البطل الحقيقى لمصيدة الفئران..وبعد 68 سنة مازال القاتل مجهولًا

أول مرة زرت فيها لندن، وكان ذلك فى مارس 1967، كانت هناك مسرحية سجلت رقمًا قياسيًا فى استمرار عرضها فقد رفع عنها الستار لأول مرة فى 25 نوفمبر 1952 سنة قيام ثورة يوليو 52، مما يعنى أنه كان لها فى ذلك الوقت 15 سنة بدون توقف مما كان يعد سابقة. لم تتح لى فى هذه الزيارة ولا فى الزيارات الكثيرة التى تلت مشاهدة هذه المسرحية التى استمرت بدون توقف فى الوقت الذى شهدت مصر الرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك والمشير طنطاوى ومحمد مرسى والمستشار عدلى منصور وأخيرا الرئيس السيسى. وفى كل زيارة للندن كنت أؤجل فكرة مشاهدتها للزيارة القادمة إلى أن جاءت هذه الزيارة التى اضطررت إليها هذه المرة للعلاج. وهكذا فإنه بناء على دعوة قبلتها بكل شوق تمكنت من مشاهدة مسرحية «مصيدة الفئران»، التى مازالت تعرض فى لندن وتدخل عامها ال68.
تعرض المسرحية فى مسرح «سانت مارتين» وهو مسرح قديم له أكثر من 100 سنة يذكرنى بالمسارح القديمة ومنها مسرح الريحانى قديما فى شارع عماد الدين، ولا يتسع لأكثر من 500 متفرج، ورغم أن المسرحية لها ما قلت 68 سنة وقد دخلتها فى يوم إثنين وهو يوم عمل وقد تصورت أنها ستكون خالية فقد كانت مليئة بنسبة لا تقل عن تسعين فى المائة!.
المسرحية كتبتها المؤلفة الإنجليزية الشهيرة «أجاثا كريستى»، التى تخصصت فى كتابة الروايات البوليسية الغامضة وقد كتبت 66 رواية منها «مصيدة الفئران» التى بدأتها كقصة صغيرة للإذاعة عام 1950 ثم تحولت إلى مسرحية بدأ عرضها فى نوفمبر 52 وهى عبارة عن فصلين بديكور واحد لا يتغير بدون أى موسيقى أو أغان أو أى مشاهد مبهرة، والغرفة عبارة عن صالون كلاسيكى فى بنسيون قرية يضم مديرته وزوجها وخمسة أشخاص يلجأون إليه فى ليلة باردة تمطر جليدًا، ويطب على النزلاء الخمسة ضابط بوليس يحقق فى جريمة قتل وقعت فى المنطقة ويخشى أن يكرر القاتل الذى لم يتم القبض عليه جريمته ويقتل أحد النزلاء. وبالفعل ينتهى الفصل الأول بصرخة فى الظلام تكشف عن مقتل سيدة من النزلاء كانت تعمل قاضية وخلال عملها أصدرت أحكامًا مختلفة. ويبدأ التحقيق طوال الفصل الثانى فى نفس الغرفة بنفس الديكور بنفس النزلاء لكشف القاتل الذى يكون مفاجأة فى آخر دقائق المسرحية.
المسرحية، حسب الإحصائيات، عرضت أكثر من 28 ألف مرة، أى شاهدها على الأقل عشرة ملايين متفرج من مختلف أنحاء العالم، فقد أصبحت هذه المسرحية من معالم لندن وقد توافد عليها عشرات الممثلين ولكن بقى الديكور واحدًا لا يتغير، ولأن البطل هو الحوار فلم يحدث أن دخل ممثل المسرح وجرى التصفيق له والمرة الوحيدة التى يصفق فيها الجمهور عندما ينزل الستار بعد مشهد النهاية، ويقف الثمانية الذين أدوا أدوار الرواية يحيون الجمهور ويخرج واحد منهم وهو القاتل يرجو الجمهور بعد أن عرف سر الجريمة أن يحتفظوا به لأنفسهم لا يبوحون به لأحد، حتى يتركوا الفرصة لغيرهم يستمتعون بغموض العمل.
السر الحقيقى للقاتل الذى جعل المسرحية يستمر عرضها حتى اليوم 68 سنة هو الجمهور أو الملايين العديدة التى شاهدت المسرحية وكشفت وعرفت سر القاتل، ومع ذلك لم يحدث أن قرأنا فى صحيفة أو على الفيس بوك أو أى موقع عن هذا القاتل. احتفظ الجمهور بالسر لأنهم استمتعوا بالغموض والتكهنات التى فكروا فيها وأرادوا للمسرحية أن تستمر فى غموضها ليتمتع بها كل متفرج جديد.
هناك حكاية أختم بها عن عامل بلاسيه فى إحدى دور السينما صحب متفرجًا وزوجته إلى مكانيهما فى الصالة، وانتظر أن يعطيه المتفرج جنيها، لكنه لم يفعل، ولما تأكد له أن المتفرج لن يعطيه مليمًا مال على أذنه فى الظلام، وقال له: علشان ما تتعبش نفسك البواب هو اللى قتل الست! نلتقى بإذن الله بعد أسبوعين.
salahmont@ahram.org.eg