تراجع سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الجمعة 19 أبريل 2024    صندوق النقد الدولي يزف بشرى سارة عن اقتصاد الدول منخفضة الدخل (فيديو)    إيران.. عودة الرحلات الجوية لطبيعتها إلى مطار مهرآباد في طهران    رغم الإنذارين.. سبب مثير وراء عدم طرد ايميليانو مارتينيز امام ليل    بعد عبور عقبة وست هام.. ليفركوزن يُسجل اسمه في سجلات التاريخ برقم قياسي    توقعات بطقس شديد الحرارة اليوم مع نشاط حركة الرياح    مفاجأة | كولر يستقر على هجوم الأهلي أمام مازيمبي في دوري أبطال إفريقيا    اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد    الطيران الحربي الإسرائيلي يستهدف منطقة شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة    موعد مباراة جنوى ولاتسيو في الدوري الايطالي    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 19 أبريل    بعد تعليمات الوزير.. ما مواصفات امتحانات الثانوية العامة 2024؟    مخرج «العتاولة»: الجزء الثاني من المسلسل سيكون أقوى بكتير    شريحة منع الحمل: الوسيلة الفعالة للتنظيم الأسري وصحة المرأة    الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المتحدة    نجم الأهلي السابق يفجر مفاجأة: وجود هذا اللاعب داخل الفريق يسيئ للنادي    طلب إحاطة في البرلمان لإجبار أصحاب المخابز على خفض أسعار "الخبز السياحي"    «ستاندرد أند بورز»: خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    محمد بركات: «فيه حاجة غلط في الإسماعيلي»    حظك اليوم برج العذراء الجمعة 19-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سوزان نجم الدين تتصدر تريند إكس بعد ظهورها مع «مساء dmc»    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    تقارير أمريكية تكشف موعد اجتياح رفح الفلسطينية    هدي الإتربي: أحمد السقا وشه حلو على كل اللى بيشتغل معاه    ملف رياضة مصراوي.. ليفربول يودع الدوري الأوروبي.. أزمة شوبير وأحمد سليمان.. وإصابة محمد شكري    مسؤول أمريكي: إسرائيل شنت ضربات جوية داخل إيران | فيديو    أسعار العملات الأجنبية اليوم الجمعة.. آخر تحديث لسعر الدولار عند هذا الرقم    عز بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 إبريل بالمصانع والأسواق    3 ليال .. تحويلات مرورية بشارع التسعين الجنوبي بالقاهرة الجديدة    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    شاهد.. نجوم الفن في افتتاح الدورة الثالثة ل مهرجان هوليود للفيلم العربي    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    البابا تواضروس خلال إطلاق وثيقة «مخاطر زواج الأقارب»: 10 آلاف مرض يسببه زواج الأقارب    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    متحدث الحكومة: دعم إضافي للصناعات ذات المكون المحلي.. ونستهدف زيادة الصادرات 17% سنويا    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    انطلاق برنامج لقاء الجمعة للأطفال بالمساجد الكبرى الجمعة    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    النشرة الدينية.. هل يجوز تفويت صلاة الجمعة بسبب التعب؟.. وما هي أدعية شهر شوال المستحبة؟    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    جريمة ثاني أيام العيد.. حكاية مقتل بائع كبدة بسبب 10 جنيهات في السلام    طريقة عمل الدجاج سويت اند ساور    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    بسبب أزمة نفسية.. فتاة تنهي حياتها بالحبة السامة بأوسيم    فيتو أمريكي يُفسد قرارًا بمنح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابن الشيخ مصطفى إسماعيل: أول أجر حصل عليه والدي 7 قروش ولعب بها مراجيح (حوار)
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 12 - 2018

«الكرامة أهم ما يجب أن يحافظ عليه قارئ القرآن الكريم، وأما بنعمة ربك فحدث، الصفح عند المقدرة».. كلمات اعتاد ترديدها القارئ الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل الذي وصفوا صوته بالكروان، كما قال لنا ابنه الأكبر المهندس عاطف في حوار ل«المصرى اليوم» معه، ضمن سلسلة حوارات رحيق العباقرة، مؤكدا أنه حافظ على كرامته وأيضا عاش محبا للرفاهية مغدقا على أسرته بنعم ربه وكان متسامحا مع من حاربوه من أبناء مهنته.
وحكى لنا نجله نشأة والده في كنف أسرة من أثرياء الغربية، وكيف استطاع جده احتواء الطفل الشقى الذي لا يهدأ أبدا حتى استطاع أن يجعله محبا للقرآن بعد أن عرف موهبته الفذة التي تكمن في روعة صوته.
ويصف عاطف والده بالأصيل المؤدب، والدليل ما كتبه في حق والدته خلال مذكراته الخاصة بأن زواجه المبكر ساعده على النجاح، وأشار إلى مشاكساته مع أقرانه القراء وكيف اقترب من الملك والرؤساء بعد أن ارتبطوا بصوته، وأصبح يمثل لهم الراحة والاطمئنان، كما تطرق إلى المواقف الصعبة في حياته وأهمها سرقة ساعته ليلة زفافه، وكيف أصبح «الخروف» مصدر سعادة والده، كما أخبرنا عن مساعدته لأم كلثوم وعبدالوهاب وغيرهما من الملحنين والمطربين.. وإلى نص الحوار..
* في البداية أين أسرة الشيخ مصطفى إسماعيل رحمة الله عليه؟
- تعيش الأسرة ما بين قرية ميت غزال حيث مسقط رأس والدى وطنطا والقاهرة، فأبناؤه 6 أشقاء ثلاثة ذكور ومثلهم إناث وأنا أكبر الاولاد بينما تكبرنى أخت واحدة، واسم والدى بالكامل مصطفى محمد المرسى إسماعيل، وهو من مواليد 17 يونيو عام 1905 وكان له ثمانية أشقاء زكية وعبدالسلام وأمينة ومحمد وفاطمة وست العيلة وسرية وعبدالعزيز، عاشوا جميعا في كنف أسرة أولاد أبواسماعيل وكانت تشتهر بالثراء الفاحش حيث امتلك جد والدى ما يصل إلى مائتى فدان لكنها تقلصت إلى 12 فدانا فقط عندما وصلت إلى أبي رحمة الله على الجميع والمقصود أن الابن مصطفى نشأ وسط حياة مادية ميسورة الحال في زمان كان فيه أحوال العامة صعبة جدا.
* وكم كان عمرك لحظة وفاة والدك؟
- 45 عاما.
* حدثنا عن نشأة والدك كما علمتها؟
- نشأ طفلا في أسرة لا ينقصها شىء حيث تمتلك من المال ما يكفيها وقال لى والدى إنه كان الابن البكر لأبيه وسط 9 أبناء واشتهر «بالشقاوة» وكثرة الحركة وخفة الظل وكثيرا ما تعرض للضرب من والده وجده الذي كان يعيش أثناء طفولته، وحرص جدى على محاولة تعليم أبنائه مما دعاه إلى إلحاقه بكتاب القرية حيث عرف بين أقرانه ومشايخه بأنه ذكى وسريع الاستيعاب، وبدأ في حفظ القرآن الكريم في كتاتيب القرية التي تنقل بينها رغبة من والده في إفادة ابنه بمزايا جميع المشايخ كان آخرها كتاب الشيخ محمد أبوحشيش وانتهى الطفل من تلاوة وتجويد القرآن تماما في عامه الثانى عشر، وأراد جدى كما ذكر أبى إلحاق ابنه بالازهر الشريف وقد حدث بالفعل وأصبح الطفل أزهريا يذهب يوميا إلى المعهد الاحمدى بطنطا لدراسة علوم الدين، وكان أكثر الاطفال أناقة وشياكة حيث ارتدى العمامة والجبة والقفطان في أثناء دراسته بالازهر الشريف، وبدأ يتلو القرآن بمساجد القرية بعد أن اشتهر بجمال صوته والذى ظهر واضحا خلال رفعه الآذان لأول مرة في حياته وهو لم يبلغ الثامنة من عمره حيث عرفه أهل القرية وارتبطوا بصوته الحلو وباتوا يطالبونه دائما بالأذان وقراءة القرآن ولم يقف الامر عند هذا الحد بل شجعه جده على الاستجابة لطلبات الاهل والأصدقاء وأيضا أهالى القرى المجاورة والذهاب إليهم والقراءة بدون أجر لأنه كان ميسور الحال ولا يبتغى سوى صقل موهبة حفيده.
