لا اعتقد تماما انك من الممكن ان تجد اسم "مكتبة اوباما العامة" معلقاً على احدى المكتبات الامريكة... او ان تجد لوحة مكتوب عليها "مدينة ساركوزى للعلوم" فى شارع من شوارع باريس. لكن من الغريب ان تلاحظ فى بعض البلدان انتشار ظاهرة تقديس الحاكم سواء كان شخص أو قئة. و لكن من الأغرب أن تشترك كل (نعم ..كل) البلاد الناطقة بالعربية فى هذه الظاهرة المريبة. و أنا لا أظن أن تكون هذه الظاهرة فقط بسبب نفاق الطبقة المحيطة بالمحيطة بالطبقة الحاكمة و نفاق البعض فيما فوقها و تحتها من طبقات. فبرغم عدم إيمانى دائماً بنظرية المؤامرة و لكن لا أعتقد تماما أن تكون الصدفة البحتة هى السبب الوحيد فى إنتشار هذه الظاهرة فى عالمنا العربى. و من المستحيل ايضاً أن تكون هى الصدفة التى فرضت هذا الترهل السياسى و الضياع الاقتصادى و التدنى الثقافى و الفشل العلمى - مع إضافة كلمة "المُتَعَمد" لكل ما سبق – على هذه البقعة من العالم. فهل الإشتراك فى بعض العادات و اللغة هو السبب فى إعلان حالة الطوارىء بدون أى مبرر منطقى فى أغلب-إن لم يكن كل- دول الوطن العربى لمدد تزيد عن الأربعين عاماً؟! أم أن العنصر الجغرافى هو السبب فى عدم تمكن الشعوب العربية من فهم هذا الإختراع الخطير المسمى بالديمقراطية كما كانت الأنظمة الحاكمة تحاول إقناع شعوبها بذلك؟ فقد تردد فى ذهنى قول الرئيس المصرى السابق جمال عبد الناصر بأن الشعب المصرى غير مستعد بعد للديمقراطية الكاملة و أنا أستمع لنفس الكلمات تخرج من آخر أفواه نفس النظام بعد أكثر من خمسين عاماً. علمياً, و طبقاً لنظرية الفوضى, فإن أى نظام فيزيائى يتجه دائماً الى حالة الفوضى و اللا نظامية بالفطرة عند رفع القيود الحاكمة له و يزداد هذا الإتجاه مع مرور الزمن. فمثلاً قطعة الثلج هى عبارة عن جزيئات ماء فى نظامٍ متماسك, و لكن هذه الجزيئات تتجه للفوضى (و هى الحالة السائلة) بمجرد إخراجها الى درجة الحرارة العادية. و نظرية الفوضى هذه مطبقة على الأنظمة الأجتماعية ايضاً. اذاً فلا يجب على الأنظمة الحاكمة العربية أن تنتظر أو تتوقع من شعوبها الوصول لحالة من النظام و الوعى الديمقراطى هكذا زاتياً دون القواعد المُنَظِمة و السياسة و الثقافة اللازمِين لهذا التطور المجتمعى! فمن الطبيعى لمجتمعٍ ما أن يتخبط فى المراحل الأولى من وضع السياسات الإستراتيجية و بداية وضع الأهداف المرحلية، و من المتوقع أن تظل حالة التخبط مع بداية تجارب الأنظمة السياسية الى أن يستقر المجتمع و يبدأ فى التقدم للأمام خاصةً اذا كان يملك مقومات الإنطلاق السريع. و لكن ما يحدث أننا نعيش فى هذه الحالة من التخبط منذ أن بدأت حركات الإستقلال العربية. اذاً من المستحيل تجاهل وجود نظرية المؤامرة و أجندات تعمل على وجود و إستمرار نفس الأنظمة الحاكمة بنفس الطعم و الرائحة مع تغير الألوان بتغير المكان و الزمان ايضاً، ما يسمح بالتلاعب بالثقافات و التدخل العميق فى داخل الدواخل المجتمعية و التحكم فى عقول الشعوب بتغييبها سياسياً و ثقافياً و جعل الهم الأكبر لها هو لقمة العيش أو حتى البحث عن الرفاهية و الترف و من ثم نسب الفضل فى الحصول على لقمة العيش أو الرفاهية هذه إلى نفس الشخص المقدس الذى هو أصلاً يتهم كل من يعارضه بالعمل لأجندات خفية و بذلك تكتمل الحلقة المفرغة التى تبقى المجتمع على صفيح ساخن. فعفواً..... أنتم يا من كنتم و مازلتم على رؤوس الأنظمة العربية... أنتم من جاء أصلا عن طريق أجندات خارجية، حتى من جاء منكم بثوراتٍ فهذه الثورات كان يحركها و يدعمها أولآئك من هم وراء تلك البحارِ. أنتم لم تحققوا الأهداف المعلنة لثوراتكم و إنقلاباتكم، لم تستعيدوا الحقوق الوطنية و القومية والحرية و لم تحققوا العدالة الإجتماعية أو أى نوع من أنواع النهضة و مع كل ذلك كنتم و مازلتم تحاولون إيهام شعوبكم بأنكم تعملون على تحقيق تلك الآمال بل أن كل ذلك قد تحقق بالفعل. لقد تحولتم الى أنظمة تستبق للسيطرة على مفاصل الدول بأجهزتكم الأمنية الغير أمنية لإحكام السيطرة على ما تعتبروه الإرث الأزلى و الحق المكتسب لكم فى ملكية أقدار و مقدرات شعوبكم بمباركة و مساعدة أصحاب الأجندات الكبرى التى أصبحت مع الوقت هى كتبكم المقدسة.