رضا الطايفى يكتب: تخلى كوريا الشمالية عن طموحاتها النووية بداية لإحلال السلام

رغم تحذيرات المجتمع الدولى المتكررة لكوريا الشمالية بالتوقف عن إطلاق الصواريخ الباليستية، تمضى «بيونج يانج» قدماً فى تجاربها الصاروخية المتهورة، وكان آخرها فى 12 من فبراير الجارى، بإطلاقها صاروخاً باليستياً. والآن بات السلام فى منطقة شمال شرق آسيا، وبالأخص على شبه الجزيرة الكورية، مهدداً من جديد، وعلى نحو خطير. وكانت كوريا الشمالية قد أجرت تجربتين نوويتين وأطلقت 24 صاروخاً باليستياً العام الماضى. وكدبلوماسى خدم فى كل من الكوريتين، أشعر بالأسف الشديد لتزايد هذه التوترات على شبه الجزيرة الكورية مرة أخرى.
مقالات متعلقة
* يريدونها «كوريا الشمالية».. لكن هيهات فمصر مختلفة
* نموت نموت وتعيش كوريا الشمالية
* مينا بولمان تكتب: كوريا الشمالية تقرب بين اليابان والصين رغم الخلافات
ومن جهة أخرى، يعتبر المحللون أن محور القوة ينتقل من الغرب إلى الشرق، حيث دول آسيا التى تقود ازدهار الاقتصاد العالمى، وتشكل منطقة شمال شرق آسيا، التى تقع فيها الكوريتان، 21% من الاقتصاد العالمى، وتوصف فى الوقت نفسه بأنها قاطرة للنمو العالمى. ولكن مما يرثى له أن كوريا الشمالية لاتزال تتمسك بالهوس النووى، ضاربة عرض الحائط بكافة القرارات الدولية، وأجواء السلام والازدهار التى تعم المنطقة.
وفى الحقيقة أن هناك صراعا محتدما يكتسى بطابع جيوسياسى على شبه الجزيرة الكورية، بين أربع قوى عالمية. ومن المؤكد أن مغامرات كوريا الشمالية نحو تطوير الأسلحة النووية والصواريخ سوف تؤدى إلى تأجيج التوترات الإقليمية، علاوة على فتح الباب أمام سباق تسلح بين جيرانها. وبالفعل فإن دول المنطقة باتت فى وضع حرج يستحيل معه أن تتردد فى اتخاذ التدابير المضادة للدفاع عن نفسها والحفاظ على وجودها ضد تهديدات الصواريخ النووية لكوريا الشمالية. والمثال العملى على هذا التوجه الحتمى هو اعتزام كوريا الجنوبية نشر منظومة دفاع جوى مضاد للصواريخ (ثاد) كتدابير استراتيجية، رداً على الاستفزازات غير المسبوقة من جانب جارتها الشمالية.
إن التجارب النووية وإطلاق كوريا الشمالية للصواريخ الباليستية لا يهدد الاستقرار والسلم فى شمال شرق آسيا فحسب، ولكن أيضاً يشكل خرقاً للأعراف والمواثيق الدولية، ومن بينها قرار مجلس الأمن الصادر برقم 2270، فى مارس الماضى. لقد شدد مجلس الأمن والمجتمع الدولى العقوبات على كوريا الشمالية كى تفى بالتزاماتها الدولية وتتخلى عن جميع الأنشطة المتعلقة بتطوير الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية بشكل كامل لا رجعة فيه. ومع ذلك تمضى كوريا الشمالية قدماً فى إطلاق الصواريخ الباليستية من جديد. وعلاوة على ذلك من المحتمل أن تسعى أيضاً لإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات. والواقع أن المجتمع الدولى قد يسمح للدول ذات السيادة بتجربة إطلاق الصواريخ الباليستية عابرة القارات، ولكن توجه كوريا الشمالية نحو تطوير الأسلحة النووية والصواريخ يشكل تهديداً صارخاً للسلم والأمن الدوليين. ولذا فإنه ينبغى على المجتمع الدولى أن يتصدى بكل قوة للخداع المستمر من جانب كوريا الشمالية بمواصلة تجاربها الصاروخية والنووية.
إن الوصول إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية هو التزام وحلم ينشده كافة أعضاء المجتمع الدولى، وهو أيضاً ما تطمح إليه بشدة دول منطقة الشرق الأوسط. ولذا فمن الطبيعى أن يكون لدى دول منطقة الشرق الأوسط مخاوف من احتمالية وصول أسلحة الدمار الشامل لأيدى الإرهابيين، بعد أن باتت الآن فى مرمى الجماعات الإرهابية المتطرفة.
لقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع أقوى قرارين فى تاريخه، وفرض فيهما عقوبات على كوريا الشمالية، خلال شهرى مارس ونوفمبر من العام الماضى، وذلك إدراكاً منه لأهمية نزع السلاح النووى من شبه الجزيرة الكورية، فضلاً عن التصدى لاستفزازات كوريا الشمالية التى تعتبر الدولة الوحيدة التى تجرى تجارب نووية فى القرن الحادى والعشرين.
إن هناك جبهة مضادة تتشكل الآن من بين أعضاء المجتمع الدولى لمجابهة كوريا الشمالية ووضع حد لاستفزازاتها. وكلى أمل فى أن تستوعب كوريا الشمالية دروس التاريخ وتدرك أن التخلى عن برامج تطوير أسلحتها النووية والصاروخية هو السبيل الوحيد الذى يضمن لها الازدهار المشترك داخل مظلة المجتمع الدولى.
* سفير مصر السابق لدى جمهورية كوريا
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة