مشكلتنا أننا لم نفرق بين رئيس حكومة جاء بشرعية الثوار، ورئيس حكومة هبط علينا بالبراشوت، كما كان يحدث فى عصر النظام السابق.. ونحمد الله أن القرار أصبح الآن قرارنا بعد ثورة 25 يناير، وبعد الإطاحة بالنظام.. وقد أصبح مجىء أى رئيس حكومة باختيارنا بشرط أن يكون لينا وليس عنيفا.. إنسانا وليس دمويا.. وهذا هو الذى وجدناه فى شخصية د.عصام شرف.. فكون أن الرجل يرأس حكومة بعقلية الشارع المصرى فليس معناه أن الرجل ضعيف.. ثم إن التزامه بالإرادة الشعبية لا يعد ضعفا.. فحكومته حكومة شعبية وليست حكومة بوليسية من حكومات النظام السابق حتى تكتسب سياسة البطش والتعذيب التى كانت على أيام النظام.. وكان لا يهم أن يكون لها ضحايا من الأبرياء أو معذبون من الضعفاء.. وكون أن يرفض «شرف» أن تكون حكومته واحدة من حكومات النظام.. فهو يفضل أن يتهمه الناس بالضعف عن أن يتهموه بالدموية والعنف. «شرف» يعرف أن العصمة ليست فى يده، لأن الشارع المصرى هو الذى يملك العصمة، فهو الذى يعطيه صلاحية استخدام العنف أمام الانفلات والبلطجة.. ومع ذلك يلجأ الرجل للقانون على اعتبار أن مصر الآن «دولة قانون». أنا شخصيا أعرف عن د.عصام شرف أن الرجل يتمتع بشخصية هادئة قد يفهمها الآخرون بطريقة خطأ، فالهدوء ليس ضعفا.. فقد يكون الرجل هادئا، لكن فى داخله بركاناً من الثورة أو الغضب.. ثم من الذى قال إن الرجل كان هادئا منذ تحمله المسؤولية؟.. فقدره أن يصبح رئيسا لحكومة انتقالية فى فترة حرجة جدا، تتعرض فيها البلاد إلى الفوضى والانفلات الأمنى.. وكأننا نطالبه بأن يكون مسؤولا عن الانضباط، وعن تحقيق الرخاء، وتحقيق مطالب الضعفاء والفقراء، الذين يخرجون فى مظاهرات فئوية فى توقيت واحد. من الظلم أن نتركه وحده حتى يغرق ويغرق.. إنه يصارع الأمواج.. فهو يقود سفينة تتخبط فيها الرياح فتلقى بها مرة ناحية اليسار ومرة ناحية اليمين، وهو بكل قوته يضبط «الدفة» حتى تأخذ طريقها إلى بر الأمان.. يبذل قصارى جهده للهروب من العواصف والحيتان.. لينجو بالسفينة بركابها، وساعتها نقول إننا الآن فى أمان. لقد أحزننى أن الرجل بحكومته يحاول أن يناطح السحاب ليعبر بمصر إلى بر الأمان.. يمد يده إلى الشارع المصرى ويطالبه بأن يسانده.. على الأقل أن يتوحدوا- مسلمين وأقباطاً، وأن يعم الأمن والأمان بينهم.. وتتطبع قلوبهم على المحبة وهم ينبذون الفتنة الطائفية التى تدمر الوطن. د.عصام شرف ليس مسؤولا عن همس الضعفاء، الذين ينشرون الشائعات ليمزقوا نسيج وطن بقلوب لا تعرف إلا الضلال.. وعقول تخطط للشر ونفوس مريضة تبث الفتنة والتفرقة.. فكلنا هذا الرجل.. مسؤوليتنا أن نتصدى لهؤلاء الضعفاء.. ليست مسؤوليته وحده على أنه رئيس حكومة.. فالشعب بجميع طوائفه مطالب بأن يحمى ثورته. وكون أن الحكومة تعلن أن مصر أصبحت أمة فى خطر.. فهذا تحذير وإنذار لكل المصريين، لمواجهة هذا الخطر الذى يهدد أمن الوطن.. وعلينا أن نفهم هذه الرسالة.. وعلى الأقلام أن تتوخى الدقة فى النشر، فلا داعى لشحن الصدور.. إن الكلمة الطيبة فى هذا التوقيت أفضل من كلمات الإثارة. وكون أن رئيس الحكومة يجتمع برؤساء تحرير الصحف، فهو يعرف أن الكلمة أمانة.. وأن الكلمة المطبوعة أخطر من الكلمة المسموعة.. وأن الشعب أصبح بعد الثورة يرى تغييرا فى صحافته، بعد أن تغيرت صحف الحكومة وأصبحت لسان حال الشعب وليست لسان حال الحاكم، لأن الثورة أسقطت الحكام والحاكم، ولم يعد فى مصر إلا شعب وحكومة وجيش، وأصبح الشعب هو الحاكم والمحكوم. لذلك، أقول إن مصر فى عيونكم، فلا تنهشوا فى جسدها.. ولا تجعلونا «لبانة» عند إخواننا العرب، الذين لا يتحدثون إلا عن الفوضى التى أصابتنا.. غيّروا صورتنا عند العالم وعودوا بنا إلى الأيام الأولى لانتصار ثورتنا، يوم أن كان العالم يشيد بحضارتنا، ويتحدث عن هذا الانتصار. مصر ليست نشرات الفساد التى تفردها كل يوم الصحف القومية.. فالفساد عرف طريقه الآن للحساب أمام القضاء، فلا داعى أن يكون هو الموضوعات الرئيسية لصحافتنا.. أمنيتنا أن نستعرض برامج للتنمية والبناء، أفكاراً لشبان لكى يزدهر اقتصادنا ونخرج من أزماتنا. إن تصريحات «شرف» الأخيرة هى إنذار، وكلامه ليس هذاراً فكونه يكشف حجم العجز الذى أصاب الموازنة العامة والذى بلغ 149.5 مليار جنيه فهذه كارثة.. والكارثة الكبرى أن تعترف الحكومة بأن العجز البشرى فى جهاز الشرطة له أثره على المستثمرين المصريين والمستثمرين العرب.. يعنى بصريح العبارة: مطلوب منا أن نساند جهاز الشرطة.. نأخذ بيده ولا نحبطه.. إن العطاء مطلوب من أجل عيون مصرنا التى هى أمى وأمك. [email protected]