العمال: الدولة تخلت عنا وننتظر قرار التسريح

بين الماكينات المتوقفة عن العمل والمخازن الخاوية على عروشها، افترش أحد عمال مضرب تبييض الأرز، بالمحلة الكبرى، جوالاً قديماً من أجولة الأرز ليجلس فوقه، متكئاً بظهره على أحد الجدران أمام ماكينات المضرب الضخمة، متحسراً على مشهد توقفها عن العمل، بعد أن كان يديرها بيديه على مدار 25 عاماً.
العامل يدعى أحمد الفقى، وهو واحد من بين ألف عامل فى المضرب، حاول الفقى تجسيد مأساة زملائه الذين لا تتجاوز رواتبهم 1500 جنيه، فى أحسن الأحوال. «كلنا عندنا ولاد، وكل يوم والتانى نسمع إن ده آخر شهر هنقبض فيه، ما إحنا لينا سنة كاملة ما بنشتغلش»، يقول العامل ويضيف: «صعب نتصور إنه ممكن ييجى وقت ينقطع فيه مصدر رزقنا الوحيد، خصوصاً إن عندنا الاستعداد والطاقة للشغل».
زملاء الفقى يشاركونه استعداده للعمل، لذلك يخرجون يومياً على أمل تغير الأحوال، وعودة الدولة لتوريد الأرز للمضارب كما كان فى السابق، لتعود للعمل مبددة شبح البطالة الذى بات يهددهم، لكن أملهم تبدد مع استمرار زحف خيوط العناكب على ماكينات المضرب بدلاً من أجولة الأرز. يتذكر «الفقى» مشهد الماكينات التى كانت تدور فى موسم الأرز حتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل كى يتمكن المضرب من تسليم عهدته فى موعدها المحدد، إلا أن الحال تبدل تماماً حتى مع اقتراب موسم زراعة المحصول الجديد مطلع مايو القادم.
«الشركة سرحت 100 عامل موسمى بعدما توقفت الدولة عن توريد الأرز»، يتذكر الفقى زملاءه الذين قضى بعضهم نحو 4 سنوات، وكانوا فى انتظار صدور قرار بتعيينهم لكنهم فوجئوا بقرار التسريح.
«دول مجرد بداية، والدور هييجى على الباقيين».. جملة ربط بها عبدالحميد سعيد، أحد العمال، كلام الفقى، ليعبر عما بداخله من قلق، خوفاً من ملاقاته نفس المصير، فبعد أن استقلت إدارة المضارب فى ميزانيتها عن الشركة القابضة لن يجدوا مصدراً لتوفير الرواتب سوى تشغيل المضرب.
فى الوقت الذى يطالب فيه موظفو الدولة بزيادة رواتبهم لمواجهة ارتفاع الأسعار المستمر، أصبح حلم عبدالحميد وزملائه ألا تفاجئهم الإدارة بقرار توقف صرف الرواتب أو ترحيلها أو تجزئتها.
اصطحبنا العامل فى جولة لاستعراض أنواع وماكينات المضرب، التى بدت كأنها تقف فى مشهد صامت، انتظاراً لقرار من الدولة بإعادة تسعير الأرز وتوريده للمضارب كى تدب فيها الحياة من جديد.
ورغم حجب ميزانية الصيانة بسبب توقف المضرب، إلا أن العمال طوال فترة توقفه عن العمل يقومون بصيانته على نفقتهم بين الحين والآخر فى محاولة أخيرة للحفاظ على سلامة الماكينات، انتظاراً لقرار بعودتها إلى العمل.