أخيرًا، وبعد أكثر من نصف حلقات المسلسل، ظهر في الحلقة السابعة عشر، الفلسطيني المسلح، رغم أن هذا الظهور جاء متأخرًا، خاصة أن الفترة التاريخية التي جرت أحداث الحلقات السابقة خلالها، شهدت مقاومة فلسطينية بطولية. وفي رأيي فإن الكاتب أخفق بشكل كبير جدًا في إظهار الفلسطيني المسلح في هذا التوقيت وبهذه الطريقة، أما عن التوقيت، فإن ظهور حركات المقاومة الفلسطينية كان سابق حتى للتوقيت الذي بدأت فيه أحداث المسلسل، وطالما أن المؤلف اختار التعرض لنكبة فلسطين وحرب 1948 وقضية الاستيطان الصهيوني، فأعتقد أنه كان لزامًا عليه أيضًا التطرق إلى جانب من المقاومة الفلسطينية من بداية حلقات المسلسل، وليس بعد أكثر من نصفها، لأن في هذا تجاهل لجزء هام من تاريخ الشعب الفلسطيني، وهذا التجاهل يؤدي في النهاية إلى التصديق على الرواية الصهيونية القائلة إن فلسطين «أرض بلا شعب». وأما عن الطريقة، فالمتابع للمسلسل يعرف أن هذا الاشتباك داخل «الكيبوتس» من قبل متسللين فلسطينيين وأعضاء الكيبوتس الصهاينة، هو أول اشتباك وفعل قتالي فلسطيني- إسرائيلي منذ بداية الأحداث، وفي أول فعل قتالي يظهر الفلسطيني قاتلًا ويظهر الصهيوني ضحية، ومعتدى عليه، بل يظهر ليفي، القائد الصهيوني، والذي أظهره المؤلف شاعرًا وعازفًا، عاشقًا أيضًا، ومضحيًا بنفسه من أجل ليلى، التي هاجرت إلى فلسطينالمحتلة، بسبب تخلي حبيبها عنها، وهو ضابط في الجيش المصري. والأخطر في تقديري، هو حديث ليفي الصهيوني في الحلقات الماضية، عن أنهم يريدون التعايش مع جيرانهم (أسطورة صهيونية)، وأنهم لا يريدون الاعتداء عليهم، وأنهم يتدربون على السلاح فقط كي يستطيعون الحياة وليس من أجل الاعتداء على أحد، وهي رواية صهيونية أكدها مؤلف المسلسل، عندما أظهر أول فعل اعتداء من قبل فلسطينيين، على المستوطنين الصهاينة، وهو الاعتداء الذي كاد يلقى فيه حتفه ليفي الصهيوني والشاعر والعازف والعاشق، الذي كان يؤكد طوال الوقت أنهم لا يرغبون في الاعتداء وإنما يتدربون لرد أي اعتداء عليهم. أيضًا تجاهل المؤلف بشكل كبير إظهار الجرائم الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني، سواء مجازر مباشرة مثل مجزرة دير ياسين، التي وقعت خلال أحداث المسلسل، رغم أنها لعبت دور كبير جدًا في الصراع العربي- الإسرائيلي، لخصه مناحم بيجن، رئيس وزراء إسرائيل السابق، وأحد قيادات العصابات الصهيونية قبل قيام الكيان الوليد، بقوله: «لولا دير ياسين ما قامت دولة إسرائيل». وفي رأيي أن إغفال الدور الذي قامت به العصابات الصهيونية من قتل وذبح وتشريد وتهجير واحتلال إحلالي، والتركيز على الرسالة الصهيونية المتحدثة عن العيش المشترك وجعل الصحراء جنة، يظهر الفلسطيني في مشهد الهجوم على الكيبوتس في مظهر المعتدي وليس المقاوم، خاصة أن المؤلف أخرج هذا الهجوم من سياقه التاريخي والوطني والنفسي. على كل حال، عرف تاريخ الشعب الفلسطيني عديد من الانتفاضات، لنيل استقلاله، والتصدي لإقامة كيان صهيوني على أرضه، مثل انتفاضة عام 1920، والتي انطلقت احتجاجًا على إصدار بريطانيا وعد بلفور في نوفمبر 1917، وهو الوعد بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وانطلفت هذه الثورة في القدس ضد الاحتلال اللإنجليزي، ثم ما لبثت أن انطلقت إلى بقية المدن، ما دفع الحاكم الإنجليزي إلى فرض الأحكام العرفية، وانتهت الأحداث باستشهاد وإصابة أكثر من 270 فلسطيني، في أول انتفاضة ضد الاحتلال الإنجليزي والمخططات الصهيونية لاحتلال أرض فلسطين. وفي عام 1929 اندلعت ثورة البراق، بعد اشتباك الفلسطينيين مع مستوطنين صهاينة، حاولوا اقتحام المسجد الأقصى لإقامة احتفالات دينية عند حائط البراق، وسيطر الاحتلال الإنجليزي على الموقف بالمصفحات والتحليق بالطائرات فوق المدينة، وفي هذه الأثناء تشكل أو تنظيم فلسطيني مسلح ضد الانتداب الإنجليزي والعصابات الصهيونية، بقيادة أحمد طافش، وأطلق عليه اسم «الكف الأخضر». وفي عام 1936، اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى، حيث عم الإضراب الشامل الأراضي الفلسطينية، للمطالبة بإقامة حكومة وطنية ومنع الهجرة الصهيونية، وواجه الاحتلال الإنجليزي هذه الثورة بقمع شديد فكان يهدم منازل الثوار ويرفض غرامات جماعية على القرى التي يشتبه في تقديمها مساعدات لهم. واستمرت المقاومة حتى حرب 1948، وما تلاها، وتشير بعض التقديرات، إلى أن مشكلة «التسلل» إلى حدود الأرض المحتلة، والقيام بعمليات مقاومة مسلحة ضد العصابات الصهيونية، مثل في هذه الفترة التاريخية التي تلت حرب 1948، الخطر الأكبر على الكيان الوليد، وأدى في فترة ال 15 شهرًا الأولى بعد حرب 1948 (النكبة) إلى قتل 413 إسرائيليًا، وإصابة 104 آخرين. وتشير تقارير إلى تعرض الكيان الوليد إلى عمليات مقاومة من قبل المقاومين الفلسطينيين انطلاقًا من الأراضي المحيطة بفلسطينالمحتلة، منذ عام 1949، وحتى حرب 1956، تقدر بما مجموعه 7850 حادث تسلل من الجبهة الأردنية، و3000 حادث من الحدود مع قطاع غزة ومصر، إضافة إلى 600 من الحدود مع لبنان. وأسفرت العمليات الفدائية التي قام بها المقاومون الفلسطينيون في الفترة من 1951: 1955، انطلاقًا من الأراضي المحيطة بفلسطينالمحتلة، عن مقتل حوالي 1000 إسرائيلي، حيث أسفرت العمليات الفلسطينية التي انطلقت من الأراضي الأردنية عن مقتل 701 إسرائيلي، في حين أسفرت العمليات الفدائية التي انطلقت من مصر عن مقتل 199، أما العمليات المنطلقة من سوريا فأسفرت عن مقتل 55 إسرائيلي، في حين أسفرت العمليات المنطلقة من لبنان عن مقتل 6 إسرائيليين.