* وما هو أول مبلغ حصل عليه القارئ الصغير؟
- أكد لى أبى أن أول مبلغ تقاضاه على القراءة كان «سبعة قروش»، حيث دعى للقراءة في قرية مجاورة لهم ولم يخبر أباه وجده بالأمر خوفا من أن يغضبا لأنهما أوصياه أن يقرأ القرآن من أجل القرآن لا بهدف المال ولكن افتضح أمره وتعاملا معه بلين وقالا له: لا نمنعك من الحصول على مقابل لكننا نوصيك بأن الهدف هو عدم المتاجرة بالقرآن. وتعلم الصبى الدرس وفهم المعنى حتى جاءه خفير يخبره بأن هناك من يريد محادثته بدوار العمدة على التليفون وعندما ذهب الصبى ورفع السماعة وجد رجلا يمدحه كثيرا ويقول له: «يا كروان احنا عايزينك تشرفنا علشان نسمع صوتك في قرية كفر سالم»، وحكى لى أبى: «القرية كانت بعيدة عن قريتنا تقريبا ببضعة كيلو مترات وكان طلب الزبون أن أقيم ثلاثة أيام هناك وأغلقت الهاتف وسرت أفكر كيف أقنع أهلى بأننى سأتغيب عنهم ثلاث ليال لكن الله وفقنى وتقبلوا الامر، وعندما رجعت كان بحوزتى 70 قرشا وهى الأجر الثانى لى على القراءة وقمت بإهدارها لاخر قرش ما بين المراجيح وشراء الاشياء التي أحبها مثل البسكوت والحلوى». واستمر الفتى في القراءة والتنقل من مكان إلى آخر حتى ذاع صيته بين القرى المجاورة وأصبح معروفا كالشمس، مما أثر على دراسته في الازهر ولم يستطع التوفيق بين الاثنين فآثر الاستجابة إلى القراءة وترك الدراسة ولم يكملها ويقول: «للأسف أصبح موضوع عدم تكملة دراستى الازهرية عيبا يعايرنى به أقرانى الحاقدون على شهرتى وحب الناس لى ويقولون «ده ما كملش دراسته» مما أصابنى بالضيق فترة وجيزة لكن تفوقى في القرآن جعلنى واثقا من نفسى ووضعنى في مكانة أعلى وأقيم من الذين أكملوا دراستهم وحصلوا على العالمية». واستقر والدي في طنطا بعد أن تزوج وأصبح من مشاهير الغربية.
* وما أعلى أجر تقاضاه نظير قراءته القرآن الكريم؟
- شخصيا لا أعرف على وجه التحديد لكن هو كان دائما سعيدا بعطاء من أحد الاثرياء الذي قدم له خمسين جنيها ذهبيا وظل محتفظا بها لفترة طويلة، وكان له فلسفة في المقابل المادى يقول: لا أطلب من أحد أكثر من قدراته.
*وكيف تزوج الشيخ مصطفى إسماعيل؟
- كان لوالدى الحظ الوفير عندما دعاه أحد المحبين لصوته وكان رجلا من مسؤولى محافظة الغربية إلى القراءة في تأبين الزعيم سعد زغلول وكان بمدينة دمياط، وبمجرد انتهائه من القراءة اقترب منه محمد عمر وهو رجل دين ثرى صاحب مدارس شهيرة في دمياط ودعاه إلى منزله في اليوم التالى وقد ذهب والدى وكانت المصادفة حيث شاهد فتاة في لمحة سريعة ولم يحدث أحدا عن إعجابه بها وبعد أشهر طويلة عاد إلى نفس المنزل وكان أبوها قد توفى وطلب الفتاة من والدتها للزواج وقد وافقت وأصبحت زوجته وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وكتب في مذكراته عن سعادته بزوجته «بفضل زواجى المبكر استطعت الصمود في طنطا واتسع نشاطى شمالا وجنوبا حتى وجدتنى في حاجة إلى مكتب لتنظيم مواعيد عملى والاتفاق مع الزبائن لكثرتهم ففتحت مكتبا بشارع البورصة وأسندت إدارته إلى أخى الشيخ محمد وتبين لنا حاجتنا إلى التليفون فتعاقدنا عليه وكان رقمه «1».
