مما لا شك فيه أن الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء رجل بطولي لأنه قبل أن يكون علي رأس الحكومة المصرية في ذلك الوقت العصيب ، الذي يخشي أي شخص في مصر أن يتولي فيه ذلك المنصب الحساس الذي يتصدي لكافة المشاكل والأزمات التي تواجهها البلاد ، كما إنه سيكون في مواجهة التحديات والنقد اللاذع والاتهامات المختلفة من شتى التيارات الشعبية والسياسية في طول البلاد وعرضها . ففي الوقت الذي تخلصت فيه مصر من عصر مليء بالفساد والظلم والقهر وجاءت الثورة الشعبية في الخامس والعشرين من يناير لتخرج الجميع إلي الشوارع ليعبروا عن آراءهم التي ظلت مصادره خلف براثن الخوف من بطش المسئولين في النظام السابق ، وجاء عصر الحريات ليتحول المصريون من مشاهدين للأحداث لمتحكمين ومحركين لها ، ومراقبون وناقدون أيضا لكل الأحداث الدائرة في البلاد ، الأمر الذي يزيد من صعوبات كل من يتولي منصباً في إدارة شئون البلاد في الوقت الحالي . إنها معادلة عسيرة الحل وقاسية الملامح أمام كل من يحاول فك الشفرات وإرضاء جموع الشعب علي اختلاف فئاته وأطيافه ، وهو الأمر الذي أعاد إلينا نظرية العصا والمزمار التي اعتدنا علي سماعها في العصور السالفة ، والتي كان يتحجج بها المسئولين السابقين مؤكدين أن الشعب المصري لا يمكن أن يحكم بالديمقراطية والحريات وأنه لا بد وأن يحكم بالقسوة والشدة ، وهو ما يردده البسطاء من الشعب الآن في كل مكان مع تزايد حالات البلطجة والحوادث المختلفة ، وعدم التزام المواطنين بالقانون والتهاون في حقوق الدولة وضوابطها . وقد قيلت تلك المقولة الشهيرة منذ عصور وهى " أن الشعب المصري مزمار يجمعه وتفرقه العصا " في تحليل لطبيعة الشعب المصري ، وهو ما كنا نرفضه جميعا قبل ثورة 25 يناير إلا أننا بدأنا نراجع أنفسنا مع تزايد أعداد البلطجية ومخترقي القانون والمعتدين علي حقوق الدولة وحقوق الغير ، وهو ما جعلنا نقارن بين فترات الحكم السابقة والفترة الحالية ، والتي بدأ الكثيرون يطالبون فيها بضرورة الحكم العسكري للبلاد لفترة من الوقت لإعادة هيبة الدولة وإعادة الانضباط إلي الشارع المصري . كذلك بدأنا نرى المقارنات بين حكومة الدكتور عصام شرف الذي يواجه وحكومته انتقادات لاذعة من مختلف الفئات والأطياف ، فهناك من ينتقد تهاون الحكومة الحالية في بعض الملفات وهناك من يتهمها بالضعف وعدم القدرة علي اتخاذ القرار المناسب في الوقت والمكان المناسبين ، وهناك من ينتقد الدكتور شرف نفسه معتبرا أنه رجل ذو شخصية لها أبعاد إنسانية تعجز عن التعامل مع أفكار ورؤى الشعب المصري " الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب " حسبما يقول البسطاء في الشارع . الناشط السياسي أمين اسكندر وكيل مؤسسي حزب الكرامة أكد أن هناك شلل تام في التفكير وعجز عن إدارة البلاد من جانب حكومة شرف .. مشيراً إلي أن شرف لم يقدم أي تصور للمرحلة المقبلة سواء الخارجية أو الداخلية، والأمور الحالية تتم بممارسة تقليدية وتتم برؤية وتصور النظام السابق، وهذا واضح في التصور الاقتصادي، فهو قائم على فكرة الاستثمار فقط، ومن المفترض وضع تصور لخطط التنمية ومعرفة حجم البطالة في مصر وغيرها من الأمور الاقتصادية التي يتوقف عليها مستقبل البلاد. وطالب إسكندر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن يحكم البلد بشكل حقيقي ويضع حدًّا للفوضى الحالية، و لابد أن يعلم أيضا أن الشعب هو السيد وهم موظفون لدى الشعب .. لافتا إلي أن الثورة لم تقم لإسقاط نظام ويعم بعدها الخراب ، وإنما قامت للتطهير وانتخاب رئيس جمهورية جديد .. مؤكدا أن ما يحدث الآن أن الأمور تسير بنوع من البركة وعلى نهج السياسة القديمة للرئيس السابق، مطالبا بوضع خطوط عريضة لبعض القضايا التي تمس أمن واستقرار مصر، منها انتخابات مجلس الشعب ، وإقرار الحد الأدنى للأجور والتمنية الاقتصادية. وعلي الناحية الأمنية أكد إسكندر على أن جهاز الشرطة به تقصير شديد في الأمن الداخلي للبلد، مطالبًا بفتح باب التقديم من كليات الحقوق لأكاديمية الشرطة في حال قلة عدد الضباط وعدم سيطرتهم على الأمن الداخلي والقضاء على البلطجية في الشوارع. ومن ناحيته هاجم المحامي القبطي ممدوح رمزي حكومة الدكتور عصام شرف وعلى رأسها رئيس الوزراء الذي وصفه بالهزيل غير القادر علي اتخاذ القرارات الحاسمة .. مؤكداً أن شرف لا يصلح لهذا المنصب وأنه ليس لديه قدرة علي التخطيط للمستقبل أو إدارة البلاد في الفترة العصيبة التي تمر بها مصر. وأضاف رمزي أن حكومة شرف ليس لديها حياء ولا شجاعة لأنها لو كان عندها شيء من هذين لتقدموا بالاستقالة الفورية بعد أحداث قنا التى فشل في أن يقوم خلالها بتعيين محافظ جديد للمحافظة ، وما تبعها من أحداث طائفية كأحداث إمبابة .. مشيراً إلي أن حكومة عصام شرف فاشلة وتشبه النظام البائد الذي كان يتسم بعدم الاهتمام بآراء من حوله وكأنه يحيا بمفرده. ومن هذين الرأيين يتضح لنا الصعوبات التي ستواجهها أي حكومة ستقود مصر في الفترات القادمة ، حيث إننا قد نسينا حكومة نظيف التي كانت تخرج لسانها للشعب وتقول لنا أنها حكومة بلا ذراع حتى يلوى بالاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات ، وكنا وقتها نصرخ في كل مكان باحثين عن مخرج من تلك الحكومة وسابقيها ومن بطشهم لمن يواجههم ولو بالرأي ، وهو الأمر الذي يفتح عدد من الأسئلة التي لا نجد لها حلولا " أليس رئيس الوزراء الحالي هو الرجل الذي أتى به الثوار دونا عن غيره من السياسيين ؟ ألسنا كنا ننادى برجل قريب من الشعب .. طيب القلب .. يشعر بما نعانيه ؟ أليست الحريات المتاحة هي ما كنا ننادى به ؟ وهل نحن فعلا غير مستعدين للديمقراطية ؟ أم أننا فعلا شعب يجمعه المزمار .. وتفرقه العصا ؟ هل العيب في الحكومات المتعاقبة أم في الشعب المصري ؟ .. كلها أسئلة تبحث عن إجابات فهل تستطيع الأيام العصيبة المقبلة أن تجيب عنها