انقسمت بريطانيا بين مؤيد ومعارض لفكرة البقاء فى الاتحاد الأوروبى، وتصدع مجتمع الإنجليز أمام مخاطر وتحديات أى من الخيارين، فلكل منهما عواقبه وتداعياته التى يدفع ثمنها ويسدد فاتورتها الشعب أولا وأخيرا. وذهب مؤيدو البقاء إلى أن التخلى عن «عباءة» الاتحاد سيضعف من تأثير المملكة المتحدة على سياسات الهجرة الأوروبية، ولن يكون لها الحق فى ضبط الأمن عند مدخل النفق الأوروبى بمدينة كاليه فى فرنسا، حيث يتجمع آلاف المهاجرين تحيناً لفرصة الوصول إلى الشواطئ البريطانية، فضلا عن عزل الاقتصاد البريطانى وضياع الفرص التى توفرها السوق الأوروبية الموحدة، مما سيدفع المملكة العظمى إلى إجبارها على الالتزام بدفع مبالغ أكثر للتجارة فى القارة الأوروبية. ومن هذا المنطلق، أعرب العديد من قادة الشركات البريطانية عن مخاوفهم من خسارة أسواق تصديرية أساسية إذا فرطت لندن فى عضويتها، فيما أطلقت مؤسسات ومراكز بحثية تحذيرات بشأن التداعيات الاقتصادية والسياسية السلبية لخيار الخروج فى ظل خطط مجموعة من مديرى أكبر الصناديق فى العاصمة لنقل أرصدة بتريليونات الدولارات وآلاف الوظائف إلى خارج البلاد حال التصويت لصالح الانسحاب. وداخليا، يستدعى قرار الخروج فتح باب جديد لاستقلال أسكتلندا، حسبما لوحت رئيسة الوزراء الأسكتلندية نيكولا ستورجن بأن الحركة القومية ترى فى الرحيل البريطانى عن البيت الأوروبى حافزا لتجديد المطالبة بالانفصال باعتبار أن قرار الخروج سيحرم بريطانيا من التأثير السياسى الدولى القوى عندما تبقى لاعبا وحيدا ومعزولا فى العالم. أما معسكر المنادين بالانسحاب السريع، فتعزى دوافعهم إلى التجربة التى سنحت للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن تحكم على بلادهم بمنح حق التصويت للسجناء فى الانتخابات الوطنية، ومنع الحكومة البريطانية من ترحيل «الإرهابيين» المشتبه فيهم إلى بلدان لها سجل سلبى فى حقوق الإنسان، انتهاء بمحاولات تحويل المفوضية الأوروبية إلى «وصى شرعى» على السياسة البريطانية الداخلية استنادا إلى منطق «دولة أوروبا المتحدة». واقتصاديا، استند المتمسكون بالانسحاب إلى أن هناك 350 مليون جنيه إسترلينى تدفعها لندن أسبوعيا مقابل عضويتها فى الاتحاد، ويمكن توفيرها لإنفاقها على المواطنين، لتستعيد بريطانيا ديمقراطيتها وتحمى اقتصادها وحدودها، وتعلل أنصار هذا التيار بقضايا مصيرية وأزمات حرجة فشلت القارة العجوز فى تسويتها وإنهائها مثل الأزمة الاقتصادية فى اليورو وأزمة اليونان المالية، فضلا عن بطء النمو وأزمة الهجرة، وكلها تراكمات سحبت الكثير من رصيد «حلم أوروبا الموحدة» فى أذهان البريطانيين.