لاتزال تركيا تحكم وفق دستور 1982 الذي صكته المجموعة العسكرية التي قامت بانقلاب عام 1980، وصوت الناخبون الأتراك لصالحه بنسبة 91.4%، ورغم إجراء 18 تعديلاً دستوريًا على هذا الدستور، 9 منها في عهد حزب العدالة والتنمية، تناولت 108 مواد فيه، إلا أن البلاد تنتظر التصويت مجددًا على تعديلات توسيع صلاحيات الرئيس رجب طيب أردوغان، ومنحه سلطات كاسحة تبقيه في منصبه حتى 2029، وصولاً إلى زيادة عدد النواب، ويعتبر الاستفتاء الحالى أهم الاستفتاءات التي مرت في تاريخ الجمهورية التركية، والأكثر حساسية بينها، إذ يتضمن تغيير نظام الحكم من برلمانى إلى رئاسى، كما سيؤدى إلى أكبر تغيير في نظام الحكم في تركيا منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة قبل نحو قرن، إذ يستبدل بالنظام البرلمانى نظام رئاسة تنفيذية. وتتكون التعديلات من 18 مادة، جزء منها عام مثل مواد رفع عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600، وخفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن كل 5 سنوات، وإلغاء المحاكم العسكرية، وتنظيم انتخابات «هيئة القضاة والمدعين العامين»، أما الجزء الآخر والأهم فهو الخاص بالتحول للنظام الرئاسى، أي شروط الترشح للرئاسة وصلاحيات الرئيس وآليات محاكمته والعلاقة بين المؤسسات المختلفة سيما الحكومة والبرلمان. استفتاء تركيا وتعتبر المعارضة أن التعديل الدستورى يهدد الديمقراطية والحريات في البلاد ويغير نظام الدولة وليس فقط نظام الحكم، ويحذر حزب الشعب الجمهورى، أكبر أحزاب المعارضة، من الصلاحيات الواسعة المعطاة للرئيس معتبرًا أنها ستفضى إلى حكم الفرد وإلى «الديكتاتورية الديمقراطية»، بينما يؤكد الحزب الحاكم في المقابل أن مقترح النظام الرئاسى الذي أعده وقدمه ليس فيه ما يخيف المواطن، بل يعزز من الديمقراطية ويضمن مبدأ الفصل بين السلطات ويحدد من صلاحيات الرئيس ويزيد من مسؤوليته أمام الشعب. وتتمثل أبرز التعديلات في تعزيز صلاحيات أردوغان، حيث تقضى بمنح سلطات تنفيذية معززة للرئيس الذي سيتمكن من تعيين وإقالة الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين، كما سيلغى منصب رئيس الوزراء الذي يتولاه حاليا بن على يلديريم، ليعين رئيس الدولة نائبا أو أكثر له عوضا عنه، وستسمح التعديلات للرئيس أيضًا بالتدخل مباشرة في عمل القضاء، كما سيناط بالرئيس اختيار 6 أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين الذي يتولى التعيينات والإقالات في السلك القضائى، فيما يعين البرلمان 7 أعضاء، وكذلك ينص على إلغاء المحاكم العسكرية التي سبق أن أدانت ضباطا وحكمت على رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس بالإعدام إثر انقلاب 1960. وتقضى التعديلات بفرض حالة الطوارئ حصراً عند حصول «انتفاضة ضد الوطن»، أو «أعمال عنف تهدد بانقسام الأمة، كما أن الرئيس سيكون صاحب قرار فرض حالة الطوارئ قبل عرضه على البرلمان، الذي يحق له اختصارها أو تمديدها أو رفعها عندما يرى ذلك مناسبا، كما يحدد المدة الأولية لحالة الطوارئ ب6 أشهر، وهى تفوق المدة السارية حاليا ب12 أسبوعا، ويستطيع البرلمان لاحقا تمديدها بطلب من الرئيس ل4 أشهر كل مرة». وفيما يتعلق بالبرلمان، سيزيد عدد النواب وفقاً للتعديلات من 550 إلى 600، مع خفض الحد الأدنى لسن ترشحهم من 25 إلى 18 سنة، وتنظيم انتخابات تشريعية مرة كل 5 سنوات بدلا من 4، وبالتزامن مع الاستحقاق الرئاسى سيحتفظ البرلمان بسلطة إقرار وتعديل وإلغاء القوانين والتشريعات، وستكون لدى البرلمان صلاحيات الإشراف على أعمال الرئيس، لكن الأخير سيحظى بسلطة إصدار المراسيم الرئاسية حول كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية، ولا يمكن في المقابل للرئيس إصدار مراسيم في مسائل بت بها القانون، وإذا اتهم الرئيس أو حامت حوله شبهات بارتكاب جنحة، فيجوز للبرلمان أن يطلب فتح تحقيق على أن يكون ذلك بأغلبية ثلاثة أخماس الأعضاء. وعن التساؤلات حول بقاء أردوغان رئيساً حتى عام 2029، تنص التعديلات على تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بشكل متزامن في 3 نوفمبر 2019، وسينتخب الرئيس لولاية من 5 سنوات يمكن تجديدها مرة واحدة، ولن يكون مرغماً على قطع علاقاته مع حزبه، وفى حال بدأ تطبيق المادة المتعلقة بالعدد الأقصى للولايات الرئاسية اعتباراً من 2019، فقد يبقى أردوغان في السلطة حتى عام 2029 إذا انتخب مجدداً في 2024.
