«لا»، قلتها قبل التعديلات وكنت مصرا عليها وذهبت بها إلى الاستفتاء لأضعها فى الصندوق، وأنا أعلم كل العلم أن (لا) هى أول رأى فى حياتى يساهم فى تحديد مصير بلدى. دخلت اللجنة ورأيت الصندوق وكنت أود أن أحتضنه وأقول له «حمد لله على السلامة، كنت فين يا عم». أقول ذلك لأمهد لنفسى ما أود أن أقوله من وجهة نظرى عما قد تعلمته من تجربة التعديلات بغض النظر عن (لا) بتاعتى أو (نعم) بتاعت غيرى التى أحترمها. أول شىء تعلمته من وجهة نظرى، هذا النقاش المتحضر الذى كان يسود كل مكان متعلم فى مصر حول التعديلات، حتى إنى كنت أرى فى بعض الأحيان فى البيت الواحد آراء متفرقة وكل واحد يذهب ليدلى بصوت مختلف عن صوت أفراد أسرته، إذن كيف تحول المواطن والبيت المصرى فى هذه الفترة الوجيزة إلى كائن يدرك ما الديمقراطية التى لم يتعلمها فى حياته، هل هى طبيعة فى الإنسان المصرى أم أن الفرد إذا توفرت له الحرية والعدالة يتحول إلى شخص إيجابى؟ تعلمت من التجربة أن هذا الطابور الطويل الذى كنا نقف فيه لكى نقول «نعم» أو «لا» ليس طابور أنابيب أو رغيف خبز، إنما هو طابور كرامة وحرية، لذلك لم نر أحداً مستاءً من الطابور أو لم يحترم وقفته فيه، حتى محافظ القاهرة نفسه حينما حاول تخطى الطابور منعه الناس، فطابور الحرية طابور عادل، طابور يعلم من يقف فيه أنه رئيس جمهورية، يستطيع أن يؤثر صوته فى مصير بلد.تعلمت من التجربة أن يوم الاستفتاء كنت أعبر فيه عن رأيى وأحميه، وعندما خرجت من اللجنة وجاءت نتيجة الاستفتاء أصبحت أحمى رأى أغلبية المصريين وأصر عليه، ليس لأنى إنسان مثالى، ولكن لأن من يذوق الحرية والكرامة يعرف قيمتهما فلا يحرم الآخرين منهما. أهم ما تعلمته فى هذه التعديلات وقد يغضب كثيرين، أن هناك من الناس من التبس عليهم الفكر، ونسوا أن الله قد أعطانا العقل أمانة كى ينير طريقنا لا أن نكون تابعين وراء فكر شخص أو جماعة أو مرجعية. مرجعيتى هى عقلى مادام الأمر لا يتعلق بثوابت دينية أو فقهية، كيف يمكن لإنسان شعر بالحرية أن يرضى أن يتبع فكر أو رأى رجل دين فى الأساس قد اختاره من وجهة نظره ومن تفكيره وليس من الثوابت؟