مذكرات «مسجل سفر»: إحنا بتوع الورنيش «2»

ما أن دخلت مكتب الباشا مأمور قسم شرطة الأزبكية «ذات نفسه بشحمه ولحمه ودبابيره وشورته وفانلته وكابه»، إذ كان يجلس حينها «على راحته حبتين»، واضعاً ساقاً على ساق، ويداً على قفا أحد المتهمين، المقبوض عليهم فى قضية اغتصاب، حاملاً على رأسى أحذيته الكريمة، بعد أن توليت تلميعها.
وما إن دخلت حتى وقف لى الرجل، وكأننى حكمدار العاصمة، ثم أمسك بالحقيبة، ووضعها فى «الهانم الجزمجية»، بعد أن نحى فردتين جانباً، وخلع «الشبشب»، وارتداهما، وهو فى غاية السعادة، ولولا أنه مأمور قسم الأزبكية شخصيا، لظننت أنها كأنت المرة الأولى له التى يرتدى فيها حذاء.
عزمنى على شاى، ثم منحنى كارته الشخصى وكان يحمل أرقام هاتفه فى العمل والمنزل، وقال لى «أى حاجة تحتاجها تعالى لى بدون تردد»، ثم طلب منى زيارته فى منزله، مرة كل أسبوع، «لزوم تلميع أحذيته، وبالمرة جزم الهانم الكبيرة والصغيرة، وكان ناقص آخد هدوم العيلة بالمرة فمين»، وفى أول مرة زرت فيها منزل «الباشا»، كنت لا أصدق حتى إننى كدت أطلب من «عم عجيب»، طباخ المنزل، أن «يصفعنى على وجهى»، لأصدق أننى لست فى حلم.
وبعد أن عدت إلى الميدان، سألنى «عم أحمد»، بائع الإكسسوارات المضروبة «كنت فين يا لبيسة»، فأجبته «كنت عند الباشا المأمور»، وحكيت له عن كوب الشاى، والكارت المدهب، والمقابلة «اللى تشرح النفس»، ثم أخرجت الكارت من جيبى، وما إن رآه حتى قال لى «يا ابن المحظوظة، ده إنت ها تودع أيام الفقر قريب».
وكان «عم أحمد» قصير القامة، سليط اللسان و«ما بتتبلش فى بقه فولة»، إذ كان الميدان من أوله لآخره بعد دقائق، علم بلقائى الودى مع المأمور، حتى إن أحدهم طلب وساطتى عند «الباشا»، لإطلاق سراح أحد أقاربه، الذى ألقى القبض عليه متلبساً بسرقة مهمات السكة الحديد، من محطة مصر.
وفى اليوم التالى وما إن انتهيت من عملى بعد العصر، حتى وجدت سيارة المأمور تتوقف أمامى، ويهبط منها بسلام ويقبلنى، قبل أن يمنحنى سيجارة ويشعلها لى، ثم يضع ما تبقى من العلبة فى جيبى ويربت على كتفى برفق وهو يقول لى «مستنيك الليلة فى البيت اوعى تتأخر».. وما إن ذهب المأمور حتى أتى الباعة والسائقون من كل حدب وصوب، يصافحوننى ويقبلوننى، وحين أقسم أحدهم بالطلاق أن كل مشاريبى، طوال فترة وجودى بالميدان ستكون على حسابه، رد آخر وأقسم أن كل مصاريفى طوال فترة دراستى بكلية الحقوق ستكون على حسابه، ثم منحنى أحدهم مفتاح حجرته الخصوصى فى السبتية، لأعيش فيها بدلاً من نومى على «التلتوار»، وفوجئت برابع طلبت منه ذات مرة سيجارة سلف لكنه اكتفى بالبصق على وجهى، يدس فى يدى علبة سجائر وساندويتش «بلوبيف».
hotmailhot@yahoo.com