ملأ التهليل والتصفيق الأجواء، والفرح زانه العناق والدموع ونشوة السعادة التي ملأت النفوس. صاح أول المستفيقين من تلك النشوة بصوت ملأته الهمة والفرح:" هنيئاً لنا الحرية يا رجال، هيا بنا نعد التورتة، حتى نتوجها بالكريزة!" رد أحدهم:"تورتة الكريمة التي طالما حلمنا بها، أخيراً سنستعيد أمجادنا وأمجاد أسلافنا مرة أخرى." رد الأول بإستغراب:" تورتة الكريمة؟" -"نعم، لقد عاش أسلافنا أزهى عصورهم في عصر تورتة الكريمة، التي توجتها الكريزة." -"ولكن تورتة الكريمة –وإن توجتها الكريزة- تسمح بالديكتاتورية والإستبداد، أما تورتة الشيكولاتة فيمكن أيضاً تتويجها بالكريز، وفي نفس الوقت تكون الكلمة فيها للشعب، وليس الحكم المطلق للديكتاتور." تدخل ثالث في الحوار بحدة قائلاً:"أنا بكل صراحة لا أفهم تلك المصطلحات المعقدة عن تورتة الشيكولاتة وتورتة الكريمة، ولكني أرى أن التأخير في وضع الكريزة الآن يعرضنا للحساب والمساءلة." نظر الجميع له، وسأله أحدهم بإستغراب:"أتريد وضع الكريزة على المحشي؟" بدا عليه التوتر، لكنه تمالك نفسه ورد بثبات قائلاً:"وضع الكريزة لا يحتكم لزمان أو مكان أو ظروف." -"ولكن غيرنا حاولوا من قبل وضعها على غير التورتة، فمنهم من وضعها على المسقعة ومنهم من إستعملها مع الحواوشي، فكانت النتائج كارثية ولام بعضهم الكريزة في النهاية." رد الرجل في حدة وغضب:"أنتم تريدون أن تستغنوا عن الكريزة، وأنا سأمنعكم من ذلك." -"كيف يكون ذلك ونحن نتناقش حول إستبدال المحشي بتورتة، حتى يتسنى لنا وضع الكريزة فوقها في النهاية، بينما تطالبنا أنت بوضعها فوق المحشي؟!" سد الأفغانستاني أذينه بأصابعه، وتمتم مخاطباً نفسه:"لا تجادل ولا تناقش وإلا وقعت في المحظور." عندها بدأ الجمع في الإنصراف من حوله، فأخرج بوقاً وأخذ يصيح فيه بأعلى صوته قائلاً:"إنهم خونة وعملاء، لا تسمعوا كلامهم وإسمعوا كلامي، أنا سأضع الكريزة، إذا أردتم النجاة من العذاب فإتبعوني ولا تتبعوا المضللين." ، ثم إستكمل صياحه قائلاً:"هذا المستنير الذي تلتفون حوله يحمل في جيبه وصفة طبخة السبانخ التي أتى بها من عند أعداءنا." ، "أتبعوني ولا تتبعوا مروج طبخة السبانخ." علت الهمهات وسط الحاضرين، وغلب على الواقفين الإستنكار من فكرة السبانخ التي لا تقبلها الغالبية من الجمع. في حين علت الدهشة الشديدة والإستنكار وجه المستنير ومؤيديه فصاح أحدهم:" أي سبانخ تلك التي يتحدث عنها الأفغانستاني، هذا هو التضليل بعينه، ما يقولونه هو محض تدليس وإفتراء، نحن نريد تورتة الشيكولاتة، التي يتساوى فيها الجميع من حيث الحقوق والواجبات، وسنتوجها بالكريزة كذلك." وسط الجدل والأصوات العالية، سأل أحدهم أحد شيوخ الجماعة قائلاً:"ما رأيك يا شيخنا، هل نضع الكريزة على المحشي كما يريد الأفغانستاني ومريدوه، أم على التورتة كما يريد المستنير وأتباعه؟" صمت الجميع على إثر السؤال، وإنتظروا سماع رأي الجماعة. إستند الشيخ بذقنه إلى راحة يده، وصمت قليلاً وهو يداعب ذقنه بأصابعه، منخرطاً في تفكير عميق، ثم قال في هدوء وبثبات:"لنضع الكريزة على تورتة المحشي." علت الهمهات وتعالت الأصوات مرة أخرى، فإنحنى على أذن الشيخ أحد أتباعه وسأله بهدوء: "ألم تكن تتحدث منذ قليل عن تورتة الكريمة التي عاش أسلافنا فيها أزهى عصورهم؟" ، رد الشيخ بثقة وهدوء بالغين قائلاً:"الغاية تبرر الوسيلة يا ولدي، اليوم تورتة المحشي، وغداً تورتة الكريمة."، ثم صمت برهة وإستطرد:"في الحقيقة أنك إذا إسترعيت الدقة، ستجد أنه ليس ثمة ما يسمى بتورتة المحشي، ولكن أنصاف الحلول هي منهجنا وهي ما إعتدنا عليه، حتى نصل لغايتنا في النهاية." في أثناء ذلك، سأل أحد الواقفين وسط الجمع:"أنا لا أفهم شيئاً مما يحدث، من المسئول عن تلك الفوضى؟" ، فرد عليه آخر:" هذا المستنير وأتباعه يريدون أن يأتونا بالسبانخ التي نبغضها، ويحبها الأعداء." فقال الأول في إستنكار:"سبانخ؟!َ!" ، فرد الآخر في حدة:"نعم سبانخ، أما الجماعة والأفغانستاني فوالله هما الأحب إلى قلبي، هم يريدون إسترجاع أمجادنا وأمجاد أسلافنا، أما المستنير وأتباعه فهم يخدمون أعداءنا، ويبتغون مذلتنا" ، فرد الرجل في غضب:" سحقاً للمستنير وأتباعه، ومرحى بالمجد وحامليه." وقف رجل عجوز على مقربة منهما، والأسى والحزن يعتصران قلبه، وأخذ يفكر أن الغلبة في البداية تكون لأصحاب الصوت العالي، ولكن الحق دائماً ما ينتصر في النهاية. ثم في حزن وبتضرع أخذ يدعو:" اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه... وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا إجتنابه."