* أخبرتني عن سرقة والدك ليلة زفافه، فما القصة؟
- كان يستقل السيارة بصحبة زوجته بعد الانتهاء من الفرح والعودة من دمياط وأصر على قيادة السيارة والتحرك منفردا واتضح أن هناك لصوصا علموا بالأمر فنصبوا له كمينا خارج البلدة في منطقة بعيدة عن العمران، وفجأة قطعوا عليه الطريق بأشجار ونخيل وعندما توقف العريس قاموا بإنزاله وأخذوا يفتشونه ووجدوا معه ساعة ذهبية، فأخذوها وانصرفوا.
* قلت لى في بداية حديثنا عن موقف حدث لوالدك مع الشيخ محمد رفعت الذي كان يكبره في السن كثيراً؟
- في وفاة أحد أعيان طنطا ويدعى السيد حسين القصبى تم دعوة أبى إلى القراءة في مأتمه وكان لا يزال صغيرا وقد لبى الدعوة وذهب إلى السرادق«ويقص والدى: «تحينت فرصة للقراءة واقتربت من الشيخ الموجود على الدكة وكان الحضور عظيما حيث جمع كبير من القيادات التنفيذية والشعبية بالمحافظات وهناك مقرئون كثر لكننى قفزت إلى مكان القراءة بعد أن انتهى الشيخ وهممت بالمشاركة إلا أننى وجدت من يشدنى بقوة من ملابسى ويقول لى (انزل يا بنى هي مش لعب عيال) وأصابنى الخوف والذهول ونزلت على الفور لكن الله أنقذنى بمن طلبنى حيث جاء مهرولا وقال لى مكانك واقرأ، وصاح فيمن فعل هذا التصرف القاسى قائلا له (انت ما تعرفش حاجة اسمعه الأول)، وقرأت بعد أن هدأت نفسى وكانت قراءتى والحمد لله جيدة ونالت استحسان الجميع وعلت الأصوات تكبيرا حتى جاءنى الشخص الذي أراد إبعادى قائلا (ده انت رهييب.. إيه ده ما فيش كده في الدنيا). وكان الشيخ محمد رفعت متواجدا فصافحنى بعد القراءة وشد على يدى وشجعنى أمام الجميع».
* اذكر لنا مواقف جمعت بين مصطفى إسماعيل ومنافسيه من القراء؟
- كثيرة لأنك كما تعلم فإن القراء المتنافسين يقومون دائما بمحاولات لإبعاد النوابغ والمبدعين من أمامهم فمثلا كان مدعوا في صباه للقراءة بالقاهرة التي لم يكن قد استقر فيها ولايزال في طنطا وقد حضر خصيصا ولبى الدعوة في حى الداودية واكتشف أن الشيخ محمد سلامة مشارك ولذلك أصابه الضيق لمعرفته المسبقة بأن الشيخ سلامة لا يحب نظراءه من المقرئين، وقد حدث ما كان يخشاه أبى حيث بدأ سلامة القراءة ولم ينته سوى مع نهاية الليلة قاصدا إغلاق الطريق أمام من بعده من المقرئين، وكان الحضور قد انصرفوا جميعا وقرأ أبى على عدد لا يتجاوز أصابع اليد وهم أصحاب السرادق فقط ولكن من حسن حظه أن الشيخ درويش الحريرى قد جاء متأخرا وكان والدى في قراءته وعندما انتهى صافحه وسأله «أين تعلمت المقامات والموسيقى الصوتية؟»، فأجابه والدى: «من خلال استماعى للقراءات والموسيقى فقط لكننى لم أدرسها أبدا»، فأجابه الحريرى «اللى انت عارفه أفضل من المتعلمين والمتخصصين في المجال نفسه فطرتك قوية جدا». أيضا كانت هناك مواقف صعبة جدا مع الشيخ محمود خليل الحصرى بعد أن اشتد عود والدى وكبر حيث حاول الحصرى إزاحة أبى من أمامه كثيرا إلا أنه لم يستطع.
