، لتصل إلى (45) مليار دولار فى سبتمبر (2019). وفى نفس الوقت انخفض معدل تضخم الأسعار إلى (6.7) فى المائة فى أغسطس (2019). ويعود تحسن سعر صرف الدولار والاحتياطى النقدى فى جزء منه إلى التحسن الملحوظ فى عائدات السياحة التى تعدت (12.6) مليار دولار فى (2019) مقارنة بما يعادل (5.1) مليار دولار فى عام (2014)، بالإضافة إلى الزيادة فى تحويلات العمالة المصرية من الخارج. كما ساهمت سياسات وزارة المالية فى زيادة الإيرادات العامة وترشيد الإنفاق فى تراجع عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى بشكل ملحوظ من (12.2) فى المائة فى عام (2014) إلى (8.2) فى المائة فقط فى عام (2019).
يُضاف إلى ما سبق، كما تُوضح وثيقة الحكومة عن الإصلاح الاقتصادى بعنوان «مصر تنطلق ويستمر العمل»، أن الحكومة قد تبنت سياسات مكملة من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف ترتبط بتعزيز البيئة التمكينية للاقتصاد المصرى، واستكمال بنيته التحتية، وتحسين مستوى معيشة المواطن، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والارتقاء بمستوى الخدمات المُقدمة للمواطن.
فهل تُشكل الإنجازات التى تحققت حتى الآن خطوات على طريق النمو طويل الأجل، ودعم تنافسية الاقتصاد المصرى وإنتاجيته الكلية؟ وهل تُحقق طموحات المواطن المصرى فى الارتقاء بمعدلات رفاهيته، وتحسين الخدمات المقدمة له، وتوفير فرص العمل الملائمة له؟ وهل يدعم التطور فى البيئة التمكينية للاقتصاد المصرى وبنيته التحتية استدامة التنمية؟ وهى أسئلة تَشْغل الرأى العام بكافة توجهاته، وعلى وجه الخصوص متخذ القرار وراسم السياسات الإنمائية فى مصر، وسأسعى للإجابة عنها فى مقالات لاحقة.