لقد عاشت مصر لفترة طالت على شعبها تعاني من قيد الأئمة المعصومين ، هؤلاء الرجال المختارين على عين الدولة وأمنها ، تدور في فلكهم ، لا تتعداهم في أي اختيار ولا تتخطاهم إلى غيرهم ، مهما كانت كفاءة الغير ومهما كان إخلاصهم . وكان هؤلاء الرجال لابد وأن يقوموا على حائط مبكى الحزب الوطني ليضع كل واحد منهم ورقته التي وقع عليها في أحد شقوق هذا الحائط ، دلالة على ولائه وعزيز انتمائه . ولقد فُرض على الأمة أن تؤمن من خلال الصحافة القومية بهؤلاء الرجال على أنهم معصومون ، وأن عين الهداية المباركية ترعاهم ، وأنه لولاه ولولاهم لما كنا ولا كانت الحياة . في زيف من الكلام لو تسنى لأحدهم وقتها أن يقول لمبارك لولاك ما خلقت الأفلاك لقالها ، وحاول جاهدا إقناع الناس بها . وهكذا عاشت مصر معهم وبهم في سلسلة أكاذيب ، طبعت بغشاوة سحرها وزيف حديثها على أعين المخدوعين ، فنادوا مسبحين بحمد الرئيس ورجال دولته المعصومين . لكن ثورة يناير قد جاءتهم بما لم يكن في حسبانهم ، ولم يخطوه في دفاتر حسابتهم ، أسقطت في ثمانية عشر يوما حائط المبكى ، وسقطت بوارق الحزب الوطني ، وارتفعت العصمة عن أئمتهم ، وزالت الغشاوة التي صنعها سحر الكلام وبريق البيان عن هؤلاء السارقين ، الذين لطالما وصفوا بالمعصومين . وهكذا صفعت الثورة إمام الأمس المعصوم ، بصفعة ذات جلال وهيبة ، صفق لهيبتها المجتمع الدولي ، بينما قبض المجتمع العربي يده عن التصفيق لها ، باستثناء بعض الدعم الذي جاء على استحياء ، خوفا من لوم الأصدقاء . واليوم تتابعت المفاجاءات فجاء المجتمع العربي ليتوج الثورة في جامعته العربية بتاج عز عربي ، بذلك الإجماع الذي منحوه لنبيل العربي وزير خارجية الثورة المصرية . والنبيل في هذا الاختيار لنبيل ، أنه مع كفاءة الرجل وشرف المنصب به ، قد جاء على غير اتفاق متوافقا مع الثورة على إسقاط الأئمة المعصومين ، وكل من جرى في ركابهم ، وركب في مراكبهم ، وسبح بحمدهم . جاء إجماعا متوافقا مع الثورة ، بعد الرفض الذي عاني منه الفقي من طوائف مصرية ودول خارجية ، وبعدما جلس الرجل خلف الشاشات ، وهو فصيح اللسان صحيح البيان ، جلس يتحدث ببيان يكاد يدخل به على السامع أنه كان لمبارك الند ، ولرجال دولته الضد . لكن الإرادة الجديدة أثببت أنها لم تعد تخدع بالشعارات ، ولا برفع الرايات ، وإنما هي مواقف ينظر إليها بالعين المجردة ، تبحث الرجل في أمسه ويومه ، ولا يصح معها اليوم إلا من صح معها الأمس . ومن تاب يتوب الله عليه ، لكن عليه بخاصة نفسه ، فتوبته بينه وبين ربه ، فليعتزل مجالسنا ، وليتوارى بتوبته عن أعيننا حتى توافيه المنية ، لعله يجد في الشباب وبينهم من يترحم عليه لحسن أدبه ، بتخليه عن العصمة ، وتنازله عن حقه المزعوم في الرياسة أو الوزارة باعتباره إمام معصوم . إننا اليوم كعرب نأمل بنيبل أن تنبل الجامعة العربية ، وأن نفرح في عرسها الفرح الذي يغطي على حزننا أيام غيبوتها ، وأن تأخذ دور القيادة في حل مشاكل أمتنا على المستوى العالمي لا العربي فقط . كذلك نحن في مصرنا بعد هذه نجاح الثورة العربية في جامعتها أحوج ما نكون إلى تكوين جبهة رفض للأئمة المعصومين ، فلسنا شيعة إمامية ، ولسنا مجوسا فارسية ، لايصح في شريعتنا أن يكون رئيسا لنا أو زيرا إلا من كان من نسل الملوك ، لعصمتهم وحلول روح القوة الإلهية فيهم . لسنا هؤلاء ولا أولئك ، لذلك يجب أن يكون رئيسنا مختارا بإرادة ثورتنا ، حر بين أحرار ، أمسه مع الثورة كيومه ، ليست له شيعة إمامية ، يرونه معصوم الخطاب ، يقولون لخطئه صواب ، ولصوابه تجلى رب الأرباب ، فمنحه هذا الجواب . مبروك لمصر جلوس وزير خارجيتها على كرسي الجامعة العربية ، وإن شاء الله تتوالى التهاني بتوفيق الاختيار في مجلس الشورى والنواب ، ثم في مقعد النيابة العامة عن الأمة المصرية ، في مقعد شرف رئيس الجمهورية . وكتبه / محمود عبد العزيز سليمان . ماجستير في الحديث وعلومه, كلية أصول الدين، جامعة الأزهر الشريف