* وكيف حصل والدك على عضوية رابطة المقرئين والإذاعة؟
- لم يكن مهتما بالأمر كثيرا ولا حتى بالإذاعة ولكن القدر أجبره على ذلك حيث كان والدى قد اشترى سيارة جديدة فاخرة وكان مولعا بقيادتها وذات مرة وكنا في القرية والسيارة أمام المنزل قام «خروف» بالجرى نحوها واصطدم بها بقوة فأصاب الباب مما أزعج والدى وقرر السفر بها للقاهرة من أجل إصلاحها ولكن صاحب الورشة طلب من أبى أن يترك له السيارة ثلاث ساعات حتى يتفرغ لها فوجد والدى نفسه في فراغ كيف سيقضى هذا الوقت وكان في الصباح الباكر وجاءته فكرة الذهاب للجلوس برابطة المقرئين لقضاء وقته فكان لايحب القهاوى وعندما دخل من باب الرابطة سأله الموظف وكان اسمه محمد الصيفى قائلا «إنت مين» فأجابه «أنا اسمى مصطفى إسماعيل مقرئ زميلكم جاى أقعد شوية» فرحبوا به وطلبوا منه أن يقرأ لهم بعض الآيات بعد أن عرفوه جيدا وعندما انتهى من القراءة استحسنوا صوته وطالبوه بالاشتراك في الرابطة والأكثر من هذا أنهم اقترحوا عليه المشاركة في الاحتفال بالمولد النبوى الشريف الذي كان مقررا له يوم الجمعة المقبل وكان بعد ثلاثة أيام وأخبروه بأن الحفلة في سيدنا الحسين وسينقلها الراديو على الهواء مباشرة وفرح الوالد وأسرته وكانت بداية الانتشار الواسع في شتى أنحاء الدنيا ثم بعد ذلك طلبته الإذاعة للانضمام لها وظل سنوات مترددا في هذا الأمر وكان يخشى من هذه الخطوة ويرى أنها لا تناسب طموحاته ويقول «أنا مش بتاع إذاعة دى هتقيدنى وأنا طول عمرى منطلق ده أنا تركت التعليم الأزهرى من أجل الحركة» لكن انضم لها بعد محاولات عدد من قيادتها المحبين له عام 1947.
* وماذا حدث بعد أول قراءة له في الإذاعة؟
- في ثانى يوم وجدنا سيارة بوليس أمام قرية ميت غزال التي تواجد بها في ذلك الوقت وسألوا عنه ولم يكن متواجدا لأنه مشغول بجنى القطن ولكن جاء مسرعا فقابلوه بكل هدوء وسعادة قائلين: «مدير الغربية «المحافظ» عايزك ضرورى جدا» واستعد وذهب معهم، وقابل المدير وأرسله على الفور إلى قصر عابدين بصحبة تشريفة وحراسة حيث كان ذلك أمرا من القصر وهناك أخبروه برغبة الديوان الملكى بالقراءة لأن الملك قد سمع صوته وأراده في القصر للقراءة، وقد حجزوا له في فندق فخم بوسط القاهرة وفى اليوم التالى أقلته السيارة إلى قصر الملك فوجد هناك محمد باشا حيدر وزير الدفاع وبجواره عدد من قيادات الدولة وطلبوا منه القراءة وعندما انتهى لم ير الملك في المكان لكن سمع صوته في غرفة مجاورة وعلم أنه تواجد بها مستمعا له، وكان ذلك في احتفالية القصر الملكى بليلة القدر ومن ذاك اليوم بات قارئا للقصر وأعقب تلك الليلة القراءة في ذكرى وفاة الملك أحمد فؤاد في إبريل عام 1945، والتقى بالملك كثيرا في أثناء قراءاته، ويقول إن الملك فاروق كان عندما يراه تظهر ابتسامته ويبدو عليه السعادة لدرجة أنه أعطاه الباكوية بطريقة شفوية حيث اعتاد النداء عليه بمطصفى بيه.
