كنا نعتقد أن فى مصر فسادا.. اكتشفنا، بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع، أن كلمة فساد تتحول إلى مرادف لمعنى الخجل.. فما نقرأ عنه ونتابعه من نهب منظم لثروات الأمة، يصعب توصيفه فى تلك اللحظة.. فرئيس الوزراء الأسبق متهم بإهدار 92 مليون جنيه على مصر بمجرد توقيع على ورقة فساد اشترك فيها وزيرا الداخلية والمالية السابقان.. أما وزير التجارة والصناعة الهارب - رشيد محمد رشيد - وحده فمتهم بتبديد ما يقرب من 4 مليارات جنيه فيما يسمى صندوق دعم الصادرات.. ورئيس الوزراء الأسبق «عاطف عبيد» باع مشروعات تقدر قيمتها بالمليارات، بمبالغ لا تتجاوز بضعة ملايين فيما كان يسميه الخصخصة.. وضف إلى ذلك السادة المحافظين الذين أهدروا على الوطن مئات المليارات ما بين تخصيص أراض وتلفيق مشروعات.. دون توقف عند من يقال عنهم رجال الأعمال، الذين نهبوا البنوك وقسموا أراضى مصر فيما بينهم.. كل هذا كان يحدث تحت سمع وبصر ومشاركة أهل البيت الرئاسى. تلك الكوارث كان يطبل ويزمر لها الإعلام الرسمى ممثلا فى عشرات القنوات التليفزيونية، وعشرات الصحف المسماة القومية.. بل إن مجلسى الشعب والشورى كانا يمثلان الدرع الواقى للفساد فى الوطن.. وانهارت كل تلك الجبال من الفساد لحظة انطلاق الثورة.. فهل يمكن أن نعتقد أو نتخيل أن ثورة الشباب، كانت تستطيع أن تصمد أمام أولئك الأباطرة؟! الحقيقة، التى لا يمكن أن ينكرها أحد، أن الحق كان زئيره قويا مع طلعة يوم 25 يناير.. لكن الحق لم يكن يستطيع أن ينتصر هذا الانتصار الساحق، دونما جرأة وجسارة القوات المسلحة المصرية.. فقد اختار قادة تلك المؤسسة أن يحملوا أرواحهم على أكفهم، وأعلنوا الدفاع عن الحق والثورة فانحازوا للشعب.. ومنذ تلك اللحظة خارت قوة رأس النظام وأصيبت أركانه بالرعب فاختبأوا فى جحورهم.. احترم الجيش المصرى شهداء الثورة.. أعلنوا تقديرهم لرموزها وشبابها.. وانطلقوا بكل الأمل والإرادة لعملية البناء.. لكن خفافيش الظلام من فلول النظام تربصوا بطرفى المعادلة.. فكانت الثورة المضادة التى بدأت من موقعة الجمل والحصان، مرورا بترويع طلاب المدارس.. مع إطلاق جيش البلطجية على المواطنين.. ومحاولة إشعال نار الفتنة الطائفية من قرية صول فى أطفيح.. حتى كانت فضيحة استاد القاهرة.. واعتقد الفاسدون أنهم استعادوا قوتهم.. فذهبوا إلى ميدان التحرير لإحداث الوقيعة بين الجيش والشعب. الحقيقة المؤكدة، والتى يجب أن نعترف بها، أنهم كادوا يحققون هدفهم.. ساعدهم فى ذلك أن ماكينة الشائعات الرهيبة، تفوقت على الإعلام الرسمى مرئياً ومسموعاً ومقروءاً.. بينما اختار الإعلام الخاص إضافة المزيد من المكاسب بملء فراغ تركه الإعلام الرسمى.. وفوجئت المؤسسة العسكرية بأنها مع المخلصين من أبناء هذا الوطن فى مواجهة ثورة مضادة نظمت صفوفها.. من هنا كان أن كشرت المؤسسة العسكرية عن أنيابها.. استفاق شباب ثورة 25 يناير.. دارت عجلة المواجهة بقوة وحسم وصرامة.. فكان القبض على رموز وأركان النظام السابق، ثم الشروع فى محاكمة رأس النظام.. تأكدنا عند تلك اللحظة أن ماكينة ثورة 25 يناير انطلقت لتعمل بكفاءة بعد الأسبوع الأول من أبريل.. اختفت خفافيش الظلام، وراحت ترشق بعضها البعض بالاتهامات، كاشفة أوراقا جديدة فى ملفات الفساد.. وظنى أنه بسقوط «الراجل الشامخ بسلامته» فقدت الثورة المضادة أهم قادتها.. كما أن خطاب الرئيس المخلوع نجح فى إعادة اللحمة بين الجيش والشعب.. فمن حيث أرادوا ضرب هذا الصرح المصرى العظيم ممثلا فى ثورة شعبه، اتجهوا إلى فقء عيونهم.. هكذا كان ذاك النظام المنهار، يتمتع بأعلى درجات الغباء الإنسانى والسياسى والثقافى.. فقد كانوا يتوهمون أنهم أذكياء لطول استمرارهم فى الحكم.. والحقيقة أنهم كانوا عباقرة فى الفساد فقط ونهب ثروات الأمة.. ودون ذلك نفذوا أخطر عمليات التقزيم لوطن احترمه التاريخ وانحنى له العالم تقديرا.. فالديكتاتور يمثل مرادفا للغباء.. والفساد هو الباب الواسع للدخول إلى جهنم.. ذهب الصغار وعادت مصر القوية والشامخة بفضل شبابها وشعبها ومؤسستها العسكرية التى يجب أن نبادلها كل التقدير والاحترام.. مع رفع اليد فى وضع «تعظيم سلام»! [email protected]