شلاليت ممدوح مرعى

فى الفترة التى تولى فيها المستشار الراحل ممدوح مرعى التفتيش القضائى على المحاكم، شهد العمل فى الجهاز القضائى انضباطاً لم يسبق له مثيل ربما فى تاريخنا القضائى بأكمله!، والواقع أنه (طبقاً لما سمعته من أكثر من مصدر موثوق) كان يتبع أسلوباً غريباً فى التعامل مع أى قاض يسفر التفتيش عن ارتكابه لخطأ مهنى جسيم، فقد كان يقوم باستدعاء المخطئ إلى مكتبه، ويواجهه بالخطأ الذى ارتكبه، فإذا لم يقدم تفسيرا قانونيا مقنعا كان ينهال عليه ضربا بالشلاليت!، منذرا إياه بأنه إذا تكرر من جانبه ذلك، فسوف يقوم فورا بإحالته إلى لجنة الصلاحيات التى قد تقرر عدم صلاحيته للمهنة، فتنتهى بذلك خدمته كقاض!، ولم يكن القاضى المخالف الذى يتعرض للضرب بالشلاليت ليتجرأ على القول بأن ما قام به رئيس التفتيش القضائى هو جريمة ضرب!، وأنه يتمسك بحقه باعتباره مجنيا عليه فى تلك الجريمة، لم يكن ليتجرأ على القول بهذا لأنه يعلم أن البديل القانونى هو إحالته إلى لجنة الصلاحيات وفقدانه من ثم لمنصبه!!.
هكذا أصبح كل قاض فى ظل تولى ممدوح مرعى للتفتيش القضائى حريصا كل الحرص على ألا يجد نفسه فى موقف كل الخيارات فيها صعبة ومريرة: إما أن يتعرض لشلاليت ممدوح مرعى، أو أن يقدم استقالته، أو أن يحال إلى لجنة الصلاحيات!!.
والواقع أنه لم يكن بين ممدوح مرعى وأى قاض من القضاة أى إِحَن أو ضغائن شخصية، بل على العكس من ذلك لم تكن تربط بينه وبينهم إلا عرى المودة والتقدير المتبادل طالما أنهم يؤدون واجباتهم كما ينبغى أن تؤدى، ويسطرون أحكامهم كما ينبغى أن تسطر، فإذا ما غاب هذا الشرط فإن المودة مهما اشتدت لم تكن لتعصم أحدا من شلاليته!.
إذن هو ينتمى إلى إحدى مدرستين فى الإدارة، أولاها ترى أن الرئيس الإدارى ينبغى عليه فى كل الأحوال أن يلتزم بالإجراءات التى ينص عليها القانون ولا يتصرف خارج هذا الإطار بغض النظر عن النتائج، أما المدرسة الثانية فترى أنه وإن كان الالتزام بالإجراءات القانونية هو الأصل، فإن هناك من الحالات والمواقف ما يكون فيه الالتزام الحرفى بالإجراءات القانونية (التى تتسم عادة بالبطء والتعقيد)، مؤديًا إلى ضرر جسيم بالمصلحة العامة يصعب تداركه أو محو آثاره، ومن ثم فإن الرئيس الإدارى المقتدر ينبغى عليه أن يوائم بين مصلحة المجتمع فى التمسك بالإجراءات القانونية والتى هى أصل عام، وبين مصلحة المجتمع فى الخروج عن هذه الإجراءات واتباع إجراءات (ثورية) فى الحالات الاستثنئاية التى يتطلب فيها الأمر ذلك!، وفى ظنى أن ممدوح مرعى كان من أتباع تلك المدرسة الأخيرة.
غير أن الخطأ الفادح الذى ارتكبه ممدوح مرعى عندما تولى وزارة العدل، ولم يكن يستهدف منه أى مأرب شخصى، ولكنه كان يستهدف فحسب زيادة الموارد المالية للدولة، تمثل فى إصداره للكتاب الدورى رقم 2 لسنة 2009 الذى يقضى بأن رسوم القضايا تسوى طبقا للطلبات الواردة فى صحيفة الدعوى، وذلك الكتاب مخالف تماما لقانون الرسوم القضائية الذى ينص بوضوح لا لَبس فيه على أن الرسوم تسوى فى جميع الأحوال طبقا لما يحكم به، وبالتالى فإن من يخسر الدعوى لا يكون قد حكم له بشىء، ومن ثم لا يستحق عليه شىء... رحم الله ممدوح مرعى رحمة واسعة بكل ما له وما عليه.
nassarabdalla@gmail.com