* وبعد انتهاء الملكية كيف استمر مع الرؤساء في ظل وجود مقرئين كثر في زمنه؟
- أحبه الرئيس محمد نجيب وقرر أن يستمر قارئا رسميا للرئاسة، ونفس الأمر فعله الرئيس جمال عبدالناصر الذي أحب أبى كثيرا وقربه وكان يطلب منه القراءة حتى في أوقات فراغه والأكثر منهم جميعا الرئيس أنور السادات حيث أصبح والدى يمثل شيئا مريحا بالنسبة له فاصطحبه في جميع رحلاته داخل مصر، وكان له مكانة كبيرة في قلب وعقل السادات وحاول كثيرا تقليد والدى وكان أبى يضحك ووضح اهتمامه بأبي كثيرا، وذات يوم علم السادات بأن هناك مشكلة بينه وبين الشيخ محمود الحصرى وكان في إحدى قراءات والدى التي حضرها السادات، انتظر حتى انتهى منها وناداه فلما اقترب منه احتضنه الرئيس وقال له «عايزك لازم تعدى عليا علشان فيه موضوع مضايقك نتكلم فيه شوية» وجاء أبى إلى المنزل وأخبرنى وكنت بالمصادفة في البلد إثر إجازة من عملى بألمانيا وأخبرته بأننى التقيت السيدة جيهان السادات بألمانيا وجلست معها فترة وأهديتها سيارة إسعاف لمشروع خيرى كانت تشرف عليه «واتبسطت جدا من السيارة» وطلبت منها أن تعطى زوجها الرئيس خطابا كتبته بخط يدى أخبره فيه بمشاكل بين الشيخ الحصرى وجميع المقرئين المصريين ومنهم والدى، وأكدت لى قائلة «خلاص الرسالة اعتبرها في إيد السادات» وعندما سمع والدى هذه القصة رفض الذهاب للرئيس قائلا لى «لا يمكن أن أشكو زميلا لرئيس الدولة إنت مش عارف ممكن يحصل له إيه» ومن يومها تعلمت درس الصفح عند المقدرة.
* وماهى قصة سفر والدك مع السادات إلى إسرائيل وتردد وقتها أن مصطفى إسماعيل رفض أن يقرأ أحد غيره في بلد الأعداء؟
- الموضوع أن السادات طلب أن يكون الشيخ مصطفى إسماعيل ضمن البعثة الرسمية في الزيارة التاريخية للقدس عام 1977 في العيد وقد سافرت البعثة وكان لأبى شرف الانضمام لها وكان فضل الله كبيرا علينا عندما قرأ القرآن الكريم في تلك البقعة الغالية على العرب جميعا لكن المشكلة للأسف أن هناك بعض الصحف كتبت كذبا أن الذين سافروا مع الرئيس هم الشيخ الطبلاوى والشيخ نصر الدين طوبار بالرغم من أن التليفزيون الرسمى نقل الصور ولم يظهر فيها سوى مصطفى إسماعيل وعندما اتصلت بهم من أين جاءوا بهذا الكلام لم يعطونى إجابات دقيقة، وسألت والدى الذي أكد أنه الوحيد من بين المقرئين المصريين الذي تواجد في هذه الرحلة الرائعة وانتهى الموضوع بكشف زيف بعض الكتابات والأيادى التي لا يمكن أن نصفها سوى بالمستفيدة.
* ولماذا قمت بكتابة خطاب للسادات لإخباره بمشاكل المقرئين مع الشيخ محمود خليل الحصرى دون علم والدك؟
- كنت أرى أن والدى وزملاءه وقتها الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ محمود على البنا وغيرهم، لا تحضرنى أسماؤهم الآن، يعيشون في مشقة وحينما يتجمعون يقولون أشياء عن مكائد تحدث لهم ويتهمون فيها الحصرى، ولذلك قررت أن أساعدهم في تخفيف الضغط عليهم عن طريق لقائى جيهان السادات لأننى مكثت في ألمانيا 47 عاما حيث كنت مهندسا للديكور وقبلها كنت لاعبا لألعاب القوى وتعرفنى كل الجالية المصرية هناك، وأيضا السفراء جميعا وعندما حضرت زوجة الرئيس طلبوا منى لقاءها وفعلا التقيتها وقدمت لها الخطاب وكان الشيخ الحصرى يحاول أن يستخدم ابنته ياسمين الخيام في الترويج له كونها تعرف الإعلام، وأيضا كثيرا ما أزاح المقرئين من أماكن تواجدهم وهو ما ازعجنا جميعا.
* كيف كان يسير يوم والدك منذ الصباح حتى المساء؟
- كان يستيقظ قبل صلاة الظهر بعد فترة قصيرة من النوم الذي لا يتعدى 6 ساعات وبعدها يصلى ويرى شؤون المنزل ويعرف كيف تسير الأمور، ثم بعدها ينظر في جدول مواعيده ويبدأ في الترتيب له ويقرأ في القرآن ثم يقوم بعمل اتصالات مع زملاء وأصدقاء حتى يأتى وقت خروجه للعمل وكان دائما يخرج مبكرا حيث يسافر إلى أماكن بعيدة ويعود في وقت متأخر ليلا لا يقل عن الخامسة صباحا.
* ومن كانوا أقرب أصدقائه؟
- أقربهم إلى قلبه الشيخ عبدالباسط عبدالصمد ولعب معه الطاولة كثيرا والشيخ البنا، أما أصحابه من الفن فكان محمد عبدالوهاب وأتذكر أنه قد استعان بوالدى في إحدى أغنياته لوردة الجزائرية حيث استطاع أبى أن ينهى الأغنية كما يقولون ب«قفلة رائعة» وتكرر الأمر كثيرا وأتذكر واقعة شهيرة حيث كان في بهو الإذاعة وصادف تواجد أم كلثوم وعندما شاهدته وضعت يدها في يده وأخذته إلى غرفة التسجيلات وقالت له: «يا شيخ مصطفى الأغنية دى مش عارفة أقفلها مش مريحانى» وعندما استمع لها طلب منها أن تغير من نبرتها وهى تغنيها وقال لها «اضغطى على الكام حرف دول شوية» واقتنعت أم كلثوم وكانت سعيدة جدا وأيضا كان محمد الكحلاوى ومحمد قنديل ومحمد فوزى ورياض السنباطى من أشد المعجبين به وحرصوا جميعا على حضور حفلاته بجانب كوكب الشرق طبعا التي كانت تصطحب معها المغنية ملك.
* ما أكثر الأشياء التي أحبها والدك؟
- الأناقة فكان يشترى ملابسه من أفخم محلات الملابس وخاصة الساعات والروائح المستوردة وأتذكر أنه كان قبل أن ننتقل من القرية يجعلنى أساعده في تلميع حذائه وطى ملابسه في حديقة المنزل واشتهر بالبذخ على الملابس والإكسسوارات، وكان دقيقا لأبعد الحدود، وأيضا حرص على اقتناء السيارات الفارهة، وأيضا كان يحب الأكل وخاصة الحمام حيث كان مغرما به وملأ البيت بأنواع الحمام وأيضا اللحوم بجميع أشكالها والفواكه فقد كان نزيها جدا محبا للأكل بشكل كبير وكان يأكل صباحا حماما ولحوما مشوية كما عاش مرفها والدليل على ذلك أنه استقر بمنطقة الزمالك لأنه كان يستمتع بالمكان وقربه من النيل فاشترى شقة ثم غيرها، وأخذ فيلا بالزمالك وكان محبا للعقارات.
* كيف كان يرى السياسة في مصر؟
- كان مبتعدا عنها وقال لى جملة وكررها كثيرا «السياسة لعبة فلوس في فلوس» وفسرها لى بأن كل المتنافسين على المقاعد والانتخابات والسلطة يبحثون عن السلطة من أجل المال.
* ما تعليق والدك المقرئ على زواجك من ألمانية ليست مسلمة؟
- جاءنىفي ألمانيا بعد زواجى وقال لى جملة لاتزال محفورة في عقلى «أنت لم تجرم ولم تخالف الشرع في زواجك هذا وأنصحك أن تعاملها بالحسنى ولا ترغمها على دينك وانعم معها بحياة هادئة» وكان لهذه الكلمات مفعول السحر على زوجتى التي أحبته كثيرا وأهلها أيضا وهى من أسرة كبيرة ووالدها من الأثرياء لدرجة أنهم رحبوا بإقامتها معى في القاهرة عندما قررت إنهاء سفرى والعودة لبلادى، فقد كان الشيخ مصطفى إسماعيل رجلا متفتح العقل يسبق زمانه معتدل الفكر يكره التشدد والمغالاة وهو ما جعل كل من يعرفه يحترمه ويقدره.
* وماذا عن وفاته؟
- انتقل إلى جوار ربه في 22 ديسمبر من عام 1978 بعد أن انتهى من قراءة القرآن الكريم في افتتاح مسجد البحر بدمياط حيث أصيب بانفجار بالمخ وظل في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام وصعدت روحه إلى بارئها وقمنا بدفنه في المدفن الخاص به بجوار منزلنا بقرية ميت غزال بناء على اتفاق مسبق بينى وبينه لأننى كنت اقترحت عليه هذه الفكرة ووافق رحمه الله وطيب ثراه وأسكنه فسيح جناته.
ابن الشيخ مصطفي حسين
ابن الشيخ مصطفي حسين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.