السيد/ من يهمه الأمر.. تحية طيبة أكتب إليك خطابى هذا، لأستصرخ فيك نخوة الرجال، وعدالة من استقامت أنفسهم، وهمة من تشامخت أنوفهم فى عزة وكبرياء، وغيرة من يضنيهم وطن يضيع، وأرض تتآكل من تحت الأقدام، وحاضر يذوى، وقادم لا نراه. وأقول لك، وأنت تسمع كل شىء، لقد عم البلاء، وانقطع الرجاء، وضاقت على الناس الدنيا بما رحبت، ولم يعد ينفعنا معسول الكلام، ولم تعد تخدعنا آلة الكذب المنمق، ولم تعد ترهبنا آلة البطش المنظم، ولم يعد السكوت ممكناً أبدا على الأحلام الصرعى، والظلام الذى يقتل طاقات النور تباعا، ويسحبنا إلى الهاوية. السيد/ من يهمه الأمر.. لقد صبرت طويلا على كلام عن الرخاء والاستقرار، فما وجدت سوى فاقة واضطراب، وتمالكت زمام نفسى كثيرا أمام حديث مستفيض عن النزاهة والطهارة والعفة، فما ألفيت سوى فساد يزكم الأنوف، ولصوصية تنهب بلا وازع ولا رادع، وفجور لم تعرف حمرة الخجل إلى أهله سبيلا. السيد/ من يهمه الأمر.. لقد رهنوا بلدا عظيما لفكرة صغيرة، لا تزيد على محاولة مستميتة ليصل شاب نزل على رؤوس الجميع فجأة إلى سدة الحكم. وباسم هذا المشروع الغارق فى الأنانية المفرطة تم ترتيب الأمور كافة، فى الداخل والخارج، فكأن لا شىء قبله، ولا شىء بعده، ولا ضرورة غيره. ولهذا توالت التنازلات فى كل الاتجاهات: نضن بما يحتاجه البيت ونمنحه عن طيب خاطر إلى الغريب، ويأمروننا بأن نصطف معهم ضد إخواننا فنرضخ، وضد مصالحنا فنتغافل، وضد المستقبل فلا يعنينا إلا أن نعيش الساعة التى نحياها. السيد/ من يهمه الأمر.. لقد رفعت وجهى فى جميع الاتجاهات فوجدت بلدا محاصرا، وأمة مخنوقة، ففى الشرق عدو يستهين بنا، ولا يقيم لنا وزنا، وفى الجنوب بلاد استيقظت على غفلتنا وتفريطنا فراحت تطلب منا أن نستعد للعطش والتحاريق، فالنيل، الذى وهبنا وطنا، سيغور ماؤه ويقل عطاؤه، وفى الغرب بلد أدار لنا ظهره، وأخرج لنا لسانه، وولى وجهه بعيدا عنا، بعد أن كنا قبلته ومقصده ومبتغاه، وفى الشمال عالم لا يلتفت إلينا كثيرا، ولا يرى فينا سوى تاريخ يتباعد مع توالى الأيام، وتراكم السنين. السيد/ من يهمه الأمر.. حين أنظر تحت قدمىّ، أو داخل حدود بلادى، لا أجد سوى قلة محتكرة وكثرة معتصرة، فالنمو الذى حققه السادة الجدد ذهب إلى جيوب أصدقائهم وحلفائهم وأتباعهم، والأرض التى استصلحوها وزعوها على باشوات هذا الزمن، والمدن التى شيدوها وضعت سلفا فى قبضة أيدى من يدينون لهم بالولاء، ويقتسمون معهم عرق هذا الشعب وماله. وما نراه من تقدم فى مجالات معينة ليس من صنع أيدينا، إنما منحة من العولمة ومخرجاتها، ومع هذا يتيهون علينا بما لم يفعلوه، فيتحدثون عن الحكومة الإلكترونية وكأنهم اخترعوا الكمبيوتر والموبايل، ويتكلمون عن انخفاض معدل الوفيات وكأنهم قادوا ثورة فى الطب الحديث، ويفخرون بأن المصريين يشاهدون الفضائيات وكأنهم أنتجوا الأقمار الصناعية، وفى الوقت ذاته يهيلون التراب على الحقائق المرة التى تبين أن الأمراض الخبيثة تنهش الأجساد، والشباب يتساقطون فى قيعان البحار وهم يسعون وراء أرزاقهم، وكل يوم جديد يهوى تحت خط الفقر عشرات الآلاف، ويصعد إلى قمة الهرم الاجتماعى واحد فقط من الأباطرة. السيد/ من يهمه الأمر .. حين أبحث عن مخرج لا أجد، فالأحزاب السياسية ألحقوها بسلطتهم الباطشة، والنقابات أمموها، والجميعات الأهلية حاصروها وخنقوها، وكل رجل يرفع رأسه فيعوّل المصريون عليه يقلّمون أظافره ويشوهونه ويبعدونه، وهكذا أوصدوا الأبواب كافة، وسدوا كل المنافذ والفُرج، وفتحوا باب الشرطة والعسس على مصراعيه فعاثوا فى الناس تنكيلا وتخويفا وإجبارا، فلما فاض الكيل، ونزل من يرفضون الضيم والذل والقهر إلى الشارع ليمارسوا حق الصراخ راح الرئيس مبارك يهددهم بطريقة مبطنة فيقول: «علينا جميعا أن نحاذر من أن يتحول التنافس المطلوب فى خدمة الوطن وأبنائه لمنزلقات تضع مستقبله ومستقبلهم فى مهب الريح». كل هذا رغم أن مهب الريح صنعته الأيدى التى قتلت السياسة فى مصر، مؤسسات ورجالا، وخلقته الرغبات الجامحة فى الاستئثار بالسلطة، والسعى المحموم إلى رعاية الفساد وحمايته. السيد/ من يهمه الأمر .. أنت من أنت، ولتكن من تكون، لكن ما أود أن أقوله لك فى ختام رسالتى هذه: إن مصر الغالية أعظم من أن تدار يوما بيوم وكأنها هيئة بيروقراطية صغيرة تعيسة، وشعبها أنبل من أن يساق إلى حتفه، وأمنها أهم من رغبة حاكم واشتياق وارث، فلا تتردد يا سيدى فى أن تمد يدك لأيادى ثمانين مليوناً أنهكهم الانتظار الطويل، ويتطلعون إلى ساعة الخلاص. وأخيرا، تقبل تحياتى وتقديرى. مواطن مصرى