مازال الدعوي و الحزبي مختلطيْن داخل الإخوان .. أعضاء "الشورى" فرحون جداً بعبارت مثل: "الإخوان هيئة إسلامية جامعة"، و "للإخوان مشروع نهضوي عالمي" .. و هي عبارات يسهل تمريرها و تبدو انتصاراً للإسلام نفسه، و يستحيل إقناعك كم هي خطيرة و تجعل الدعوة رهينة بفريقٍ سياسيٍ إذا علا علت و إذا دنا دنت .. يقولون كذلك أن الملف السياسي للجماعة باقٍ كما هو (لماذا الحزب إذن؟!) .. رئيس و نائب رئيس و أمين عام الحزب سيبقون أعضاء بمجلس شورى الإخوان، ثم يؤكدون لك أن الحزب -بعون الله- سيكون "مستقل"! .. و هذه خرافة لا يمكن تصديقها .. أولئك السادة -أقولها بصراحة- يكذبون بجُرأة مدهشة، "كذِبٌ" بمعناه الأصلي و النقي، يكذبون و هم يعرفون أنهم يكذبون! .. إنّ بيني و بين الإخوان عِشْرة، و أنا أقرب لداخل الجماعة من خارجها، لكنّ هذا لا يمنعني أن أقول الآن ما أقول، فالوطن أهم و أوْلَى من أولِي القربى . لن يسمعونا مهما قلنا .. إنهم يشعرون الآن أنهم يُديرون شئوناً خطيرة، بعضها عابرٌ للحدود .. و "الصغار" أمثالنا لا يدرون ثُقل ما على كواهلهم طبعاً! .. هم الذين عبروا بالجماعة عهودَ الحديد و النار و أيامَ المحن الرهيبة، أعانهم الله! .. و الحقُّ أنني أقرّ بكثيرٍ من ذلك، لكنّ إحساسهم هذا بفضلهم يجعلهم مستبدين خَطِرين، يؤذون فكرتهم و يركبون قواعدهم .. و إلا فلماذا لم يُصدروا للجماعة لائحةً داخلية جديدة محترمة، و يجروا انتخابات مكتب الإرشاد و المكاتب الإدارية على أساسها؟ و لماذا اختاروا للحزب رؤساءه بأنفسهم بدلَ الرجوع لهيئته التأسيسية؟ .. أيامُنا هذه فرصة لتصبح الجماعة عضواً طبيعياً بجسم الوطن، لا وَرَماً ناتئاً .. لكنهم يجعلونها فرصة للتكاثر و الاستحواذ . الجماعة و الجيش "منسجمان" جداً الآن .. لكنّ هذا ربما يتغير بانتهاء المرحلة الانتقالية .. و عندها سيصبح جسم الإخوان المركب (جماعة عقائدية لها واجهة سياسية) مُقلقاً لحكام مصر الجدد، بعد أن كان مُعيناً لهم على ضبط البلد .. و ربما يأتي يومٌ تضغط فيه أمريكا على الجيش و مندوبِه المدني (الرئيس القادم) للحد من نفوذ الإخوان .. و يومَها لن يتضرر حزب "العدالة و الحرية" وحده .. إنما -كالمعتاد- سيصيب الدعوةَ حينها أذىً كثير، فهي رصيدُ الحزب وأصلُه و منبعُه .. فتعود حرب المساجد، و تُتهَم مظاهر التدين، و يُحاصر المحتوى الديني في الإعلام، و هلمّ جرا .. و هنا أسأل: ألهذا خرجنا إلى ميدان التحرير؟! .. أهذا ما أردناه: أن نعود من بعدِ الثورة لنفس النقطة؟! .. ألم نفهم بعدُ أنّ تحرير الدعوة من عبء المنافسات السياسية أنفع لرسالتنا و للمجتمع؟! الدعوة تُعطي صاحبها رصيدَ احترامٍ و ثقة لدى الناس .. و من يستخدم هذا الرصيد لكسب صوتٍ أو حجز مقعدٍ في مجلس نيابي فهو كمن يأكل بدينه، يشتري به عَرَضاً من أعراض الدنيا .. و من يستبيح هذا و هو يظن أن "انتصار الإخوان انتصارٌ للإسلام" فقد ضلّ لا شك .. الإسلام أكبر من أي جماعةٍ مهما كانت عريقة و مهما كان أبناؤها صالحون أتقياء .. و الإخوان مجموعة أنشأها مجتمعها لتقوم له بوظيفة، لتدعو إلى طريقةٍ مستقيمةٍ وسط، لكنها ستزول كما زال غيرها، و يبقى الإسلام .. و لو اختفت الإخوان غداً لصنع المجتمع كياناتٍ غيرَها تقوم بما كانت تقوم به، و بما لم تقم به . خِلنا أنّ الرشد داخل الإخوان يغلب .. أمِلنا أن تصبح الجماعة التي نحبها جمعية دعوية تضم الإخوان و غير الإخوان، تنشر الدعوة البريئة، تخدم كل المجتمع، و لا تنصر تياراً سياسياً على آخر .. و بجانبها حزب سياسي يضم الإخوان و غيرهم، لا يستدرّ عطف الناس بشعار ديني (ليبق الدين في الضمير، لا على بوستر الدعاية)، و لا يستخدم مرافق الجمعية و لا مواردها المالية و لا تختلط عضوية قيادته بعضويتها .. لكن "شورى الإخوان" أجهض أملنا، و أعاد إنتاج نفس "الإخوان" القديمة . -------------------------------------------------------- أسامة درة..مؤلف كتاب: "من الإخوان.. إلى ميدان التحرير"