مذيع الإمارات!

تتحدث صحف دولة الإمارات هذه الأيام عن المذيع يعقوب العوضى، والمواطن على المزروعى، الأب لتسعة أبناء، وعما حدث بينهما فى الإذاعة!
فالمواطن اتصل على راديو إمارة عجمان، إحدى إمارات الدولة السبع، يشكو إلى المذيع ارتفاعات الأسعار، ويقول إنها صارت فوق قدرته على الاحتمال، وفوق طاقة الكثيرين من المواطنين محدودى الدخل، وأن دخله عاجز عن الوفاء باحتياجاته!. ولكن العوضى قاطع المواطن أكثر من مرة، وطلب منه أن يتحدث عن نفسه، وألا يُعمم القضية التى يعرضها فى البرنامج الإذاعى على الهواء، لأنها مسألة تخصه!.. ومن الواضح أن نوعاً من الشد والجذب قد وقع بينهما، وأن المزروعى بدا الطرف الأضعف فى الحوار، وأن المذيع استقوى عليه!
وبسرعة، كان الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة وحاكم دبى، قد طلب توفير احتياجات المواطن خلال 24 ساعة، مع رفع تقرير إليه بذلك، ثم طلب من وزيرة تنمية المجتمع إعداد تقرير عن احتياجات محدودى الدخل، لعرضه فى أول اجتماع لمجلس الوزراء الذى يترأسه، على أن يكون التقرير مصحوباً بتقرير آخر يوضح الطريقة التى يمكن بها توفير هذه الاحتياجات!
وبدت قضية المزروعى، التى بدأت خاصة وتحولت إلى عامة، وكأنها كرة من الثلج كلما تدحرجت تضخمت وتضاعف حجمها!
فالشيخ حميد النعيمى، حاكم عجمان، أصدر قراراً بوقف المذيع عن العمل، وقال إن المذيع.. أى مذيع.. لا يجوز أن يضع نفسه نداً للمواطن فى مثل هذه الحالة، لأن إحدى وظائف الإعلام أن ينصت إلى هموم الناس فى تواضع، وأن ينقلها بأمانة إلى صاحب القرار!
وخلال ساعات من الواقعة، تحوّل المواطن الذى استقوى عليه المذيع إلى نجم فى الصحافة، تنافس أخباره أخبار منتدى الإعلام العربى الذى ينعقد فى مثل هذا الوقت من كل سنة، وراحت الصحافة تتحدث مع الرجل وتنقل عنه انطباعاته حين استقبله الشيخ النعيمى، وحين دعته الإذاعة إلى زيارتها، وحين زارها فعلاً، وحين التقى فيها المذيع الذى راح يقبّل رأسه ويعتذر عن خطأ وقع منه دون قصد!
وقال المواطن، فيما قال، إنه أسعد الناس، لأن شكواه صادفت هذا القدر من الاهتمام، ولأن الاهتمام ليس به وحده، ولكن بكل الذين يعيشون من المواطنين ظروفاً مماثلة لحياته!
ولاتزال القضية تتفاعل وتتكشف فيها زوايا جديدة كل يوم، ولاتزال تمتلئ بالدروس على كل مستوى.. مستوى الإعلام بالذات.. ومستوى السياسة عموماً.. ثم مستوى الحياة التى يعيشها المواطنون بعيداً عن عين الحاكم فى كل دولة بشكل أعم، وليس فى الإمارات وحدها!
وإذا كان فيها من درس على المستوى الإعلامى، فهو أن الإعلام ليس مطلوباً منه أن يُجمّل الصورة.. ولا أن يُقبّح منها طبعاً.. وإنما أن ينقلها بصدق إلى المسؤول الأعلى، دون أن يضيف إليها ولا أن ينتقص منها!.. فالإعلام الأمين عون للحاكم، ونورٌ فى طريقه، حتى وإنْ نقل إليه أشياء قد لا تُريحه.. والإعلام غير الأمين عبء على الحاكم، فى المقابل، وإنْ تجنب ما يضايقه!.